د. قيس العزاوي
استراتيجية أمريكية للخروج من الشرق الأوسط لمواجهة القوى الكبرى
من يطلع على حصيلة التقارير السياسية والدفاعية والاستراتيجية الامريكية الاخيرة، سوف يتأكد دون شك، بأن ادارة الرئيس الامريكي الجديد جو بايدن عازمة على القيام بمجموعة من التغييرات السياسية والعسكرية في علاقاتها الدولية عامة وفي منطقة الشرق الاوسط خاصة، تغييرات من شأنها ان تعيد موازين القوى إلى ما كانت عليه قبل الحقبة الترامبية السوداء واحداث بعض التحولات في انماط التحالفات.
وقد سجل جو بايدن بكفاءة عودة بلاده إلى عدد من المنظمات والاتفاقات الدولية، وأصلح بعضًا مما فسد. وما زالت هناك عقبات لعودة بلاده إلى اتفاقات دولية اخرى.. وربما تكون أبرز اولويات حكمه هي الحد من تنافس القوى الكبرى مثل الصين وروسيا والاتحاد الاوروبي مع بلاده لقيادة المسرح الدولي.
لقد ضاق بعض الاستراتيجيين الامريكيين خاصة العسكريين والامنيين منهم من التمركز الامريكي في منطقة الشرق الاوسط وقد اسمعوا مؤخرًا اصواتهم وقدموا النصائح للرئاسة الامريكية، فعلى سبيل المثال لا الحصر وجدت اللفتنانت كولونيل كريستين ماكفان الخبيرة العسكرية في معهد واشنطن ضرورة العودة إلى الاستراتيجية الأمريكية للدفاع الوطني لعام 2018 التي تجعل الاولوية القصوى للتنافس مع الصين وروسيا وهو ما عبرت عنه ادارة الرئيس بايدن واعلان رغبتها في تحويل التركيز بعيدًا عن منطقة الشرق الاوسط، والاستعداد لمنافسة القوى الكبرى.
لقد وجد البعض ان حسابات التكلفة والفوائد في ظل الظروف الاقتصادية العالمية والامريكية خاصة لاستمرار انتشار حاملات الطائرات الامريكية الضاربة في الخليج العربي (جرى إرسال مجموعتين من حاملات الطائرات) تكلفة باهظة وفائدة مشكوك بوجودها، خاصة حين تعترف الاوساط العسكرية الامريكية بعدم وجود أدلة على أن عمليات الانتشار هذه تردع طهران بالفعل، في وقت يشكل الانتشار ضغطًا كبيرًا على البحرية الأمريكية، ويخفف الضغط على بكين وموسكو على الرغم من الدعوات المتكررة لإعادة توجيه الاهتمام نحو التهديدات الصينية الروسية. ويمكن للرئيس بايدن الاكتفاء بدعم الامن الاقليمي لدول المنطقة وتحقيق رغبته في تخفيف التوترات مع إيران، مما يوفر فرصة لتغيير الموقف العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، والتفرغ لمواجهة التحديات الكبرى. وينصح هؤلاء بتحويل مراكز "الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع" بعيدًا عن الوجود الدائم في منطقة الشرق الأوسط والاعتماد على الأقمار الصناعية وغيرها لجمع المعلومات وكذلك على إسرائيل في مجال "الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع" والعمل مع دول الخليج لتوفير وتطوير قدرات إقليمية، والتحوّل نحو منافسة القوى العظمى.
بيد أن هناك اصوات سياسية امريكية مؤثرة اخرى ترى ان الانسحاب الامريكي من الشرق الاوسط يشكل تهديدًا حقيقيًا للمصالح الامريكية، فالخبير ديفيد شينكر مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن يرى أن انسحاب الولايات المتحدة من العراق سيقضي على جهود كبح تنظيم «الدولة الإسلامية»، ويؤدي إلى تقويض الثقة في حكومة بغداد، وتفاقم الأزمة الاقتصادية في العراق وتسليم البلاد بالكامل إلى طهران لأن الوجود الأمريكي في العراق مصلحة حيوية للأمن القومي للولايات المتحدة.
على ان المساعد الخاص السابق للرئيس أوباما دينس روس يرى ان الاهمية القصوى للوجود الامريكي في منطقة الشرق الاوسط والعراق خاصة هي الحيلولة دون امتلاك ايران قنبلة نووية خاصة بعد ان تطورت خروقات ايران لالتزاماتها امام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فمن معدل تخصيب لليورانيوم لا يتجاوز الـ4 بالمائة إلى تخصيب 20 بالمائة إلى قرار ايران الأخير بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، أي أقرب إلى درجة السلاح النووي كما أن ايران ستبدأ بتصنيع معدن اليورانيوم، في خطوة محتملة باتجاه تصنيع نواة قنبلة. وينصح روس الرئيس بايدن باستخدام القوة في نهاية المطاف لمنع إيران من المضي قدمًا نحو صنع قنبلة نووية.
تلك هي بعض الملامح التي تقدم صورة ما ستكون عليه الاوضاع العربية في حالة بدء الانسحابات الامريكية المحدودة من المنطقة العربية.. انسحابات ستفرض حقائق جديدة على الارض وعلى الحكومات العربية وسوف تتغير على اثرها انماط التحالفات مما سيؤثر بالقطع على مجمل النظام العربي، الذي يعاني من عدد لا حصره له من الازمات والخافي اعظم!