عاجل
السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
صفحات « روز إليوسف »… إن حكت ! 2-2

صفحات « روز إليوسف »… إن حكت ! 2-2

الفن للجميع.. ونصف حياتك في المنزل



« عم حسن »، ينادون عليه تحببا. تلمع عيناه خلف نظارته الطبية ببريق سحري عجيب، على ملامح وجهه طيبة، تشعر بها، تمسك بها، تأنس لها، و نبرات صوته الهادئة تشي برزانته، أدار عقله و ولفّه على المعرفة، متعففًا لا يسعى، شامخًا على أنَفة، زينه الله بفضائل و أخلاقيات عزّ لها، في أيامنا، نظير، فأوتي محبة القلوب. ذلك هو حسن فؤاد.

 

 

كان  ما بَرح في طفولته يدرج، لمّا ماتت عنه أمه، تلقفته زوجة أبيه، عوّضته حنان الأم، فترعرع و هو لا يشعر باليتم. مال الى الرسم، توّلع به، درسه في « كلية الفنون الجميلة العليا » ، كما كانت تسمى، تتلمذ في قسم التصوير على قامات في الفن: حسين أمين بيكار، أحمد صبري، يوسف كامل… و تنّبه عبد السلام الشريف، أستاذ قسم الزخرفة، لموهبة حسن فؤاد، فقرّبه منه و أخذ بيده، وكان الدافع الأساسي الذي جعله مع الرسم يكتب، فيطلع النثر من صرير قلمه لطيف السبك على صحة و عافية اللغة… وعندما ترأس عبد السلام الشريف تحرير المجلة التي تصدر عن الكلية، كان حسن في هيئة التحرير، يكتب و يعيد صياغة ما سينشر فيها ثم يصمم صفحاتها، بمباركة أستاذه ومعلمه. وتخرج « عم حسن »، وتنقل حاملًا أقلامه و ريشاته وعلب ألوانه ودواة حبره الصيني بين صحف هاتيك الزمن.

سنة ١٩٥١، وكان في ميعة الشباب، أصدر مجلة « الغد »، و في روعُه تقديم نوع جديد من الصحافة الثقافية، فأقبل عليه كتّاب، زمنذاك، وغمسوا أقلامهم بحبرها.. كان حسن فؤاد يريد مجلة تشبهه و تعبر عن مواقفه في الفن و الحياة.

لم ترق «الغد » للجالسين على كراسي الحكم، فأصدر من لم تشب أصابعهم  بسواد الحبر، قرارًا بتعطيلها، فاحتجبت، ولأنه ثابت الجنان، شجاع القلب و العقل، عاد حسن فؤاد سنة ١٩٦١ الى إصدار المجلة من جديد، لتعاود السلطة تعطيلها مجددًا!

و تنزل الدبابات إلى شوارع المحروسة، و يخرج الجيش من الثكن، فيطاح بالملك و الملكية.

في ١٧ من سبتمبر ١٩٥٢، و لم يكن مضى على ثورة «الضباط الأحرار» أسابيع معدودات، اُستدعي حسن فؤاد للانضمام إلى أحمد حمروش، عبد المنعم الصاوي، مصطفى بهجت بدوي، لإصدار مجلة « التحرير » لتكون لسان حال السلطة الجديدة في البلاد، ناشرة الفكر الإشتراكي المناهض  للاقطاعية و الرأسمالية.

لم يكن عُمر «التحرير» طويلًا، و كذلك لم يدُم طويلا الوفاق بين « عم حسن » وبين السلطة الجديدة!

في خمسينات القرن الماضي، كانت المجلات الأسبوعية و الشهرية في مصر، تطبع بطريقة « فوتوغراف»، وأغلفتها و مادتها كانت صورًا فوتوغرافية مطبوعة باللون الأخضر الزيتوني أو البني، و لم تكن حال الجرائد اليومية أفضل، فلقد كان الحرفيون من التابعية الأرمنية يتسيدون محترفات «زنكوغراف» و هم مع  «الخواجات» يحددون بقوالبهم شكل الجريدة.

في هذا المناخ، أطل حسن فؤاد على الصحافة. و منذ البدء، اعتبر أن الإنجاز البصري، في أي فن، مرئيًا  كان أم مطبوعًا، بالريشة و الخطوط و الألوان، أم بالأحرف و الكلمات، ليس مجرد صنعة، زينة، زخرفة مبهرة، أو ترفًا مسرفًا و مغإليا فيه، إنما هو تعبير عن موقف فكري، أدبي، سياسي و ثقافي.

فكان فكر حسن فؤاد، في ذلك، يناهض نظرية « الفن للفن » L’art pour l’art التي إنطلقت في فرنسا في القرن التاسع عشر (دعا إليها و روّج لها و دافع عنها: فيكتور هوجو، شارل بودلير، تيوفيل غوتيه، تيودور دو بانفيل، ستيفان مالارميه… ) التي تعتبر الفن، في أشكاله شتى، هو ترف جمإلي، يجب إبعاده عن المجتمع    و مشاكله،   و عن الواقع و تبعاته.

و قد سُميت هذه النظرية أيضا «النظرية البرناسية»، نسبة الى جبل « برناس» في اليونان ، الذي كان الأغريقيون  القدامى يعتقدون أن آلهة الشعر تسكُن فيه.

مال حسن فؤاد إلى  «النظرية الإنعكاسية»، التي تعتبر الفن يجب أن يكون انعكاسًا للواقع المعاش. لذلك ابتدع مدرسة جديدة في التصميم الصحافي، تبتعد عن تقليد «الخواجات» في المجلات التي كانوا يصممون صفحاتها، فتنفلش عليها صور الأجنبيات الحسناوات، واحتفالات  المجتمع المخملي الباذخة، فأدخل الواقع إليومي المعاش بمرارته إلى الصحف و المجلات، فكان، على ذلك، ذوقًا مغايرًا للذوق البورجوازي النخبوي الذي كان سائدا، يعتمد على فخامة المظهر و على المواد الأعلى ثمنا في الورق و الأحبار.

كان حسن فؤاد ينزل الى ذوق الشعب، يغرف من ثقافته و إبداعات غير المثقفين، وغير المتخصصين، و يعمل بجهد على إكتشاف فرادة جمالها، يبرزه في الشكل المطبوع أو على القماش في رسوماته، فيجعلنا، نحن الرائين لنتاجه، نعيش واقعنا اليومي، بكل ما فيه من جمال و قبح، تفاؤل و تشاؤم، إستكانة و رفض، حزن و فرح، ضحك  و دموع. رسومه تصارحك، تساند الخطوط خواطره، و تنزل لينة، هينة على أصابعه، و تتساقط الألوان من إعياء مزجها على القماش أو الورق، صارخة، هادئة، راضية بما أراد لها من تعبير.

المهمشون، المنكسرون، و الغلابة… إحتلوا خواطره، رسمهم، تألم معهم، تشعر في لوحاته أنه عايش معاناتهم، ونقلها بأمانة. كذلك الفلاح المُشققة أصابعه من شوك الأرض كان له نصيب في لوحاته. و راح يرفع الحياة إلي الفن و يُنزل الفن الى مصاحبة الحياة: رسم عاهرات، بائعات اليانصيب، و الأطفال في  جلابيبهم المتّسخة وبيجامات النوم  المخططة… و بالمقابل رسم البسطاء و مباهجهم.

كانت ضرباته على الورق، كما كتب تلميذه محيي الدين اللباد، قوية و حنونة، خجولة و غير قاطعة، من فرط الرقة، و تعجُلِها في الإمساك باللحظات.

بَهَره الريف و حياة الغيطان و عَبَق التراب المروي بعرق الفلاح، فما كاد عبد الرحمن الشرقاوي يمسح قلمه من رواية « الارض»، حتى كان حسن فؤاد يرسم شخصياتها : أبو سويلم، عبد الهادي، محمد أفندي، والشيخ حسونة.

ومضى بعد ذلك إلى كتابة سيناريو سينمائي للرواية، نفذه بحذافيره، يوسف شاهين إخراجا، و أدّى الشخصيات كل من محمود المليجي، عزت العلايلي، يحيي شاهين، نجوى إبراهيم، صلاح السعدني، عبد الرحمن الخميسي و عبد الوارث عسر. 

 

لم يكن التصميم الفني عند حسن فؤاد مجرد خاطرة، وذوق، و حسن اختيار للون، إنما كان أيضا، فهما لتقنية الطباعة، بحيث يأتي تنفيذ تصاميمه، ورؤيته الجمالية، متطابقة للتقنية الطباعية و ليس إعجازًا لها.

و عندما عرض عليه أحمد بهاء الدين، تولي إخراج « صباح الخير» شقيقة « روز إليوسف » الصغري، كانت قد إكتملت عنده الرؤية الجديدة للإخراج الصحافي التي تبدأ بالانطباع الاول للعين، في أنسياب بصري يريح القارئ ويدفعه الى قراءة النص، وتتجمع في ذهنه عناصر العمل الفني: إطار الصفحة و شكلها الفني؛ الرسوم التي تحوط الكلام والنص المشغول، فتندفع الرسمة الى عين القارئ من غير تمهيد، تهتز نضارة  وحيوية و مغزى يمسّ العقل و القلب، فما يراه على الورق أمامه، يأنس له، و يرتاح إليه، فيحفر في ذاكرته ويرسخ.

 

 

          غلاف مجلة صباح الخير بريشة حسن فؤاد            الكاتبة الصحفية مني فوزي بريشة عم حسن

و«صباح الخير»، التي صدرت أولا في ستين صفحة، اختار لها حسن فؤاد غلافًا بسيطًا مطبوعًا على ورق ابيض أكثر بساطة، فلم يكن مصقولا لمّاعا Gloss Laminating Paper، فهو لم يستخدم هذا النوع من الورق إلا في خواتيم السبعينات.

من بين الأبواب و الزوايا الكثيرة التي كانت تطل بها « صباح الخير » على القراء أسبوعيا، يقفز الى البال: « نادي الرسامين» الذي إبتكره « عم حسن »، و كان جديدا على الصحافة المصرية  العربية كلها.

وكان هدف حسن فؤاد منه إفساح المجال أمام الرسامين الموهوبين الذين ينتظرون فرصة لعرض نتاجهم،  تشجيعهم، ليس بنشر رسوماتهم المرسلة بالبريد، إنما بتقويم تلك الرسومات، و إسداء النصح لهم لتصحيح خطوطهم و ألوانهم، و تحسين عملهم.

ولم يكن أحدًا يتوقع أن يصبح « نادي الرسامين» من أهم ما ينشر في المجلات المصرية، و أن يكون بين المصريين هذا الكم الهائل من الموهوبين و المبدعين الواعدين، الذين هم بواكير إن فسح لها مجال النضوج، أثمرت وأعطت فنا و لا أحلى.

ولم يدر لحظة واحدة في خلد حسن فؤاد، وهو يشرف ويرعى « نادي الرسامين »، أرقام التوزيع التي إرتفعت بشكل ملفت، و كان جداء الحساب آلاف النسخ التي تباع أسبوعيًا.

و كما على الفن ألا يبتعد عن الحياة، كذلك فان الرسام و الكاتب لا يبتعدان عن السياسة، ولم يبتعد « عم حسن» عن التمرد، و الرفض، و الاعتراض، و الاحتجاج، يقول رأيه بجرأة و على رؤوس الأشهاد، غير هياب، حتى لو حرقت الكلمة فمه… فاُعتقل سنة ١٩٥٧، غيّبه السجن عن « صباح الخير» وعن « نادي الرسامين»، سنوات خمس.                                                                        

في غيبة حسن فؤاد تولي "السيد عزت" و" محمد سليم " الإشراف علي صفحة  “ نادي الرسامين" و بعدهما و علي مدار عشر سنوات توليت الإشراف  علي هذه الصفحة، و قدّمت العديد من الفنانين الشباب ليصبحوا نجوماً في سموات الفن الصحفي، و تجوّل النادي في جميع محافظات وأقإليم مصر تحت مظلة " نادي الرسامين يقدم لكم فناني الأقاليم ".. سافرت إلي معظم محافظات مصر وأقاليمها باحثاً عن فنانيها و ملقياً عليهم الضوء علي صفحات الصبوحة من قنا حتي الإسكندرية من خلال لقاءات مرتّبة مسبقا مع قصور الثقافة بها. 

فنان تلقائي أصم و أبكم ينحت تماثيله بالحجم الطبيعي من أخشاب جذوع الشجر في إحدي قري مدينة قنا.  ومن الإسكندرية الفنان منير فهيم بألوانه المبهرة ونبضه الدافق ولمساته الساحرة لحوريات من نساء الإسكندرية و جمال بنت البلد المصرية ، وكان مرسمه في محل لصناعة "براويز وإطارات الصور" علي ترام الإسكندرية.

قدّمته للجمهور من خلال أول معارضه بنقابة الصحافيين بالقاهرة عام 1969، وبعد أن زار وكيل وزارة السياحة المعرض،  أقتنت الوزارة 3 لوحات من أعماله لتكون ملصقات دعائية لمصر، فلوحاته يفوح فيها جمال و عراقة و ثراء الحضارة المصرية، وكان المعرض نقلة وانطلاقة لمنير فهيم الذي هزمه مرض مزمن بالعظام ليفارقنا عن  47 عاماً في 1982، و قد وصفه بعض النقاد بأنه امتداد حقيقي للفنان الخالد محمود سعيد.

ومن أسيوط عرّف النادي بأعمال عدد من الفنانين منهم الفنان سعد زغلول الفنان العصامي المثقف الذي لم يترك اسيوط رغم بريق القاهرة و ظلّ وفياً لأرضه ملتزماً بقضايا مجتمعه وعاداته وتقإليده.

و لأنه يدرك قيمة التراث و الفن الشعبي نري في لوحاته التراث، و نجح في إحياء فن ( التللي ) رغبة منه في الحفاظ علي هذا الفن و هذه الحرفة.

ومؤخراً بعد ثورة يناير، أنشأ مؤسسته الثقافية لتنمية المجتمع الصعيدي لرصد الحرف الفنية والصناعات اليدوية التي إندثرت أو أوشكت علي الإندثار كفن " التللي " أحد ركائز تاريخ الحرف الفنية المصرية.

خلال فترة السنوات العشر التي قضيتها مشرفاً علي نادي الرسامين، كان يراسل الصفحة الفنان عبد العزيز تاج الذي قدمته للنادي مشاركاً، وظلّ تاج يراسل المجلة حتي قدمت أعماله للفنان حسن فؤاد الذي أمر بتعيينه رساماً بالمجلة، وطوّر أسلوبه و عمل في مجلات كثيرة في مصر و العالم العربي حتي أصبح بدأبه رساماً كبيراً له أسلوبه الخاص  والمتميز الذي لا تخطئه عين، كما أصبح نجما تليفزيونياً من خلال تقديم برامج كاريكتير في القنوات الفضائية منها MBC .

و من روّاد و مريدي "نادي الرسامين"، كان القارئ رؤوف توفيق الذي أصبح رئيساً لتحرير الصبوحة، و من أشهر من كتب لها في القضايا الاجتماعية و النقد الفني السينمائي بدلاً أن يكون رساماً بها، وكذلك القارئ فهمي عبد الحميد الذي أرسل برسومه، و جاء تعليق من النادي (كاريكتير عن القمر الروسي ينقصه العناية في الرسم)، ويبدو أن القارئ فهمي عبد الحميد أخذ بالنصيحة وداوم علي التمرين  ودرس بكلية الفنون الجميلة حتي أصبح أهم صانع للرسوم المتحركة ومخرج مصري عظيم أضفي  البهجة علي المصريين باستعراضاته المتميزة، فأصبح أيقونة شهر رمضان، مفجّرا طاقات نجوم مثل نيللي و شريهان في فوازير رمضان، كما دمج شخصيات كارتونية مع النجم سمير غانم في مسلسل " فطوطة " فحقق نجاحاً اسطورياً . 

وفي نفس الباب رسوم كاريكاتور بسيطة تحمل توقيع الطالب نبيل السلمي، و لكنها خطوط البساطة  الواضحة التي تدل علي نمو مبكر لموهبة، و تأكد ذلك بعد احترافه ليصبح واحداً من أهم صناع الكاريكتور.

تخرّجت من هذه الزاوية أهم الريشات الكاريكاتورية علي الساحة. 

لقد ساهم حسن فؤاد بقدر كبير في نشر ثقافة التذوق الفني عن طريق فرشاته، ثم أصدر كتابه " بيكاسو  فنان القرن العشرين"، كما تحمّل لفترة مهمة الثقافة الجماهيرية بالهيئة العامة لقصور الثقافة .. كتب السيناريو و إهتم بالفن السابع.

سنة 1979، قرر حسن فؤاد السفر إلي بريطانيا  لمتابعة مشروع إنتاج أفلام الرسوم المتحركة للأطفال، و كان له ماسعي إليه ، فظهر فيلم “ مغامرات بادي “ سنة 1981 و رسم شخصياته الفنان حجازي .

ترك حسن فؤاد فنه الباقي علي الزمان في المجلات و الجرائد ، كتب ، رسم و أنار دروب الكثيرين ، و علم أجيال فن الرسم و الإبداع و التصميم الفني للصحف و المجلات .

هو واحد من المبدعين الذين لا يمرّون في دنيانا كل يوم .

 

صورة نادرة : حسن فؤاد و أبو العينين و سيد مكاوي

عام 1956، كان عبد الغني أبو العينين، منهمكًا في تجديد مجلة «روزاليوسف» و إلباسها حللا جديدة، عندما طلب منه أحمد بهاء الدين الانضمام الى رفيق دربه، حسن فؤاد، في إطلاق « صباح الخير» .

وفي تجانس و تطابق مع صديقه، راح أبو العينين ينسف كل الأفكار المعلبة، المُقلِدة لما يُبتكر  في صحافة الغرب من تصاميم للجرائد و المجلات، فأحدث هزة في الرؤية الإخراجية للمجلة بإعادة بناء الكلمة، و الخط، و الصورة، مستخدماً الظل والنور بأسلوب سابق لأوانه، أسلوب جديد عبر عنه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي بعبارة " أبو العينين لا يرسم مصر ..و لكنه يبنيها من جديد ".

 

كان كامل زهيري على صواب فيما قاله في التمهيد للكتاب الذي وضعه الرسام التشكيلي عز الدين نجيب عن أبو العينين:

« كان أبو العينين لا يقرأ مقالا أو تحقيقا أو خبرا إلا و حوّلَه الى صور و رسومات و ألوان، عَشَق كتابة الخطوط   و عناوين المقالات و القصص، وما زال « لوغو » مطبوعات مثل « روز إليوسف »، « الغد »، « الأهالي» من خطوطه المجددة ».

أوجد عبد الغني أبو العينين ما صار يُعرف، معه وبعده، بالنص البصري الذي يبدأ بالفراغ بين أعمدة النص، الى وضعية الصور و الرسومات، بشكل تتحول معه الصفحات الى لوحات فنية، ورؤى بصرية جاذبة، مؤثرة، تمكث في مطاوي نفس الرائي لها، تحفر في الذهن والقلب و تستقر.  

بدأ أبوالعينين مبدعاً في استخدام الخط العربي في تصميماته، هجر الجمال المتأنق وحلياته المسبوكة في الخط الفارسي، و إختار خط الرقعة و إستأنس به، وفضّله لأنه رأي فيه أكثر قوة و أقل  ليونة وساعده علي الحركة والتعبير المتماسك و القوي، فهو كل ما تحتاجه روز اليوسف، المجلة التي عاشت علي النقد و الجدل والحركة و المطالبة بتغيير كل شيء. 

كرس أبو العينين حياته علي مدي خمسين عاماً لقضية الفن للحياة والناس، ورغم أنه يمتلك كل الإمكانيات ليجمع ثروة من فنه وإمكانياته الإبداعية و موهبته الفذة ، فقد إكتفي بالعيش مع إبداعه و مع زوجته الفنانة رعاية النمر بين شقته بمنطقة " الدقي " ومرسمه بالحرانية،  متفرغا لإبداعه من المطبوعة إلي اللوحة،  يرسم علي الورق بالحبر الأسود و سنون أقلام " الربيدوجراف" ، ولوحاته  التشكيلية والزيتية المطموسة بعشقه للتراث المعماري في عفوية وإنسانية ، منتقلاً إلي تصميم  الأزياء و إحياء التراث وتصميم الديكور المسرحي الذي كان حكراً علي الإيطاليين،  وأنجز أول ديكور مسرحي مصري لمسرحية " سينما أونطة " للكاتب المسرحي نعمان عاشور. 

 

قدّم من خلال زاويته المشهورة في مجلة " صباح الخير" " نصف حياتك في المنزل " أفكاراً مبتكرة حديثة للديكور المنزلي، عارضاً أثاثاً بسيطاً قليل التكلفة من تصميمه الفني يجمع بين الأصالة و المعاصرة، حقق نجاحاً و ساهم في حل مشاكل المقبلين علي الزواج و رَفَع مستوي التذوق الفني عند القراء. 

انتقل أبو العينين من الصبوحة ليتولي إدارة مركز الفنون الشعبية، بعد ترشيح د. ثروت عكاشة وزير الثقافة له، فأنجز في فترة قصيرة مهمته في جمع و توثيق المأثورات الشعبية في مختلف البيئات الإقليمية في مصر، وكوّن أول فرقة موسيقية للآلات الشعبية صاحبت عروض الفرقة القومية بقيادة الفنان سيد مكاوي، كما أسس مكتبة عربية و أجنبية للدراسات الشعبية، و دعا لتأسيس مجلة للفنون الشعبية.                              

 

جناح الفنون الشعبية بمكتبة الإسكندرية من أعمال عبد الغني أبو العينين ورعاية النمر

بعد رحيله كرّمته مكتبة الإسكندرية بعرض أعمال الزوجين رعاية النمر وعبد الغني أبو العينين التي تضم أعمالًا فريدة من نوعها تتصدرها مجموعة من المقتنيات الفنية النادرة المصرية و العربية عموما و مقتنيات المرأة البدوية علي وجه الخصوص والتي جاءت ثمرة جولات واسعة النطاق قام بها الفنانان في مختلف أقاليم وقري مصر و معظم الأقطار العربية، ولاسيما الخليج، في متحف الفن الشعبي مع عرض لوحاته وتصميماته المستوحاة من الفنون الشعبية و مجموعة الفنانة رعاية النمر من حُلي و أزياء. 

لقد قيض لي أن أطل على فن التصميم و التوضيب الصحفي، في زمانه ، فتشكل إدراكي و فهمي لذلك الفن من فيض إبداعاته.

بروحي كلمات عبد الغني أبو العينين، و هو يشدّ علي يدي، لما توليت الإشراف الفني، مُكبرًا و مُثنيا علي جهدي المتواصل لتطوير ما كان قد وضع ركائزه مع رفيقه حسن فؤاد في صباح الخير. 

عبد الغني أبوالعينين هو واحد من القلائل ، الذي يؤرَخ لهم .

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز