طارق رضوان
الصين بدأت الحرب
كان تفجير مرفأ بيروت اعلان حرب . حرب دفاعية . فقد اظهرت الولايات المتحدة للعالم كله نوع من اسلحتها المدمرة المستترة. كان الغرض هو الاعلان الواضح والصريح للتنين الصينى بالابتعاد عن البحر المتوسط. اعلان الولايات المتحدة يدل على انها فى طريقها لاستخدام القوة الخشنة . قوة السلاح . ردا على اسلحة الصين للسيطرة على العالم بقوتها الذكية.
بناء على دروس الماضى البعيد والقريب. ومع العودة للارتباط من جديد مع التقاليد الصينية التي تسعى الى الانتصار فى الحروب دون الدخول فى المعركة. اختارت الصين منذ عام 1994 استراتيجية الحرب الاقتصادية. وهى حروب خاطفة. وهى فى الوقت نفسه متدرجة. حرب خاطفة ومباغتة. متدرجة لانها بدأت منذ عام 1994 فى تكتم شديد واستطاعت ان تبقى على الشعوب الغربية فى حالة نعاس وسلبية فى الوقت الذي تحرز فيه نقاطا ايجابية فى صعودها بقوة فى صراعها مع الولايات المتحدة. لقد كان عام 1989 عام تحول هام للصين وخاصة مع الانهيار المتزامن للقوتين العظمتين المتنافستين للولايات المتحدة وهما الاتحاد السوفيتى واليابان. القوتان كانت تسعيان منذ عدة عقود وبطريقة منفصلة احداهما عن الاخرى الى نزع الهيمنة العالمية وسحب بساطها من تحت قدم الولايات المتحدة الامريكية. لكن فى عام 1989 اعترف كلاهما وعلى مضض بالفشل الذريع للاستراتيجية التي تم اتباعها واعترفا بأثار عدم التوازن على المستوى السياسى والاقتصادى الذي بدأ يعانى منه كل منهما. وأعلن الاتحاد السوفيتى انهياره وتفككه فى واحدة من اعظم الاحداث التاريخية فى العصر الحديث. وفى نفس العام رفض الحزب الشيوعى الصينى رفضا قاطعا – فى احداث تيانانمين – كل دعوة الى الديمقراطية وكل محاولة لدمقرطة الصين. وفى عام 1994 اى بعد حوالى خمس سنوات وبعد تكميم كل افواه المعارضة الداخلية سعت الصين لتحقيق استراتيجية طويلة الاجل الهدف منها انتزاع الهيمنة العالمية من الولايات المتحدة. وقد استفاد الحزب الشيوعى الصينى ووعى جيدا الدروس المستخلصة من فشل الاتحاد السوفيتى واليابان فى تحقيق نفس الاستراتيجية فى مواجهة امريكا وتلك الدروس هى:
يجب ان تمتلك الدولة التي تريد فرض هيمنتها على العالم جيشا قويا وان يكون لها وجود عسكرى يحسب حسابه وهو لم يكن موجودا لدى اليابان
لا يجب اللجوء الى المواجهة العسكرية المباشرة لنزع الهيمنة العالمية من الولايات المتحدة وهذا ما سعى اليه الاتحاد السوفيتى وفشل فيه.
من اجل اسقاط الهيمنة الامريكية فان الرأسمالية الشمولية هى التنظيم السياسى والاقتصادى الاكثر فاعلية وهذه الرأسمالية الشمولية تتخطى مجرد الشيوعية الشمولية التي تبناها الاتحاد السوفيتى كما انها تتفوق على الرأسمالية الديمقراطية التي راجت فى اليابان.
ان الاستراتيجية الاكثر فاعلية من اجل سحب الهيمنة العالمية من امريكا تتمثل فى قيام الدولة المنافسة باتخاذ خطوات لشن حرب اقتصادية تدريجية طويلة الاجل ضد امريكا وحلفائها وهذا ما لم يستطع الاتحاد السوفيتى القيام به فى حين استطاعت اليابان القيام به.
الاستراتيجية الاكثر فاعلية فى الحرب الاقتصادية تتمثل فى الاستحواذ على جزء متزايد من السوق العالمية للسلع المختلفة بفضل الميزة المطلقة وفى نفس الاتجاه يعمل ذلك على تقوية الدولة التي تسعى لفرض هيمنتها ويؤدى الى اضعاف القوة المهيمنة الحالية (الولايات المتحدة ) وحلفائها . وتتمثل الوسيلة الاكثر حتمية ضمان تكلفة ساعة عمل بالدولار اقل بكثير عن مثيلتها فى الولايات المتحدة.
الحرب الاقصادية التي تقودها الدولة المنافسة على الهيمنة يجب ان تهدف كذلك الى سرعة المهاجمة بدون تردد او تأخير للميزة الاساسية التي تمتلكها الولايات المتحدة وحلفائها وتتمثل فى الدولار واليوريو باعتبارهما العملتين الرئيسيتين للاحتياطى النقدى العالمى.
ان اى دولة تريد مزاحمة الولايات المتحدة وسلب الهيمنة منها يجب ان تضمن الولاء القوى والمتين الذي لا يتزعزع داخل الولايات المتحدة نفسها وكذلك من جانب حلفائها.
من البراعة والمهارة لدولة منافسة للولايات المتحدة ان تظل ولاطول وقت ممكن متوارية وصامتة وكاتمة لنواياها.
لذا لجأت الصين الى الحرب الذكية . حرب لا تطلق فيه رصاصة واحدة من ارض عليها علم الصين. فكل التحركات الامريكية العنيفة التي تستند للقوة الخشنة تقابلها الصين بالصمت والهدوء التام. فاستخدام القوة الخشنة الامريكية تستند لقوتها العسكرية الكاسحة. القوة المفرطة. حيث تستند القوة العسكرية والسياسية على القوة الاقتصادية. فقدرة الامم على ممارسة السيطرة الكوكبية والحفاظ عليها ظلت تعتمد فى نهاية الامر على قدرتها الانتاجية. ان امكانة امريكا الحالية كقوة عظمى هى نتاج نموها الاقتصادى السريع فيما بين عامى 1870 و1950 وحقيقة انها كانت اثناء النصف الثانى للقرن العشرين اكبر قوة اقتصادية فى العالم واكثرها حركة ونمو فى اغلب الاحيان. دعمت قوتها الاقتصادية سطوتها السياسية والثقافية والعسكرية المدهشة منذ عام 1945 صعودا وجعلتها ممكنة. ومثل اقتصاد الولايات المتحدة ما قيمته 8.8 % من اجمالى الناتج المحلى فى العالم عام 1870. ثم تلا ذلك فترة نمو مذهلة ارتفع خلالها المعدل الى 18.8 % عام 1913 و 27.3 % عام 1950. تلا ذلك تراجع مطرد الى 21,1 عام 1973 ويتأرجح الرقم الان حول 20 % . مازال هذا يمثل نسبة هائلة اذا اخذنا فى الاعتبار ان عدد سكان الولايات المتحدة هو 4.6 % فقط من سكان العالم. لكن لا يمكن اخطاء هذا التوجه على المدى البعيد. ويمكن تطبيق الشئ ذاته على المدى الاستعمارى لبريطانيا الفيكتورية بين عامى 1850 و1914 الامر الذي اصبح ممكنا بسبب انجاز بريطانيا اول ثورة صناعية فى العالم لذلك كان لها القيادة الاقتصادية العظمى بالنسبة لجميع البلدان الاخرى. لكن بمقارنة بالولايات المتحدة التي وصل نصيبها فى اجمالى الناتج المحلى الكوكبى ذروته حيث بلغ 33 % عام 1944 رغم ان ذلك كان فى عالم انهكته الحرب العظمى. فقد كان اعلى رقم وصلت اليه المملكة المتحدة هو 9 % فقط عام 1899. كان تراجع بريطانيا السريع كقوة كوكبية على مدى نصف القرن الاخير هو النتيجة المتوقعة لوضعها الاقتصادى المتدهور نسبيا بعد ان هبط اجمالى نصيبهــــــــا فى مجمل الناتج المحلــــى العالمى الى مجرد 3.3 % فى عام 1998. لقد تعلمت الولايات المتحدة الدرس الامبراطورى وتعلمت اخطاء بريطانيا الفيكتورية وتفادت كل الاخطاء البريطانية تقريبا. وهو نفس ما فعلته الصين فى تجنب اخطاء القوتين المنافستين للولايات المتحدة – اليابان والاتحاد السوفيتى – تجنب امبراطوريات اليوم اخطاء الماضى جعلت الحذر سيد الموقف. لكنه حذر سياسى لبعض الوقت يؤجل الصدام الخشن ما بين الامبراطوريتين. سيكون هناك ضحايا حتما. وستصعد دول بحكم ارتباطها وانحيازها المعلن لاحدى القوتين. الصراع فى طريقه الى الازمة. ازمة يتوقف فيها انفاس العالم عند اللجوء لحافة الهاوية. لقد بدأت الصين الحرب بالفعل منذ عام 1994 وهدفها واضح هو السيطرة الكاملة على العالم وليس اقتسامه مع الولايات المتحدة وبدأت الحرب من الاراضى الامريكية ومن اوربا الغربية تحديدا . وهى حرب لها قصص تروى.