عاجل
الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
المتاجرون بالهجرة وبحقوق الإنسان

المتاجرون بالهجرة وبحقوق الإنسان

 لا شك أن الدول النامية تعاني كثيراً، جراء ضعف قدرتها على امتلاك المعلومات الدقيقة والموثقة عن كثير من تفاصيل الحياة التي تجري على أراضيها، وهو أمر تغلبت عليه المجتمعات المتقدمة، فانجزت عصر المعلومة، بل واتخذت منه مصعداً سريعاً بلغت به آفاقاً أعلى من التقدم؛ إذ لم يعد التطور ممكناً بشكل جزافي.



 

ومن ثم فإن افتقاد دوائر صناعة القرار في المجتمعات الأوروبية المتقدمة للمعلومات والبيانات الدقيقة عن ظاهرة الهجرة غير الشرعية رغم ما تشكله لها من هاجس يُقلق رفاهتها ويهدد نموها الاقتصادي وسلمها الاجتماعي، يشير بقوة إلي أوروباً إجمالاً تهمل هذه الظاهرة شبه اليومية التي تُجسد معاناة الإنسان للعيش كما يعيش أخوه الإنسان في مكان آخر. كما يؤكد الأمر عدم وجود رغبة أوروبية جادة وحقيقية في معالجة الظاهرة علي نحو فعال وعادل يرتكز علي ذات القيم الإنسانية النبيلة التي أسست لوحدتها عبر عقود طويلة.

 

  علي هذا الأساس نقرأ اختلاف التقديرات الأوروبية لظاهرة الهجرة غير الشرعية، حيث لم تزعم دولة أوروبية واحدة أنها تملتلك أرقاماً صحيحة دقيقة لظاهرة الهجرة غير الشرعية، منذ انفجار الظاهرة عام 2016. وبالتالي تتعامل الدول الأوروبية مع الظاهرة من خلال ما تطرحه تقارير المنظمات الدولية، مثل المنظمة العالمية للهجرة ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين، من أرقام متباينة، تؤكد فيه أن الرقم يبلغ 60 ألفاً، بينما أجهزة الإنقاذ الأوروبية تهبط بالرقم إلي 40 الفاً، لترتفع به المنظمات الإنسانية غير الحكومية إلي 100 ألف وأكثر.

 

وبعيداً عن السياسة ومقتضياتها ومناهجها في الالتفاف علي الحقائق، ينتصر العلم، ويقتص لحقوق الإنسان المتعلقة بالهجرة؛ إذ جاء في تقرير وضعه مركز البحوث الاجتماعية التابع للمفوضية الأوروبية أن: "عدم وجود معلومات دقيقة عن أعداد المهاجرين الذين يغرقون خلال محاولتهم عبور البحر المتوسط والذين يباشرون رحلة الهجرة غير الشرعية الشاقة إلي أوروبا، يعكس تراجع الإحساس الإنساني في المجتمعات الأوروبية".

 

وفي هذا الشأن تحديداً، يبدو التفاوت جلياً بين السياسة والعلم في إعلان الاتحاد الأوروبي أفي أكثر من مناسبة أن الظاهرة في طريقها للتلاشي تدريجياً، وذلك بالنظر إلى الأرقام الرسمية التي تؤكد تراجع عدد المهاجرين الوافدين إلي السواحل الإيطالية من 180 ألفاً عام 2016 إلي أكثر من 3 آلاف بقليل فقط خلال العام الماضي 2019. بينما يؤكد التقرير المُشار إليه والذي تستند إليه المفوضية الأوروبية الجديدة لمناقشة ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلي أوروبا ووضع سياسة الهجرة في أوروبا للسنوات الخمس المُقبلة، إلى أن الأمم المتحدة تملك العديد من التقارير التي تتحدث عن "مأساة الهجرة المتفاقمة في المتوسط".

 

وفي حين يتغني ساسة أوروبا بنجاحهم في معالجة ظاهرة الهجرة غير الشرعية إلي أراضيهم، يُفند العلم دوافع احتفالاتهم بنجاح زائف، فيقول التقرير أن "ظواهر الأمور لا تعكس الوضع الحقيقي لأزمة الهجرة التي قد تعود إلي الانفجار بشكل آخر وفي أي لحظة".

 

ويفسر التقرير فيشير إلي أن تراجع أعداد المهاجرين الذين يغادرون إفريقيا إلي أوروبا، لا تتسم بالديمومة؛ فقد تم تكليف تركيا وليبيا بمواجهة الأمر وإدارة الأزمة بمساعدات مالية وفنية، إلي جانب سقوط العديد من المهاجرين في قبضة خفر السواحل وإعادتهم إلي السواحل الليبية.

 

من جهة أخرى، وبالعودة إلي التشكيل الحالي للبرلمان الأوروبي الذي نتج عن الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة التي أُجريت في الفترة من 23 إلي 26 مايو الماضي، والتي حظيت بنسبة مشاركة شعبية هي الأعلي منذ 20 عاماً، بما يتيح اعتبارها مؤشراً حقيقياً علي توجهات الشعوب الأوروبية إجمالاً، نجد أن الأحزاب الشعبوية فشلت في تحقيق المكاسب الكبيرة التي توقعها البعض، مقابل زيادة مقاعد الليبراليين، واقتصار مكاسب القوميين علي إيطاليا وفرنسا والمملكة المتحدة؛ ومن ثم يمكن أن نستنتج بوضوح أن الاتجاه العام في أوروبا يميل ناحية الاهتمام بالحقوق الأساسية، ونهج سياسة إنسانية أكثر انفتاحاً بشأن الهجرة.

 

وبالعودة إلي التقرير الأوروبي المهم السابق الإشارة إليه، نجده يخلص إلي أن "سياسة الهجرة التي يتبعها الاتحاد الأوروبي حالياً من شأنها تعميق الشرخ مع المواطنين الأوروبيين الذي تميل غالبيتهم، حسب نتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة، إلي استعادة الاتحاد الأوروبي جذوره وعلة وجوده، والدفاع عن الحقوق الأساسية التي ناضل كثيرون من أجلها والتي فيها وحدها سبيل إنقاذ المشروع الأوروبي من حالة الركود التي يمر فيها".

 

ويحتوي التقرير علي إدانة مهمة للاتفاق الذي أبرمه الاتحاد الأوروبي مع تركيا عام 2016 حول الهجرة، معتبراً أن "بنوده تشكل انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان"، وهو ما يستخدمه أردوغان الآن في ابتزاز أوروبا، كما ينتقد اتفاقات تعاون ثنائية أبرمتها بعض الدول الأوروبية، خصوصاً بين إيطاليا وليبيا، بدعم تركي، لمنع تدفق المهاجرين عبر سواحلها وإعادتهم إلي مراكز الاحتجاز غير المتفقة وأبسط الحقوق الأساسية. وفي ذلك يؤكد التقرير أن "تجربم عمليات الإغاثة والإنقاذ غير الحكومية في عرض البحر يخالف المبادئ والقيم التي تأسس عليها الاتتحاد الأوروبي". ويذهب التقرير إلي حد إبداء الدهشة من صمت محكمة العدل الدولية الأوروبية تجاه هذا المشهد غير الإنساني.!

 

وإلى خطورة ملف الهجرة غير الشرعية على القيم والحقوق الأساسية الأوروبية، نُشرت أخيراً تقارير إعلامية اتهمت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود وخفر السواحل "فرونتكس"، مقرها وارسو، بغض الطرف عن إساءة معاملة مهاجرين من جانب عناصر حرس الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وانتهاك حقوق الإنسان خلال عمليات ترحيل اللاجئين.

 

مُجمل القول، أن المتاجرة بالهجرة من جانب أردوغان، يقابلها بالفعل متاجرة أوروبية بحقوق الإنسان؛ فأوروبا ليست فوق مستوى الشبهات في مجال حقوق الإنسان، إذا ما خرجنا بهذه الحقوق خارج الدائرة السياسية، وهو أمر ينبغي طرحه والإشارة بقوة إلي ما فيه من تعارض حقيقي مع "المشروطية السياسية" التي تستخدمها أوروبا لتحقيق مصالحها أحياناً دون النظر إلي خصوصية مجتمعات تعاني الكثير من التحديات التي تحجبها عن ممارسة الديمقراطية وفق النموذج الغربي، الذي لم يمنع انتهاكات أوروبية شتى لحقوق الإنسان.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز