عيسى جاد الكريم
هل ينقذ كورونا العالم؟!
أثناء جلوسي في البيت ملتزمًا بحظر التجوال، الذي فرضته الدولة للوقاية من فيروس "كورونا".. شاهدت هذا السيناريو في خيالي.
ليل / داخلي
في مكان سري ما على كوكب الأرض، يجلس مجلس إدارة العالم..
طاولة مستديرة وأضواء خافتة، حراسة مشددة تحيط بالمكان.. شاشة كبيرة تعرض مشاهد لكوكب الأرض تبدو الكرة الأرضية بقاراتها وبحارها ومحيطاتها.
وبجهاز في يد مستر فوتين، الذي يبدو على هيئة أحد العلماء يقرب الصور على الشاشة، لتبدو كل بقعة على كوكب الأرض في صور متتابعة، زحام من البشر، السيارات تملأ الطرقات، قطارات تسير بسرعة الصوت، وأخرى يختفي جسمها من كثرة زحام الناس المتسلقين على أبوابها، مصانع عملاقة وطائرات تغطي صفحة سماء الكوكب، مطارات تعج بالمسافرين، مولات تسوق ضخمة ينتشر بها الناس.
صور متتابعة لاستعراضات عسكرية، وصواريخ نووية، وأخرى عابرة للقارات، طائرات مقاتلة وغواصات، حشود عسكرية واشتباكات تشتعل في الهند، باكستان، أفغانستان، سوريا، تركيا، العراق، روسيا، اليمن، ليبيا، الفلبين، السودان، ميانمار، جماعات إرهابية في إفريقيا وجنوب شرق آسيا، مشاهد لمواكب السيارات المصفحة لزعماء العالم والمافيا الإيطالية، تجار المخدرات والكوكايين في كوبا مهربي الآثار وتجار الأعضاء البشرية ومهربى البشر.
صور لشاشات الأسهم والبورصات في طوكيو، ولندن ونيويورك، السعودية، ألمانيا، باريس، القاهرة، ملايين البشر تزدحم بهم ملاعب كرة القدم، ومضمار سيارات السباق، صراخ وهتافات، إعلانات عملاقة لأدوية ومستحضرات وأشياء أبطالها النساء والمشاهير.
حفلات موسيقية صاخبة، مسارح، قاعات سينما، ضجيج ينبعث من الكوكب بلا توقف، صور لمدن ترفيهية، سدود ضخمة، أنهار ملوثة بحيرات صناعية، فنادق عملاقة، وشواطئ تكتظ بالناس، تبدو منطقة الأهرامات وأبو الهول، وبرج إيفل، معابد الأقصر، متحف اللوفر، المترو بوليتان فينيسيا.
منظر عام يُظهر الجالسين على الطاولة، ممثلين لقارات العالم، يتوسطهم مستر فوتين.
يقف مستر فوتين، ذلك الراجل ذو الأنف الدقيق والجسد النحيل بعينين بارزتين خلف نظارة زجاجها شديد النقاء، وبدا وهو يمسك بالجهاز المقرب للصور على رأس طاولة الاجتماعات، بأنه من يرأس هذا الاجتماع ويديره.
يصمت الجميع، متأملين الصور المتتابعة
......
يقطع فوتين الصمت قائلًا: أنتظر رأيكم.. كيف نقضى على هذه الفوضى؟!
ينظر من خلف نظارته، موجها حديثه للجميع، العالم أصبح في فوضى عارمة، يجب أن نجد حلا، 7 مليارات نسمة لا يكفون عن الحركة، الأوروبيون يريدون أن ينقذوا أرضهم من الضياع، الجليد ينصهر في القطبين ويغرق الأرض.. الصين وأمريكا لا يريدان التوقف وتقليل الانبعاثات، وتحسين مناخ الأرض وتقليل الاحتباس الحراري، روسيا مستمرة في فرض سيطرتها وتطوير أسلحتها ودعم كوريا الشمالية التي تشذ عن النظام العالمي، الحرائق والفيضانات تنتشر في الكوكب الأخضر.
ويُكمل حديثه قائلًا: اجتمعت اليوم بكم كممثلين لقارات العالم وبوصفكم الإدارة الخفية التي تحكم العالم لكي نجد حلًا، نحن من نخطط لنحافظ على هذا لكوكب من الضياع، نحن من قدر لنا أن نحافظ على السفينة من الغرق.
أريد رأي الجميع، بل أريد رأي، من لديه رأي، كيف نحل المشكلة وننقذ السفينة من الغرق؟!
على كرسي بنهاية الطاولة، يرتفع صوت شوينج ممثل آسيا.
رجل بدين، تكوم في مقعده من فرط بدانته.
شوينج: ليس لنا خيار سوى إيقاف الجميع وتقييد حركتهم، الناس لا يستطيعون التنفس، التلوث يخنق الكوكب وأوروبا القارة العجوز خلال أقل من عشر سنوات ستتآكل قوتها، وتسيطر الصين وأمريكا على العالم.
لم يفلح ما فعلناه منذ عشر سنوات، بأننا وفرنا لأوروبا من المهاجرين الآلاف لتجدد شبابها وتنقذ مصانعها من التوقف، بعد أن أصبح عدد من كبار السن أكثر من قوة العمل بعد حرب وهمية مصطنعة ونزاعات نفذها إرهابيون تحركهم قوى خاضعة لرجال تحت سيطرتنا.
......
ويلتقط كرامب، ممثل أمريكا الشمالية، الحديث قائلًا: عملاؤنا في العالم ممن يعملون لحسابنا، وممن يملكون أموالا وأذرعا لم يستطيعوا تغيير الخرائط في الشرق الأوسط لكي ينظموا تدفق الطاقة والبترول، ووجدنا المقاومة من الشعوب التي أفشلت المخطط، ولذلك هي تستحق الاحترام وأن نتعاون معهم ليكونوا جزءا من العالم الذي سيتشكل.
من بعيد يأتي صوته جهوريًا فتتوجه عيون الحاضرين له يجلس في منتصف الطاولة، إنه الصقر والذي يقول: وهو ينظر إلى الشاشة التي تعرض صورًا لساحة القديس بطرس بالفاتيكان، وكنيسة بيت لحم في فلسطين، المسجد الأقصى والقدس المدينة المنورة مكة المكرمة الجامع الأزهر الكنيسة المرقسية بالعباسية وكربلاء، أنا كممثل للعرب أوافق على أن نعيد تشكيل العالم، نعم سنعيد تشكيل العالم ونعيد ترتيب الأوراق، نوزع الغنائم ونوقف الأنشطة المزعزعة للإرهابيين ونستغل طاقات الكوكب الموجودة في منطقة العرب من غاز وبترول ونوقف الفوضى، ونعطي لهذه المنطقة من العالم فرصة لتشارك في حماية الكوكب من الفناء.
ويلتقط أدريان ممثل أمريكا اللاتينية وأستراليا الحديث قائلًا: ماذا نفعل لقد نفذنا الخطة الأولى العام الماضي، تركنا النيران تلتهم مساحات واسعة من غابات الأمازون وغابات أستراليا، لنشعر العالم بخطورة الموقف، ولكنهم لم ينتبهوا وأصروا على عنادهم، فقدنا أكثر من نصف مليار حيوان، رغم أنه لم ينج إلا الحيوانات القوية، التي ستنتج لنا سلالات قوية، وأن الحرائق ستساهم في خصوبة التربة وازدهار الغابات بعد شق الطرق وتخطيطها من جديد.
وتتجه الأنظار نحو جون ممثل قارة أوروبا، الذي يضع نظارة سوداء على عينيه ويلتقط الحديث من أدريان.
قائلًا: كل ذلك لم يعد كافيًا، يجب أن يصحو العالم على صدمة سنشعل الحرب ليحل السلام.. نحرض ليبدأ طرف في إشعال شرارة الحرب، ويطلق القنبلة ويرد آخر بضرب قنبلة أخرى سيقتل الملايين في لحظة واحدة، ستنحاز أطراف وتتشكل قوى، سيلجأ الناس في عدد من الدول للملاجئ ستتوقف حركة الطيران وحركة البشر، سنصنع فوضى لنعيد تنظيم العالم.
يعود فوتين، ذو الأنف الدقيق للكلام ساخطًا موجهًا اللوم لجون قائلًا: نظرة قاصرة، الفوضى لن تصلح لنعيد النظام للكوكب، لو قتلنا الملايين في دقيقة واحدة، لن ننقذ الكوكب بل سيزداد التلوث وينتشر الغبار الذري على مساحات واسعة، ما كنتم تنفذونه في القرن الماضي لا يصلح الآن، ولو توقفت الطائرات في جزء من الكوكب سيستمر عملها في بقية أرجاء العالم، بل ستزيد معدلات عمل المصانع وإنتاجها وتدخل دول صغيرة في الصراعات وتستمر مأساة تلوث الأرض التي نريد أن ننقذها.
نريد حلولا غير مكلفة، نريد أن نجبر الدول على توقيع اتفاقية تحسين المناخ.. الأوروبيون مستعدون للتعاون، الصين وروسيا موافقتان بشروط، أمريكا تكابر لكنها سترضخ، العرب والأفارقة سنجعلهم على الحياد، لأنهم سيكونون مصدر الغذاء في الأزمة وممر التجارة الرئيسي بحوزتهم، سنعطيهم بعض المكاسب بإيقاف الحروب المشتعلة مؤقتًا، أستراليا يكفيها ما حدث لها من خسائر الحرائق، وأمريكا اللاتينية ستجعل الشعوب تغير الأنظمة وتستبدلها.
ويواصل فوتين الحديث: سنشن الحرب ونخضع الجميع لنا، سنخلي الشوارع ونوقف المصانع ونوقف حركة الناس ونعيد توجيه الميزانيات العسكرية في العالم، سننشر الفيروس القاتل لنوقظ النائمين والغافلين.
صمت من الجميع ووسط حالة تمتمة تساءلوا: كيف؟!
يكمل فوتين حديثه قائلًا، وقد احتدت ملامح وجهه: نعم سنطلق الفيروس، ونجبر الجميع على التوقف عن العمل، سنجعلهم يلجئون لإيقاف مصانعهم وأنشطتهم باختيارهم، سنخلي الشوارع من السيارات سنوقف محركات الطائرات، التي يملأ ضجيجها وتلوثها الغلاف الجوي لتتراص على الأرض باحثة عن مكان ترابط فيه بصعوبة، سنوقف الحركة في كل مكان ليقبع البشر في بيوتهم مستسلمين وتقل حدة الانبعاثات فتنجو الأرض من الخراب المحدق بها وما تخسره سنويا من غذائها بسبب التلوث، وما يخلفه من تصحر والفيضانات والأعاصير وارتفاعات في درجات الحرارة، ستتكفل التكنولوجيا الحديثة والإنترنت والأقمار الصناعية والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي بنشر أخبار الفيروس لينتشر الذعر في العالم، ويمتثل الجميع لما خططنا له.
يتدخل جون قائلًا: ولكن هذا سيتسبب بموت الآلاف أو الملايين من البشر؟
يرد فوتين وهو يضحك ضحكة زلزلت قاعة الاجتماع: وهو يقول نحن لسنا قساة القلب معدومي الإنسانية، نحن نفعل ذلك من أجل البشرية وحياتها، بل إن استمرار الوضع كما هو عليه الآن هو من يقتل ملايين البشر، فالتلوث بالغازات المنبعثة يقتل ما يزيد على 6.5 مليون نسمة في العالم، 560 ألف شخص يموتون كل عام بسبب الأنفلونزا الموسمية لأن الناس لا يراعون معايير النظافة والوقاية، حوادث الطرق التي ستخلو وتتوقف الحركة عليها، كانت تقتل ما يزيد على مليون ونصف المليون نسمة سنويا، وتتسبب في إصابات لـ20 مليون نسمة أكثر من نصف مليون منهم كانوا يصابون بعجز كامل، وهناك 6 ملايين شخص يموتون بسبب التدخين، ربما سننقذ حياتهم، إذا ما جعلنا الطعام أولوية لهم بدلا من التبغ.
ويصرخ كرامب قائلًا، ولكن ذلك سيتسبب في خسائر اقتصادية بالمليارات، وسيتوقف الناس عن العمل وسيفقد الكثيرون وظائفهم، وتهبط البورصات في العالم ويعم الكساد لشهور وستقل المؤن وربما تنتشر المجاعات إذا نقص الغذاء.
يعاود فوتين الحديث موجهًا إصبعه لكرامب قائلًا: اصمت، فما نحن فيه من تلوث يتسبب في خسائر سنوية تزيد على 70 تريليون دولار وارتفاع درجة الحرارة يجعل العالم يفقد 2.2% من قوة العمل بل إن استمرار التلوث سيجعل 80 مليون شخص يفقدون وظائفهم فلن تكون هناك مشكلة إذا توقف جزء من الموظفين عن العمل لأسابيع أو شهور، بدلًا أن يفقد الملايين وظائفهم للأبد، بل إننا سنوفر للعديد من الدول وظائف جديدة ستنشئ نتيجة الأزمة التي سيخلفها انتشار الفيروس لم تكن هذه الوظائف موجودة قبل ذلك ستقام المصانع ويزيد الإنتاج، ويعود الناس للحياة ويشعرون بقيمتها ويستهلكون ما ينتجون فتنتعش الأسواق، ستقام مصانع لتنتج ما يحمي البشرية، ويتم التوسع في استخدام التكنولوجيا، ويقل الإنفاق العسكري على إنتاج أسلحة تبيد البشرية.
ويتحدث الصقر معترضًا: سننقذ العالم من التلوث ولكن سنبعد الناس عن بيوت الرب عن أديانهم وعقائدهم ما يؤمنون به، وقد نتسبب في إبعاد الناس عن أحبائهم وأصدقائهم، وهذا مؤلم، كما أن وجود البشر مجتمعين لساعات في المنازل قد يزيد المشكلات الاجتماعية، ويدمر الأسر ويدمر الأخلاق إذا ما حاول كل شعب أن ينجو دون الشعوب الأخرى سنحرم الناس من الرياضة، ومن الترفيه ومتع الحياة.
ويرد فوتين قائلًا: إنه لأمر صعب أن يترك الناس بيوت الرب ويهجرونها، ولكن ذلك سيكون فرصة للناس لتعيد علاقتها مع المعبود، بعيدًا عن الحشد والتوجيه من رجال الدين والمتاجرين به، سيختلي كل إنسان ليعيد علاقته بالرب، بل إننا سنترك شعوب العالم لتخرج ما لديها من إنسانية وضمير وأخلاق ونرى كيف سيساعد الإنسان أخاه الإنسان، لن ندمر الأخلاق، بل سنجعل الإنسان في اختبار صعب لأخلاقه وفطرته وضميره، سيعرف الناس قيمة الحياة والتعاون والمحبة والأخوة الإنسانية، لن نبعد الناس عن أحبائهم ولكن سنجعل العالم كله على الهواء يتواصل بطريقة أخرى ويتبادل المشاعر بطريقة أكثر أمنا وأقل تكلفة، سنعيد قيمة الأسرة للناس، فالآلاف من العزاب سيعرفون قيمة الأسرة ومن كانوا يخونون زوجاتهم سيضطرون لترك عشيقاتهم والمكوث مع زوجاتهم والتقرب لأولادهم، سنجعل الناس ينظرون للرياضة بأنها ليست ترفيها يشاهد لكنها شيء أساسي يجب أن يمارس لفوائده الصحية، سنفقد أرواح مئات الآلاف أو ملايين البشر كبار السن والمتعبين صحيًا لكننا بالطبع سنستقبل ملايين المواليد من آباء أصحاء نجوا من هجمة الفيروس بعد تسعة أشهر، ليعمروا الكوكب في جو نقي من التلوث وأكثر صحة.
انتبهت على صوت هاتف يخبرني بضرورة أن أرتدي الكمامة والقفازات، إذا ما قررت الذهاب للعمل، فكتبت هذا المقال.
ملحوظة: كتبت هذا المقال، وهذا السيناريو تخيلي، وربما لا يمت للواقع بصلة.