هشام شوقي يكتب: «الوجع» عن قصة «آباء الكورونا»
تقف الأبجديات على سن القلم، ترفض أن تسطر قصة الوجع، أن تجتمع لتكون كلمة ثم جملة وعبارة حروفها من نار، تروي قصة لم ينسجها خيال المؤلف، وإنما هي دراما من صنع الواقع، كشفها كورونا فيروس، عندما مس الإنسان في لحظة أصبحت فارقة، فاصلة في تاريخ الإنسانية، لم أكن أتخيل يوما ما أن يذبحني الوجع مثلما فعل بي عندما رحلت أمي.
لكن وأنا أقرأ رواية السيدة عبلة الكحلاوي، عن آبائنا في دار الباقيات الصالحات، وإصاباتهم بـ"كورونا" ورفض البعض من ذويهم استلامهم ورعايتهم في خريف العمر، ذبحتني القصة، وتذوقت مرارة الألم، كيف تحولت زهور العمر إلى حصاد مر، هو أشد قتلا من "كورونا"، وعندما أنظر للقصة من جوانبها المختلفة أكاد أرى ذلك اللعين أرحم بـ"آباء الكورونا"، من منهم بلا قلب بلا رحمة أو إنسانية، فهل تتوقف يوما ما قلوب البشر، فتصمت المشاعر، ويموت فينا الحب؟!
ألم يتذكر أحدهم يوما أبًا قابضًا بيديه على يديه الصغيرة خوفا عليه وهو يعبر معه الطريق، ألم ير خوفه عليه وهو يعبر مراحل العمر منتظرا أن يرى رجلا يافعا لا ينتظر منه شيئا سوى أن يراه رجلا أفضل منه؟
ألم يتذكر أمًا تحمله وهنًا على وهن، وتسهر إلى جواره، وترفض النوم لأجل شفائه من مجرد درجة حرارة مرتفعة بعض الشيء، دعك يا عزيزي من كل ما سبق، هل تصورت حالك وأنت في خريف العمر باحثًا عن يد حنون تمنحك الحب، قبل أن تمنحك الدواء؟!
هل تخيلت لحظة أن يكون خيار أبنائك هو خيارك أنت نفسك؟! نعم كانت هناك العديد من قصص الوجع، لكن قصة "آباء الكورونا" كانت الدراما الواقعية التي سلطت الضوء على واقع عفن.
قد تكون السطور السابقة بمثابة سكين تذبح كل من يملك قلبًا ينبض بالحب، ولكن تبقى الإنسانية، يظل هناك أبناء هم أشبه بالملائكة، هناك من وقفت إلى جوار أمها الطيبة الحنون، تحملت كل آلام التجربة منذ إصابتها بذلك المرض "السرطان"، ثم إصابتها بـ"كورونا" كان يذبحها شبح الفراق كل لحظة، وهي تصرخ من داخلها داعية الرحمن لأجلها متمسكة بالأمل لعل القادم أفضل، عن الزميلة الرقيقة أسماء السيد أتحدث.
فقدت الأم بسبب الفيروس اللعين، وأصيبت به أيضا، لكنها برهنت أن والدتها الراحلة قدمت للدنيا قلبًا من ياسمين، قدم لنا إشعاعا من نور، وبالرغم من أن القصتين دارتا في نفس الأسبوع وكلتيهما بسبب كورونا الا أن القصة الأولى تكشف عن جحود بلا حدود، والثانية هي قصة قلب يسع العالم، ابنة أحبت ومنحت كل ما يمكن أن تمنحه وكانت خير خلف لخير سلف.
هكذا هي الحياة الشيء ونقيضه، الحب والجحود في زمن كورونا، هكذا نحيا ونختار ما بين نقيضين، نعتقد أن كلًا منا سيظل بكامل قوته وعنفوانه، نحيا في ربيع العمر وجذوة الشباب، دون أن ننظر لمستقبل نحيا فيه خريف العمر وضعف الشيخوخة، دون أن نتساءل: ماذا نعلم أطفالنا منذ نعومة أظافرهم، ماذا نغرس لنحصد، لنتذكر جميعا أن كورونا ليس مجرد فيروس، بقدر ما هو ضوء كاشف لنفق مظلم نمر به دون أن نتوقف لحظات نفكر في خريف قادم لا محالة، ربما كان مؤلمًا موجعًا أو وداعا هادئا يفيض حبًا رغم وجع الفراق.