د. قيس العزاوي
لكي لا نبقى عراة وسط العواصف الثلجية السيبرانية
بعد أن تسلحت غالبية الدول بالمعرفة الالكترونية وأسست قوات أمنية سيبرانية تحميها من حملات الهجوم الالكتروني وتزودها بكل انواع المعلومات عن الاصدقاء والاعداء على حد سواء، وتعطيها قدرة رد العدوان، لم تدرك معظم دولنا العربية خطورة الانكشاف المعلوماتي امام القوى الاقليمية والدولية، وبالتالي فهي عارية في وسط العواصف الثلجية السيبرانية.
اصبحت المعارك السيبرانية: المعلوماتية والاقتصادية وحتى العسكرية تدور بين الدول المتصارعة والشركات المتنافسة و العصابات الإجرامية التي تستخدم الفضاء الالكتروني لسرقة المعلومات وتمرير تجارة البشر والسلاح، تدور بضراوة على الشبكة العنكبوتية.
باتت صراعات الفضاء السيبراني على المسرح الدولي هي المادة الاكثر قراءة في اعلام اليوم، لكونها تنقل لنا اخبار المعارك الطاحنة بين المتنافسين كما تنقل اخبار فضائح المخابرات الدولية.
ومن الواضح ان الامريكي إدوارد سنودن الذي ابتدع ظاهرة ويكليكس، استطاع لوحده اختراق اجهزة الأمن المعلوماتية لاقوى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الأميركية مهددا امنها، ليس المعلوماتي فحسب وانما السياسي والعسكري، كاشفا بالوثائق للعالم كله مخططاتها السرية وعلاقاتها التأمرية على الحلفاء والاعداء ناشراً الفضائح تلو الاخرى من اسرار بلده .
عندما انتهت الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفياتي بدأت القوى الكبرى على الفور تطوير تقنياتها المعلوماتية، وكونت وحدات امنها الالكترونية، وابتدعت اسلحتها الجديدة لحروب ليست باردة وانما وصفت حينها بحروب القوى الناعمة!!.. وهكذا انتقلت الصراعات المسلحة بين القوى الكبرى في العالم من ميادين القتال الحقيقية الى ميدان القتال الافتراضية على شاشات الحاسبات ، قتال تجرى رحاه على شبكات الإنترنت والفضاء الرقمي.
وعلى مقربة منا تطور الدول الاقليمية المجاورة لنا تقنياتها الالكترونية بشكل متسارع فتقارع بقوات امنها السيبراني القوى الاقليمية والكبرى.
فها هي ايران تحارب الكترونياً على عدة جبهات: فهي من دبر فيروس "شمعون" الذي شل عشرات الآلاف من أجهزة الكمبيوتر في منشات اقتصادية، وهي أيضا من هاجم 6 منشآت مياه حكومية اسرائيلية في إبريل الماضي رداً على هجوم اسرائيل على الموانئ والمواقع النووية الايرانية.
وايران ايضاً-كما كشف محللون في شركات الأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة الأمريكية- هي التي كانت مسؤولة على محاولات قرصنة لأهداف حكومية أمريكية واهداف في القطاع الخاص على اثر اسقاط ايران طائرة امريكية بلا طيار “منتصف عام 2019”.
وها هي تركيا المستفيدة من عضويتها في حلف شمال الاطلسي تقتني المعرفة الالكترونية الغربية وتقوم بتطويرها واستخدامها للدفاع والهجوم في مجال الصراعات السيبرانية.
ففي الايام الاخيرة من العام الماضي قامت تركيا من خلال قراصنة تابعين لها بشن هجوم على ما لا يقل عن 30 مؤسسة اوروبية، من بينها وزارات، وسفارات، ومؤسسات ذات طابع أمني، وخدمات البريد الإلكتروني للحكومة القبرصية واليونانية. وقد سبق لتركيا ان قامت عام 2017 بهجمات مماثلة من خلال اختراقها العديد من حسابات تويتر المعتمدة لمؤسسات ووسائل إعلام وشخصيات عامة أوروبية، على اثر خلافات دبلوماسية بين تركيا وأوروبا.
اما إسرائيل التي تعتبر الاولى في المعرفة الالكترونية اقليميا ومن الاوائل عالمياً، فلم تكتف بقيامها بشن هجمات الكترونية على القوى الفلسطينية، بل قامت عام2019 بشن هجوم عسكري على أحد المباني التي ادّعت أنه يُستخدم من قبل مجموعة فلسطينية تقوم بقرصنة المعلومات، وبالاضافة الى ذلك تتجسس اسرائيل على الدول العربية من خلال برنامجها "بيغاسوس" ومن خلال اختراق الامن السيبراني الاسرائيلي لاسرار الدول والمنظمات العربية.
المعرفة الالكترونية ليست ترفا وانما هي ضرورة حيوية للامم والدول، فالعالم باسره يدار اليوم بالطرق الرقمية والمعلوماتية، وفي الكواليس تخوض المؤسسات والتنظيمات والدول معاركها الحاسمة: ألم يعزى فشل هيلاري كلنتون وفوز ترامب في انتخابات الرئاسة الامريكية عام 2016 الى تدخل مباشر من المخابرات السيبرانية الروسية ؟ ألا تجري اعنف المعارك اليوم بين الصين وامريكا وروسيا الكترونياً . فلنتعلم ونطور معارفنا الالكترونية لكي لا نبقى عراة وسط العواصف الثلجية السيبرانية!!