عاجل
الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
ذكرى انتصارات أكتوبر
البنك الاهلي

قصة قصيرة طالت قليلا

«هيكل» و«السادات» بصراحة

الزعيم جمال عبد الناصر يستمع لهيكل
الزعيم جمال عبد الناصر يستمع لهيكل

«أتذكر أننى بعد أن خرجت من السجن تلقيت برقية من إحدى الدور العالمية التي تنشر كتبى وكان نصها: «ما هو رأيك فى كتاب عنوانه «السادات بقلم هيكل»؟ ورددت على الفور بالاعتذار قائلا: إن الوقت ليس سانحًا بعد لمثل هذا الكتاب بمثل هذه الدرجة من الصراحة، ولا أتصور أن أقدم على مثل هذا المشروع قبل أن تمضى سنوات بحيث يتسع الوقت للدرس والتأمل والتقييم، ومن ثم تصبح الكتابة أكثر من مجرد سرد وقائع ومشاهدات وتجارب».



 

هكذا كتب واعترف الأستاذ «محمد حسنين هيكل» فى مقدمة الطبعة العربية من كتابه الأشهر «خريف الغضب» الصادر عام 1983.

 

ومرت السنوات، ولم يكتب الأستاذ «هيكل» هذا الكتاب، لكن «السادات» لم يغب لحظة واحدة عن قلم «هيكل»، مؤيدًا ومساندًا، أو مختلفًا معه!

 

وهو القائل: «لقد أسعدنى أننى صاحبت أنور السادات وهو يعانى هموم مسؤوليته، ثم رأيته وقد ملك شجاعة قرار من أصعب وأخطر ما واجهته مصر فى تاريخها أعنى قرار أكتوبر 1973».

 

فى حياة وزمن حكم الرئيس «أنور السادات» أصدر الأستاذ «محمد حسنين هيكل» أكثر من كتاب منها «لمصر لا لعبدالناصر» ويضم مجموعة المقالات التي نشرها فى جريدة «الأنوار» اللبنانية، وصدرت بمقدمة يشرح فيها دوافعه لنشرها خارج مصر، والمقدمة بتاريخ فبراير سنة 1976.

 

وأصدر كذلك «الطريق إلى رمضان» سنة 1975 و«حكاية العرب والسوفييت» سنة 1979، وعندما جرى التحقيق معه صيف سنة 1978 أمام المدعى العام الاشتراكى وقتها السيد الوزير «أنور حبيب» حرص على نشرها فى كتابه «وقائع تحقيق سياسى أمام المدعى الاشتراكى».

 

فى هذه الكتب كان الرئيس «السادات» حاضرًا بقوة، وما قاله «هيكل» عن «السادات» وقتها يستحق القراءة بهدوء وتعقل أيضًا!

 

ففى كتابه «لمصر لا لعبدالناصر» سوف تقرأ هذه السطور عن «السادات»:

 

«إن أنور السادات ليس بحاجة إلى بطولات تختلق أو تلفق، فالرجل له من سجله ما يكفيه ويغنيه، وإذا لم يكن له غير قرار العبور لكفاه وأغناه».

 

وكانت مناسبة هذا الكلام للأستاذ «هيكل» هو حديثه عن خروج الخبراء السوفييت من مصر عام 1972 حيث كتب يقول:

 

محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

 

 

«أستأذن هنا أن أسمح لنفسى بأن أختلف مع الذين يرون أن قرار الرئيس «أنور السادات» بإخراج الخبراء السوفييت من مصر كان قرارًا استعيدت به السيادة المصرية على الأرض المصرية، وأقرب الأشياء إلى الحقيقة أن هذا القرار كان ممارسة لسيادة موجودة ولم يكن استردادًا لسياسة مفقودة.

 

لقد كفاه أن يخطر السفير السوفييتى بما يريد يوم 8 يوليو 1972 وأن يطلب تنفيذه فى ظرف عشرة أيام ولم يناقشه السفير السوفييتى ولا ناقشه أحد فى موسكو، وإنما قام كبير الخبراء السوفييت بإخطار وزير الحربية وقتها بأن قرار الرئيس مستجاب ومطاع، ثم وعد بتقديم تقرير يومى عن عملية ترحيلهم وبدلاً من أن تتم فى عشرة أيام تمت فعلا فى ثمانية!

 

وإذن فهى لم تكن معركة سيادة أو معركة استقلال، كان قرار ممارسة سيادة وكان قرار ممارسة استقلال» (ص 184).

 

 

 

وتتواصل الرحلة داخل كتب الأستاذ!

 

ظلت قصة تعيين «أنور السادات» نائبًا لرئيس الجمهورية «جمال عبدالناصر» فى 20 ديسمبر سنة 1969 لغزًا كبيرًا حتى الرئيس «جمال عبدالناصر» لم يتحدث عنه أبدًا حتى توفى!

 

يبقى تفسير القصة عند الأستاذ «هيكل» نفسه، ففى كتابه «خريف الغضب» رواها على النحو التالى:

 

«فى هذه الأوقات الصعبة زاد «السادات» قربًا من «جمال عبدالناصر» وكان بيت «السادات» فى الهرم هو المكان الوحيد الذي يستطيع فيه «جمال عبدالناصر» أن يذهب لكى يقضى بين حين وآخر ساعات مع «صديق» لم يكن يضغط على أعصابه بإثارة مناقشات سياسية أو عسكرية ملحة!

 

كان طبيعيًا على هذا الأساس أنه حين تعرض «عبدالناصر» للنوبة القلبية الأولى فى سبتمبر سنة 1969 أن يضع «السادات» على رأس لجنة تضم بعض القريبين منه وتتولى تسيير شؤون الدولة فى غيابه، وعلى أى حال فإن هذه اللجنة لم يقدر لها أن تباشر عملاً حقيقيًا، فما لبث «عبدالناصر» أن نسى نوبته القلبية وعاد يمارس شواغله ومسؤولياته!

السادات
السادات

 

 

وفى ديسمبر سنة 1969 كان على «عبدالناصر» أن يشارك فى أعمال مؤتمر القمة العربى الذي عقد فى ذلك الوقت فى الرباط بالمغرب، وأتذكر أننى كنت معه فى هذه الرحلة، وعندما دعانى إلى الجلوس بجانبه بعد إقلاع الطائرة، كما كان يفعل دائمًا، فإنه أشار إلىَّ بالجلوس وعلى وجهه ابتسامة وفوجئت به يقول:

 

«هل تعرف ماذا فعلت اليوم؟!

 

ولم أكن أعرف وقال لى:

«كان «أنور السادات» سيمر علىَّ لكى يصحبنى إلى المطار وطلبت منه أن يجىء معه بمصحفه، ولم يفهم ماذا عنيت بهذا الطلب، وعندما جاء فقد جعلته يقسم اليمين ليكون نائبًا لرئيس الجمهورية فى غيابى!

 

وأبديت دهشتى وسألت عن السبب الذي دعاه إلى ذلك! ومد «جمال عبدالناصر» يده إلى ملف كان قد وضعه أمامه على المائدة فى الطائرة وسحب منه عدة أوراق ناولها لى ثم قال: اقرأ هذه البرقيات!

 

كانت الأوراق عددًا من البرقيات الشفرية أرسلتها مجموعة المقدمة التي سبقت الرئيس إلى الرباط لإعداد الترتيبات الإدارية اللازمة لإقامته ولعمله أثناء انعقاد مؤتمر القمة، وكانت بينها برقية بتوقيع سكرتير عام رئاسة الجمهورية ورئيس مجموعة المقدمة تقول: إن هناك معلومات متداولة فى بعض الأوساط السياسية فى المغرب بأن الجنرال «محمد أوفقير» وزير الداخلية المغربى يتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى محاولة لاغتيال «جمال عبدالناصر» أثناء وجوده فى المغرب!

 

وفرغت من قراءة البرقية بكل تفاصيلها والتفت إلى الرئيس مستوضحًا وقال هو:

 

- إننى كثيرًا ما أتلقى مثل هذه المعلومات، ودائمًا ما يثبت أنها شائعات بلا أساس، لكن ظروفنا الآن لا تحتمل أى فراغ، ولقد فكرت فى أنه إذا فرض وصدقت المعلومات هذه المرة وحدث شىء فإن «أنور» يصلح لسد الفترة الانتقالية، إن الاتحاد الاشتراكى «التنظيم السياسى وقتها» والقوات المسلحة سوف يواصلون تحمل المسؤولية الفعلية، وفى فترة الانتقال فإن دور «أنور» سيكون شكليًا!

 

ثم أضاف «عبدالناصر»: إن الآخرين جميعًا واتتهم الفرصة ليكونوا نوابًا لرئيس الجمهورية إلا «أنور»!! ولعله دوره الآن!

 

ثم أضاف مرة أخرى قوله:وعلى أى حال فهى فترة أسبوع على أرجح الأحوال!

 

ويعلق الأستاذ «هيكل» على ما سمعه: فقد علمته التجارب من قبل أن كل هذه التقارير عن مؤامرات الاغتيال مبالغ فيها، وقد رأى منها الكثير» (ص 91 و92).

 

وفى كتاب الأستاذ «هيكل» وقائع تحقيق سياسى أمام المدعى الاشتراكى: وردًا على سؤال أن الرئيس «السادات» يرى ويصرّ على أن هذا العهد الحالى وثورة 15 مايو هما امتداد لعبدالناصر وثورة 23 يوليو أجاب «هيكل» قائلاً:

 

«ليس عندى شك فى موقف الرئيس السادات شخصيًا، ليس فقط لدواعٍ أخلاقية، ولكن لدواعٍ عملية وفعلية، لأن الرئيس «السادات» كان فى معظم فترة «عبدالناصر» رئيسًا لمجلس الشعب الذي هو الجهة المسؤولة عن متابعة تصرفات السلطة التنفيذية، فضلاً عما أعرفه شخصيًا من صلة القرب بينهما، والثقة وهو ما دعا الرئيس «عبدالناصر» فى لحظة خطر على حياته إلى أن يقع اختياره على الرئيس «السادات» ليكون نائبه، ومن ثم يكون الطريق مفتوحًا أمامه ليتولى الحكم من بعده، وقد كانت هذه النقطة بالتحديد هى التي ركزت عليها فى الفترة التي توليت فيها مسؤولية الحملة الانتخابية للاستفتاء على رئاسة «السادات» الأولى.

 

هيكل والسادات بجوار الزعيم الراحل جمال عبدالناصر
هيكل والسادات بجوار الزعيم الراحل جمال عبدالناصر

 

إننى كنت قد قدمت استقالتي من وزارة الإرشاد فى 3 أكتوبر 1970غداة تشييع جثمان الرئيس «جمال عبدالناصر» وألححت على قبولها، وبناء على طلب الرئيس «السادات» وبتكليف محدد منه، فإننى بقيت فى الوزارة إلى ما بعد أيام الاستفتاء على رئاسته لكى أكون مشرفًا على إدارة الحملة الانتخابية لرئاسته فى وجه تيارات كان لها فى ذلك الوقت آراء معاكسة»! (ص 256 و 257).

 

وتتواصل الرحلة داخل كتب الأستاذ:

 

ببراعة شديدة لاشك فيها قاد الأستاذ «هيكل» على صفحات «الأهرام» إدارة الدعاية والمساندة والتأييد للسادات، فمثلاً كان مانشيت الأهرام الصادر أول أكتوبر سنة 1970 «الجماهير تزحف لتؤيد السادات على طريق عبدالناصر» وقبل الاستفتاء بيوم واحد وفى مقال «للأهرام كلمة» نشر الأهرام سطورًا مهمة حملت عنوان «صوت عبدالناصر» جاء فيه: «إن بطل الأمة العربية الخالد أعطى صوته -حقيقة الأمر- لأنور السادات وذلك باختياره له نائبًا لرئيس الجمهورية فى الساعة السابعة من الصباح الباكر يوم السبت 20 ديسمبر 1969، كان «عبدالناصر» يومها فى طريقه إلى الرباط لحضور مؤتمر القمة العربى، وليلة السفر قرأ عبدالناصر مجموعة من التقارير، كانت كلها تشير إلى أن هناك محاولة ضد حياته، رتبتها بعض أجهزة المخابرات الأجنبية التي تريد أن تتخلص منه ومن دوره وتأثيره على الأمة العربية!

 

وفكر «عبدالناصر» طول الليل - كما قال هو بعد ذلك - فكر فى الوطن واستمراره و لم يفكر فى نفسه وما قد يتعرض له، وفى الساعة الخامسة صباحًا كان قد استقر رأيه على أن يعين «أنور السادات» نائبًا لرئيس الجمهورية، وفوجئ «أنور السادات» فى السابعة والنصف بتليفون يدعوه إلى الذهاب لبيت الرئيس، وكان المفروض طبقًا للترتيبات السابقة أنه سيلقاه فى المطار بين المودعين فى السفر، وذهب «أنور السادات» إلى بيت الرئيس وهو لا يعرف سبب دعوته فى الصباح الباكر وفوجئ بالرئيس يقول له:

 

- «إنك سوف تقسم اليمين أمامى الآن نائبًا لرئيس الجمهورية»!

 

ودهش «أنور السادات» وأقسم اليمين أمام الرئيس فى الثامنة من الصباح ولم تكن هناك مراسم، ولا كان هناك حتى مصور لالتقاط صور لحلف اليمين، ومن هنا نستطيع أن نقول بشكل ما إن بطل الأمة العربية وقائدها باختياره وبالظروف التي أجرى فيها هذا الاختيار أعطى صوته لأنور السادات».

 

انتهى المقال.. وفى 15 أكتوبر سنة 1970 أصبح «أنور السادات» رئيسًا، وحتى ذلك الوقت لم يكن أحد يدرى بما يدور فى كواليس السلطة من غضب مكتوم وحسب ما كتبه الأستاذ «هيكل» (كتابه أكتوبر 73 السلاح والسياسة) قوله:

 

«ولعله مما ساعد على جريان الأمور سهلة وسلسة أن كثيرين ظنوه الأضعف بين المرشحين وربما خطر لهم أنه من الممكن بعد ذلك استغلاله أو السيطرة وعليه أو حتى إزاحته، وكان ظن البعض «يقصد خصوم السادات» أن أسبابًا للقصور سوف تتبدى فى تصرفاته وساعتها من يعرف كيف تتطور المسائل»!

 

وفى ذكرى مرور أربعين يومًا على وفاة. «عبدالناصر» وفى أهرام الجمعة 6 نوفمبر 1970 يكتب «هيكل» أخطر مقالاته بعنوان «عبدالناصر ليس أسطورة» كانت حديث الناس ليس فى مصر وحدها، بل فى العالم العربى كله عندما استمعوا إليها فی المساء عبر الإذاعة، فقد كان «هيكل» هو الصحفى الوحيد الذی أمر «جمال عبدالناصر» بإذاعة مقاله الأسبوعى!

 

انفجر مقال «هيكل» فى نفوس وعقول كل رجال عبدالناصر فى الحكم وكان بيدهم كل مقاليد السلطة والحكم، كان غضبا وسخطا جارفا بلا حدود ضد هيكل ومقاله الذي كان من بين سطوره:

 

«إن جمال عبدالناصر ليس له خلفاء ولا صحابة يتقدمون باسمه أو يفسرون نيابة عنه، لقد كان له زملاء وأصدقاء، وقيمة ما تعلموه منه مرهونة بما يظهر من تصرفاتهم على أن تكون محسوبة عليهم دون أن يرتد حسابها عليه.. 

 

إن خلفاء عبدالناصر هم كل الشعب وليسوا بعض الأفراد . وهم كل قوى التطور والتقدم وليس بعض المجموعات وهم كل المستعدين لأن يعطوا باسم عبدالناصر وليس كل الذين يمكن أن يأخذوا باسمه . 

 

 وقال فى نفس المقال أيضا : «ليس من حق أحد بيننا أن تراوده على نحو أو آخر بقصد أو بغير قصد فكرة تحويل جمال عبدالناصر إلى أسطورة، كان أكثر ما ينفر منه «عبدالناصر» فى حياته هو عبادة الفرد، ولهذا فإنه ليس من حق أحد بعد الرحيل أن يجعل منه إلها معبودا فى هرم آخر على أرض مصر، إن التكريم الحقيقى له أن يظل بيننا إنسانا قبل كل شيء وبعد أى شيء»!

 

كان على رأس الغاضبين د. «لبيب شقير» رئيس مجلس الأمة وعضو اللجنة التنفيذية والذي استعرض فى أحد اجتماعات اللجنة ما جاء فى مقال «هيكل» واعتبره ينتقص ويحط من قيمة الزعيم الخالد والاتحاد الاشتراكى وطالب بمحاكمته سياسياً!!

 

باقى التفاصيل يرويها الأستاذ «لطفى الخولي» فى كتابه المهم «مدرسة السادات السياسية واليسار المصري» حيث يقول : 

 

 «كان طلب المحاكمة حلقة من حلقات صراع المحاور الضارى حول السلطة، وسارع السادات بالاستجابة إلى الطلب دون مناقشة، وفى الجلسة التالية للجنة التنفيذية المحددة للمحاكمة التي كان من المقرر أن يناقش أعضاؤها تفصيلا فيما بينهم الاتهامات الموجهة إلى «هيكل» وإصدار حكمهم فيها فاجأ السادات الجميع بدعوة «هيكل» لحضور الاجتماع والدفاع عن نفسه، وذلك على أساس أنه من غير المشروع محاكمة المتهم فى غيابه خاصة أن المتهم كان من أقرب الناس إلى جمال عبدالناصر نفسه !

 

ودافع هيكل عن آرائه ومواقفه من عبدالناصر حيا وميتا، إنسانا وقائدا بمنطق قوى مدعما بوثائق ووقائع ثابتة كان من شهودها عدد من أعضاء اللجنة أنفسهم ! وكان من بين هذه الوقائع وصية شخصية من «عبدالناصر» تؤكد ثقته العميقة فى المتهم وذلك بأن يتولى هيكل كتابة تاريخه إذا ما وقع له حادث اغتيال أو توفاه الله .

 

وتمكن هيكل من أن يجذب إلى صفه جانبا مهما من الأعضاء كان على رأسهم الدكتور محمود فوزى – رئيس الوزراء – الذي تمتع دوما باحترام غالبية الورثة الشرعيين للنظام، واتخذ السادات صمت الحكم المحايد وأوصى بموافقة غالبية اللجنة وصمت الأقلية بإغلاق ملف المحاكمة دون إصدار حكم واعتبار الموضوع كأن لم يكن»  (ص 242، 234).

 

وسرعان ما ينفجر الصراع والخلاف بين السادات وخصومه وينحاز هيكل من دون تردد إلى جانب السادات حتى أطلق عليه البعض «مهندس عملية 15 مايو» التي كان يحلو للرئيس السادات أن يطلق عليها «ثورة التصحيح» !! ويقول «هيكل»: إننى مع اعتزازى بالدور الذي قمت به شخصيا إلى جانب «أنور السادات» فى الأحداث التي وقعت فى مصر خلال شهر مايو 1971 لا أعتبر أن 15 مايو كان ثورة جديدة فى مصر. ويضيف : «يكفينى أن اقول أننى كنت أول شخص دعاه الرئيس السادات إلى بيته ليتشاور معه حين وصلت إليه الأشرطة التي أقنعته بوجود تآمر عليه، وقد ظللت منذ تلك اللحظة إلى يوم 15 مايو حين انتهى كل شيء رفيقا شبه دائم إلى جانبه حتى تمت العملية بنجاح».

 

ويقول فى كتابه «الطريق إلى رمضان»: لقد كان المصريون دائما حساسين جدًا بالنسبة إلى موقع السلطة الشرعية وهم يعرفون أن أنور السادات هو رئيسهم الشرعى المنتخب وكان ذلك مصدر قوة عظيمة له «ص125».

 

ومن العبارات المهمة التي كتبها الأستاذ «هيكل» قوله: 

 

«كان الرئيس السادات مناوراً بارعًا وكانت مهاراته السياسية تتفوق على نفسها حين تكون الحركة بالمناورة وفى المأزق الصعب الذي كان ينتظره !

 

ويضيف: كان الرئيس السادات شخصية مثيرة بكل المعايير، وكانت شخصيته متعددة الجوانب بحكم تكوينه الإنسانى وتجربته الحافلة وقد علمته الأيام أن يقابل الصعاب بصدر رحب !

 

وفوق هذا فإنه راح يمارس هذا كله ببساطة وأحيانا بمرح إذا سمحت له الظروف، وكان هناك معيار لحالته النفسية يعكس نفسه فى الطريقة التي يلقى بها تحية الصباح أو يردها! وحينما يكون راضيا وسعيدا فإن تحية الصباح عنده كانت تتراوح ما بين «صباح الفل» أو «صباح الورد» أو «صباح القشطة»!

 

وحين تستبد به المشاكل والهواجس فإن تحية الصباح عنده كانت تتراوح ما بين «صباح الخير»، «صباح النور»، وأحيانا يبلغ السوء مداه فإذا هو يرد تحية صباح الخير قائلا : ومن أين يأتى الخير، هذا صباح الزفت والقطران !!

 

 

بقى أن أعترف بحيرتى فى اختيار عنوان لهذا التحقيق، وفجأة اهتديت وتذكرت العبارة الرائعة لكاتبنا وأديبنا الكبير د. يوسف إدريس عندما سأله المحاور اللامع الأستاذ «مفيد فوزي» وهو يحاوره تليفزيونيًا فى حديثه الشهير وسأله : ماذا تطلق من اسماء عنوانًا لهذا الحوار ومشوار حياتك؟ وكانت إجابة د.يوسف إدريس ! قصة قصيرة طالت قليلا!!

 

وها أنا أستعير نفس العنوان مع إضافة بسيطة: هيكل والسادات بصراحة: قصة قصيرة طالت قليلاً!   

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز