عاجل
الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
في نقد النقد.. ملاحظات الضرورة على العملية النقدية في مصر الآن

في نقد النقد.. ملاحظات الضرورة على العملية النقدية في مصر الآن

قضية النقد الحديث في مصر وأقصد بها النقد الفني بما يشمله من نقد تطبيقي للفنون والآداب على تعددها، أصبحت قضية تحتاج لإعادة نظر وتأمل دقيق.



 

فهناك مهنة اختصاصية لا تزال باقية كدور ثقافي في الدوريات المتخصصة هي مهنة الناقد، لكن تلك الدوريات التي كانت حاضرة بشكل واضح، وكانت في معظمها شهرية، يمكن ملاحظة انخفاض معدل انتظامها إلى دوريات موسمية.

 

بالإضافة لتراجع التنوع النقدي في الصحف والمجلات العامة، الذي كان حاضرًا بشكل واضح في مرحلة قريبة جدًا في السنوات الماضية.

 

وهو الأمر الذي يحرم المبدعين الجدد في مجالات المسرح والسينما والفنون التشكيلية والآداب بأنواعها فكرة الاعتراف النقدي بالمواهب الجديدة، ومتابعة تراكمها الإبداعي، وتحليل إبداعاتها.

 

وهي الفرصة التي حظيت بها أجيال سابقة، فصنعت علامات واضحة في مجالات الفنون والأدب.

 

كما أن دور الناقد النظري في الدعوة لتأكيد احتياج المجتمع والجمهور لتيارات فنية بعينها، أو اقتراح مسارات فنية تدعم العملية الإبداعية وسياساتها الثقافية، قد أصبح دورًا نادرًا في حضوره.

 

كما يمكن ملاحظة الخلط بين دور المحرر الفني أو الأدبي ودور الناقد الفني أو الأدبي، وهو المهني المختص الذي لا يحمل صفة الصحفي، لكنه يفهم في أدبيات العمل الصحفي كونه يمارس عملا نقديا يجمع فيه بين الوعي بالقيم الأدبية والفنية، وفن كتابة المقال للجمهور العام.

 

كما يمكن ملاحظة ذلك النزوع نحو التبسيط الشديد في معظم ما يكتب في أبواب النقد بدعوى التواصل مع الجمهور العام، ما يساهم في ترسيخ التبسيط المخل أحيانًا، وهو ما يمنع تدريب القارئ على الخبرة الجمالية والمعرفية للفنون وهي أحد أهم أهداف النقد، لتربية خبرات التذوق الأدبي والفني.

 

أما الملاحظة الباقية المتكررة منذ عصر ازدهار النقد في الستينيات المصرية من القرن العشرين حتى الآن، فهي ظاهرة اهتمام النقد بالفكرة والموضوع في الأعمال الأدبية والفنية، وإهمال تحليل وتفسير وتقييم القيم الجمالية.

 

وبالعودة لتلك القضية نجد الناقد الكبير الراحل جلال العشري يشير إليها بعنوان قضية النقد الحديث عام 1966 إذن يرى أنه: ليس عندنا نقاد يكتبون، ولكن عندنا كتاب ينقدون، فلا يوجد الناقد المتخصص في هذا الفن أو ذاك، وإنما يوجد نقاد هم أصلا كتاب يقولون رأيهم في كل شيء، ولأنهم فضلاء، بلغ بهم الفضل أن يكون لهم الرأي فيما يعلمون وما لا يعلمون، فعلى امتداد ثقافتنا الحديثة ومنذ عصر التنوير حتى الآن، لا نكاد نجد الناقد النظري الذي يعبر عن ذواتنا الأصيلة دونما انعزال عن العالم من حولنا، مع أن نظرية النقد هي الأصل الذي يجيء النقد التطبيقي فرعا له.

 

إن هذا الوعي بأزمة النقد هو وعي حقيقته إدراك غياب المشروع الجماعي في التأسيس الجمالي للمسرح، وفي هذا الإطار يرى الناقد الستيني الكبير فاروق عبد الوهاب، نعود مرة أخرى إلى مناقشة الظواهر العامة التي تميز ما يكتب من نقد في صحفنا اليومية منها والأسبوعية لنجد أن معظم ما يكتب في الملاحق الأسبوعية المخصص جزء منها للفن، وهو بالمناسبة ضئيل جدا إذا قورن بالمساحات المخصصة لكرة القدم، وهذا في حد ذاته دليل قاطع على أننا ما زلنا ننظر للفن، لا على أنه صانع الوجدان الأول لشعبنا ولكل الشعوب ولكن على أنه شيء كمالي ترفيهي، يمكن الاستغناء عنه- أقول نجد أن معظم ما يكتب في تلك الملاحق الأسبوعية يكاد يشترك مع ما يكتب في الأعداد التي تصدر باقي أيام الأسبوع في الخصائص العامة المميزة، وحتى أدلل على صحة وجهة نظري فسوف نأخذ مثالا محددا وهو، وإن كان ليس نقدا بل تناول لظواهر عامة في الإبداع والنقد إلا أنه يفيدنا في تناول الظواهر العامة التي تحكم النقد في مصر.

 

وأعني بهذا المثال المحدد مقال الدكتور لويس عوض في ملحق أهرام الجمعة يوم 8/4/1966 بعنوان “في الخلق والفن” ورد الأستاذ محمود أمين العالم عليه في عدد المصور اللاحق على ذلك التاريخ.

 

وكل من المقال والرد يعكسان (المدخل) الغالب على النقد في تلك الأيام، وهو محاولة قراءة معان ورموز سياسية أو اجتماعية في كل ما يكتب، وفصل هذه المعاني وهذه الرموز عن باقي مكونات العمل الفني، وهي السمة الغالبة المستمرة حتى الآن.

 

وفي هذا الإطار يرى د. رشاد رشدي أيضًا في عام 1964 الوجه الآخر للمشكلة القائمة في النقد داخل عملية التأليف، وهو يحدد لنا جزءا من مشكلة الأزمة الجمالية للمسرح آنذاك إذ يرى أن:

 

المسرح المصري في أغلبه مسرح فكرة ولا أقصد بهذا أنه مسرح ذهني يقوم على أفكار فلسفية.

 

وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على عدم نضج الكاتب المسرحي لأنه لم يستطع أن يزوج الفكرة للتعبير أو الموضوع للشكل، وبالتالي لم يستطع أن يخلق موضوعا فنيا له كيانه المستقل.

 

والموضوع الفني هو الشكل الفني.. هو في الحقيقة العمل الفني نفسه.. أما الموضوع بمعنى الفكرة أو المشكلة فهذه لا وجود لها إلا في الحياة، ومع ذلك فما زال أغلب النقاد عندنا يتحدث عن الموضوع وعن الشكل كشيئين منفصلين.. يبحثون عن الفكرة التي تقوم عليها المسرحية. وعندما يعثرون عليها يعتقدون أنهم عثروا على كنز... ونفس الحال بالنسبة للقراء والمتفرجين تعجبهم المسرحية التي لها فكرة- أما المسرحية التي ليس لها فكرة فهي في نظرهم مسرحية تافهة.

 

إن ما يعنينا بالأساس في الملاحظة السابقة القول بغياب التركيز على المسألة الجمالية والذي يبدو عنصرًا أساسيًا في العملية الفنية والنقدية معا وإن كانت ملاحظة رشاد رشدي تحتاج إلى تنبيه لعموميتها حيث لا يمكن الأخذ بصدقها تمامًا وإن لم تخل بالطبع من صحة.

 

إلا أنها الملاحظة المتجددة المهمة التي نراها حاضرة في معظم النقد الفني والأدبي المطروح على الجمهور العام في مصر.

 

وهو الأمر الذي يحتاج إلى اهتمام ضروري في خطط وسياسات مجالات النشر العام في مصر ومنها أيضًا الإعلام المسموع والإعلام المسموع المرئي، الذي خفض مساحات البرامج العاملة في مجال النقد الفني والأدبي.

 

كما لوحظ اختفاء ظاهرة نقد النقد وتواصل النقاد حول أفكار بعينها، والبقاء في دائرة الاهتمام بالأفكار والموضوعات دون التحليل الجمالي النقدي. وهي المعرفة التي يحتاجها الفنان والأديب ويحتاجها الجمهور أيضًا من أجل تذوق أفضل للفنون والآداب، يساهم في مستقبل أفضل قادم للثقافة والفنون في مصر.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز