عاجل
الأربعاء 16 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
جرس إنذار .. سد النهضة يهدد السدود السودانية

جرس إنذار .. سد النهضة يهدد السدود السودانية

دوامة من الصراعات دخلها الشعب السوداني والجيش السوداني بشكل إجرامي مخطط له مع مليشيات الدعم السريع منذ ما يقارب عامين، الهدف غير المعلن هو تهديد وجودي للسودان، من خلال مخطط خبيث لتدمير سدوده عبر فيضان مصطنع من إثيوبيا، يتم عبر تصريف المياه من سد النهضة الإثيوبي بدون تنسيق مع السودان ومصر، يهدد هذا التصرف سد الروصيرص الذي أنشئ عام 1966، وهو أهم سد سوداني وأقرب السدود السودانية إثيوبيا، والذي لا يبعد عن سد النهضة أكثر من 90 كيلومترًا، وتبلغ سعته 7.1 مليار متر مكعب، ويساعد في ري مليوني فدان عبر قناتي الرهد وكنانة، ويولد 50% من طاقة السودان الكهربائية. يليه سد مروي الذي أنشئ عام 2009، والذي يحمي شمال السودان من الفيضانات ويروي 700 ألف فدان. ثم بعد ذلك سد سنار، وهو أقدم سد سوداني تم إنشاؤه عام 1925، وهو الذي يروي مشروع الجزيرة الزراعي، أكبر المشاريع الزراعية في السودان.



ورابع السدود السودانية المهددة من سد النهضة هو سد خشم القربة، الذي أنشئ عام 1964، والذي يعاني من عدم الصيانة وتراكم الطمي فيه، ثم سد جبل الأولياء، ثاني أقدم سد سوداني تم إنشاؤه عام 1937 أثناء الحكم المصري للسودان.

هذه السدود جميعها أصبحت مهددة بين عشية وضحاها بفيضان مدمر بفعل مياه النيل الأزرق، والتي حولتها إثيوبيا من شريان حياة للسودان إلى تهديد وجودي بفعل السيناريو الكارثي الأكثر ترجيحًا: التصريف المفاجئ وغير المنسق لسد النهضة الإثيوبي. فالسدود السودانية، خاصة سد الروصيرص الأقرب لسد النهضة، تواجه أخطارًا جسيمة ومنها تعرضها لفيضان مدمر في غضون 72 ساعة فقط.

ولذلك، علينا أن ندق ناقوس الخطر لأشقائنا في السودان الذين عليهم أن يقدموا شكوى فورًا لمجلس الأمن، للتحذير من هذا التهديد وضرورة استدعاء إثيوبيا لمساءلتها أمام مجلس الأمن، لضمان عدم جعل سد النهضة يمثل تهديدًا مائيًا للسودان. فالمياه المتدفقة من سد النهضة تصل لسد الروصيرص خلال يوم ونصف إلى 3 أيام فقط بسرعة تصريف 2 متر مكعب/ثانية، أي أن أي تصريف مفاجئ يفوق 700 مليون متر مكعب/يوم يفوق طاقة الروصيرص التخزينية (7.1 مليار متر مكعب).

سد الروصيرص سيكون أول المتضررين، كما أن ملايين من أبناء الشعب السوداني المقيمين في القرى والمدن السودانية على ضفاف نهر النيل الأزرق سيتعرضون للهلاك؛ سيجدون خلال ساعات قليلة الفيضانات الكبيرة، قد أزالت مساكنهم ودمرت زراعاتهم، هؤلاء يجب تدريبهم من الآن على كيفية الإخلاء والتعامل مع خطر الفيضان الذي بات وشيكًا، ويجب أن نحذر منه ونوعي الناس بخطره.

بعد سد الروصيرص، فإن بقية سدود السودان أصبحت هي الأخرى مهددة بالدمار، وهي تعاني من القدم والشيخوخة مع توقف عمليات الصيانة وتعطيل خطط الصيانة، بسبب الحرب التي ورطت فيها مليشيات الدعم السريع السودان. فحوالي 80% من السدود السودانية (كسد "خشم القربة" و"سنار") تجاوز عمرها الافتراضي وتعاني من تراكم الطمي، وخزان خشم القربة فقد 60% من سعته بسبب عدم الصيانة وتراكم الطمي قرب بوابات السد.

الضغط المفاجئ لمياه النيل إذا أطلقت من سد النهضة بدون تنسيق مع السودان ومصر، قد يتسبب في تشققات أو انهيار جزئي لهذه السدود.

كما أن الفيضانات العشوائية التي سيسببها إطلاق المياه من سد النهضة بدون تنسيق مع السودان، قد تتسبب في إغراق ما يزيد على مليوني فدان من المشاريع الزراعية (مشروع الرهد، الجزيرة)، مما يسبب أزمة غذائية واقتصادية وكارثة إنسانية للشعب السوداني.

ليس هذا فحسب، ولكن تدمير سدود السودان يجعلها تغرق في الظلام بسبب توقف محطات الطاقة الكهرومائية التي يتم إنتاجها من السدود، ومنها سد الروصيرص الذي يوفر وحده ما يصل إلى 50% من كهرباء السودان، وهو أول السدود المهددة جراء سد النهضة الإثيوبي.

ونحن أمام أيام فقط من حدوث الكارثة البيئية: الفيضان المصطنع من إثيوبيا. وإن كانت مصر تستطيع تدارك المشكلة بقدرتها على حماية جسم السد العالي واستيعاب أي فيضانات قادمة بأمان، خاصة أن المياه يمكن أن تستغرق 12 يومًا منذ أطلقها من سد النهضة حتى وصولها بحيرة ناصر، وذلك من خلال قيام مصر برعة تصريف مخزون بحيرة ناصر عبر مفيض توشكى، الذي يستوعب ما يزيد على 250 مليار متر مكعب، وتحويل الفيضان إلى الصحراء الغربية من خلال ترعة توشكى التي تم شقها في الرخام الصلب لتصل للوادي الجديد، وكذلك مشروعات الترع المبطنة ومشروعات مياه الدلتا الجديدة التي يمكن ملؤها وتوفير جريان مياه سريع لاستيعاب كافة الكميات القادمة بكل أمان؛ ولكن لن نترك السودان الشقيق وحده يواجه خطر العبث الإثيوبي.

لذلك علينا من الآن تفعيل خطة طوارئ لإنقاذ السودان وشعبه الشقيق. نقولها بصوت عالٍ يسمعه كل شعب السودان الشقيق يا سوداننا الحبيب لست وحدك، فكما استقبلنا في مصر ملايين من أهلنا السودانيين الذين نزحوا من ويلات الحرب فإننا نقف معاً كشعب واحد يرتوي من نيل واحد في مواجهة خطط التدمير بالفيضانات المصطنعة مع أشقائنا في السودان الحبيب.

لذلك علينا القيام بعدة خطوات هامة لتفادي وقوع الكارثة وتفادي آثارها في حال وقعت، لا قدر الله، منها ضرورة تفعيل نظام إنذار مبكر عابر للحدود، وتركيب محطات مراقبة لتدفق المياه لحظيًا بالقرب من الحدود الإثيوبية – السودانية، وكذلك في مصر.

وضرورة استخدام الأقمار الصناعية المصرية وكذلك أقمار الدول الصديقة لمصر في الرصد، والتنبؤ بأي تصريفات للمياه تقوم بها إثيوبيا من سد النهضة.

وكذلك ضزورة تعزيز سد الروصيرص وإنشاء قنوات تصريف إضافية وتطوير بوابات التحكم الإلكترونية بأقصى سرعة بالتعاون مع مهندسي الري في السودان الشقيق، والعمل على تنظيف خزانات سد خشم القربة وجبل الأولياء قبل موسم الفيضان من الطمي بخطة مدروسة.

وضرورة وضع خطة إخلاء طوارئ لمجتمعات النيل من القرى والمدن، وتحديد مسارات آمنة للناس، ونشر ذلك عبر وسائل الإعلام وتدريب المجتمعات المحلية على الإخلاء حتى لا تحدث المفاجأة فتتفاقم الخسائر لا قدر الله.

كما أنه يجب تزويد المهندسين في السودان بنماذج محاكاة لكيفية التعامل مع تدفق المياه الكبير من سد النهضة، ومشاركة بيانات الرصد الهيدرولوجي عبر الأقمار الصناعية.

ضرورة الاستعداد لتخفيض منسوب بحيرة ناصر قبل مواسم التصريف الإثيوبي لاستيعاب الصدمات المائية، وجعل الأشقاء في السودان يقومون بالتصريف أيضًا للمياه دون الضغط العكسي للمياه المصرفة على السدود المقامة من السودان على النيل قبل مصر.

وعلى مصر وكل المهتمين في العالم توجيه التحذير الأخير لإثيوبيا بضرورة التعاون المشترك مع دولتي المصب مصر والسودان. لأن عدم التعاون يعني أن إثيوبيا تخطط لافتعال كارثة مشتركة لمصر والسودان عبر الفيضان المصطنع. ولذلك، لا يوجد خيار آخر لإثيوبيا وحكومتها لإثبات حسن النوايا إلا بتوقيع اتفاقية ثلاثية ملزمة لتنظيم تصريف سد النهضة، أو مواجهة سيناريوهات مرعبة بانهيار سدود سودانية وتشريد ملايين البشر وتدمير تاريخ زراعي يمتد 100 عام، وجعل الفيضانات الهائلة تتدفق نحو السد العالي وتهدد مصر والسودان معًا.

ولذلك، فالتنسيق الفني العاجل بين إثيوبيا والسودان ومصر، والشفافية في تبادل البيانات، والاستثمار في بنية تحتية مرنة ضرورة حتمية، وهي أسلحتنا ضد كارثة تهدد قلب أفريقيا.

كلمة أخيرة نؤكدها: النيل ليس ملكًا لدولة، بل مسؤولية مشتركة. حمايته اليوم ليست خيارًا، بل شرطًا لبقاء 250 مليون إنسان من إثيوبيا والسودان ومصر يعيشون في سلام ورخاء وتنمية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز