عاجل
الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية "مملكة الداجو" في إقليم دارفور

السلطان عمر كسفروك - مملكة الداجو
السلطان عمر كسفروك - مملكة الداجو

أسس شعب الداجو واحدة من الممالك الإفريقية الغامضة بإقليم دارفور غرب السودان، لكنها لم تكن أولى الممالك التي شهدها الإقليم، فقد سبقتها عدة ممالك أخرى موحدة، أولها "مملكة الداجو"، وكانت دارفور تتكون من قبائل عديدة لكل منها دار تسكنها وتخضع كل منها لزعيم.



 

أما أسباب ذلك فترجع للطبيعة البدوية للسكان أو القبائل قاطني الإقليم، التي تتميز حياتها بالعمل في النشاط الزراعي والرعي وكذلك الصيد، وهي وثنية في معظمها.

 

 

وتاريخ الداجو غير مؤرّخ على وجه الدقة، ويعتمد في الأساس على الرواة وغيرهم ممن يحفظون التاريخ، وقد استقر الداجو في المنطقة الواقعة جنوب شرق جبل مَرة (يكتب بفتح الميم)، ولفظ الداجو من الكلمات التي أصابها التحريف كثيرًا في كتابات بعض المؤرخين والرحالة المسلمين الكلاسيكيين (القدامى)، وعرف الداجو باسم تاجو أو التاجوة، أما عن موطنهم فيحدده الجغرافي المغربي الإدريسي (المتوفى سنة: 560هـ): "من مدينة مانان إلى مدينة تاجوة ثلاث عشرة مرحلة- المرحلة عشرة أميال- وهم مجوس لا يعبدون شيئًا وأرضهم متصلة بأرض النوبة، والمسافة بين مدينة تاجو والنوبة ثماني عشرة مرحلة".

 

 

وقد أشار الإدريسي إلى مدينتين من مدن الداجو أو التاجويين، وهم تاجوة التي هي منطقة غير معروفة، وكذلك مدينة سمنة وتقع بتلال سيميات على بعد عشرين ميلًا شرق مدينة الفاشر، التي صارت عاصمة إقليم دارفور، ومن اللافت أن يذكر الإدريسي أن التاجويين (شعب الداجو) من معتنقي الديانة المجوسية، وأنهم لا يفقهون شيئًا.

 

 

وعرفت مملكة الداجو باسم سلطنة ما بين الأنهار، وبلغت أقصى اتساعها في منتصف القرن الرابع عشر الميلادي فشملت حدودها بحيرة ونهر شاري، وتمتد إلى بحر العرب جنوبًا والنيل الأبيض شرقًا، وشمالًا إلى الحدود مع ليبيا.

 

 

ولقد اختلف المؤرخون حول أصل الداجو، فالروايات التي تحدثت عن أصل شعب الداجو هي الروايات الشفوية، فتذكر أن قبيلة الداجو جاءت- فيما يقال- من منطقة الواحات، وكان ذلك قبل دخول المسيحية لمنطقة السودان الغربي، حيث ظهرت بعض الممالك الأخرى مثل قبيلة واداي التي تقع في تشاد حاليًا، والتي كونتها قبيلة تعرف باسم البرقو، وهم الذين وفدوا- بحسب البعض- من تونس إلى تشاد، وهو نفس الوقت الذي شهد أيضًا بروز دور قبيلة المساليت التي دخلت في صراعات مع كل من مملكة الداجو ومملكة التنجور بإقليم دارفور.

 

 

ويرجح البعض أن الداجو وفدوا إلى إقليم دارفور في حوالي القرن الثاني عشر الميلادي، وكانوا يقطنون على مقربة من قبيلة الزغاوة، وقد اقتصر نفوذهم على الجزء الجنوبي الشرقي من دارفور، وقيل أيضًا أن جماعات الداجو كانوا يتمركزون عند جبل مَرة في دارفور، الذي يقع على مسيرة يومين إلى الغرب من دارفور، وقيل إنهم ملكوا هذه البلاد قبل قدوم التنجور، وكان عندهم صنم يعبدونه يسمى "كنقرة".

 

 

ويعتقد البعض أن أصل الداجو يرجع إلى العرب، وأنهم ينتسبون إلى جدهم الأكبر المعروف باسم أحمد داج، فذكروا أنه قدم إلى دارفور تاجرا ثم استقر وتزوج وصاهر أهل هذه البلاد "دارفور"، ومن هنا ظهرت سلالة شعب الداجو.

 

 

وفي رأي آخرين فإن شعب الداجو كان قد قدم إلى دارفور من جبال النوبا جنوب إقليم كردفان، الواقعة غرب مجرى النيل الأبيض وإلى الجنوب من دائرة عرض 11 شمالًا، وقد سيطروا على المنطقة الوسطى والجنوبية من دارفور، ومما يؤكد هذه الهجرة قول الرحالة جوستاف ناختيقال أن لغة الداجو تختلف تمامًا عن لغة النوبا، وهي تشبه لهجات السكان بمناطق النيل الأبيض، ثم تمكن ذلك الشعب من الاستقرار في منطقة جبل مرة في دارفور، ومن ثم تأسيس أول مملكة وهي مملكة الداجو.

 

 

ومما سبق يتضح أن تاريخ الداجو يصعب تحديده بشكل كبير، ومن الأرجح أنه مع بداية القرن الثاني عشر الميلادي أو قبله بقليل جاء شعب الداجو إلى دارفور عبر البوابة الشرقية، ورغم اجتهادات بعض الدراسات حول أصولهم إلا أن الغموض لا يزال يكتنف أصل الداجو. 

 

 

لقد شكل شعب الداجو مع كل من جماعات البرقد والبيقو- أقدم الأعراق الدارفورية- وهم يشكلون مجموعة متميزة في وسط إقليم دارفور، تقع إلى الشرق والجنوب الشرقي لجبل مرة، وشمال ديار البقارة، وهم رعاة الأبقار في دارفور. 

وحكم مملكة الداجو إقليم دارفور في الفترة ما بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وحكم الداجو 6 سلاطين أولهم السلطان عبد الله داج، وكان آخرهم السلطان عمر بن أمن الشهير باسم "كسافرو"، ويتوزع الداجو في 5 مناطق تركزت في إقليم كردفان (لا سيما في جبال النوبة حاليًا)، وإقليم دارفور وفي تشاد.

 

 

وقد عرف عن شعب الداجو ولعهم بالطرب والموسيقى، حتى إنهم اخترعوا بعض الآلات الموسيقية لعل منها الطبل (النقارة) وصفارة الآبنوس.

 

 

أما النشاط الاقتصادي فقد برع الداجو في صهر الحديد والنحاس وصناعة الدروع والأحذية الجلدية، إلى جانب صناعة البارود والفخار، الذي كان يعتبر من أهم الصناعات عند أهل الداجو، وكانت لهم لمحة جمالية مميزة في صناعة الفخار.

 

 

كما ازدهرت الزراعة في عصر مملكة الداجو، خاصة زراعة القطن معتمدين على مياه الأمطار، وتميزوا أيضًا بصناعة النسيج التي تسمى عندهم بالسيكي، واستطاعوا أن يوفروا حاجة السوق من الملابس.

 

باحث دكتوراه كلية الدراسات الإفريقية العليا – جامعة القاهرة  

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز