د. إيمان الجمال تكتب بلاد الذهب.. وحكاية متحف النوبة "صور"

عندما تصل أسوان العامرة تشاهد فنادق عريقة تطل على النيل وتلفت نظرك مبان عظيمة بمعمار متميز جدا، ومنها كاتدرائية أسوان وبجوارها مبنى التليفزيون وعدد كبير من الفنادق يحيط بك مرسي يطلق عليه مرسي فريال لوجوده بجوار حديقة فريال.

مساحة شاسعة تجاور مقابر الفاطميين وخلفها مبنى الإذاعة والتليفزيون، وفي الطريق من كورنيش أسوان العامرة وجدت طريقا مرتفعا، أخذني الفضول واستمررت في المشي بجانبه فندق عريق جدًا وبالجانب الآخر كاتدرائية رئيس الملائكة ميخائيل ذات التصميم المعماري والمبنى العظيم المسافة ليست بعيدة ولكنني وجدت أمامي صخور الجرانيت المنحوتة، في مكان يقصده من كل عام فنانون من كل بقاع العالم لحدث مهم جدا وهو سمبزيوم النحت في أسوان.

 

 

على ربوة عالية جدا مبنى واجهته تحاكي بيوت النوبة في الزخارف الهندسية، الجرانيت بكل مكان والارتفاعات والأحجار وكأنها عمل فني مجسم تشاهد فيه من الجهة المقابلة للنيل يحتضنه الجبل واللون الأبيض للمراكب الشراعية يتناوب في الظهور.. المكان أشبه بلوحة فنية إن عاصرها ليونارد دافنشي لأصبحت من أعظم لوحاته.

 

 

دخلت مبنى المتحف والأمن يستقبل الجميع بالابتسامة مع دقة متناهية في العمل على البوابة ولكنهم لا يشعرونك بأي ضيق علمت بذلك أن المكان يحتوي على كنوز من حضارتنا العظيمة، تنتهي من التفتيش وتدخل إلى ساحة المتحف وبمجرد دخولك تشاهد مسلة مصرية قديمة وبجوارها قرد البابون جالسًا على هيئة الإله تحوت.. استمررت في المشي لمسافة قصيرة جدًا، وصلت لبوابة المتحف وبمجرد دخولي قابلت الدكتور حسني عبد الرحيم مدير المتحف، الذي يقابل بالترحيب كل الزوار، وقام بتسهيل كل الأمور، واصطحبتني أمين المتحف في جولة داخل المتحف، وحدثتنا عن أن افتتاح المتحف في 23 نوفمبر عام 1996 والتصميم المعماري للمتحف للمهندس محمود الحكيم والعرض المتحفي لمهندس مكسيكي والمهندس أسامة عبد الوارث.

 

 

روعي في بناء المتحف أن يكون على ربوة عالية، وتحيط به القباب الفاطمية من الناحية البحرية مع سهولة الوصول إليه لوجوده في قلب أسوان.

كانت فكرة التصميم هي تحقيق التكامل مع البيئة وأن يكون منخفض الارتفاع حتى لا يشوه المباني الأثرية، وله طوابق متدرجة تتماشى مع الطبيعة، واستوحي التصميم من العمارة المصرية القديمة.

 

 

وفاز المتحف بأفضل مبنى معماري في العام 2005، ومساحته 50 ألف متر مربع مقسمة لمخازن وحديقة متحفية وتحتوي على مقابر فاطمية، ومساحة المتحف المبنية 7 آلاف متر، والمتحف مقسم إلى قاعات ما قبل التاريخ وينتهي بعصر النوبة الحديثة، وكل القاعات مزودة ببطاقات بلغتين ويحتوي على 5 آلاف قطعة أثرية، يتكون من ثلاثة طوابق، الأرضي ويحتوي على قاعة العرض الرئيسية والورش والمخازن ورصيف الاستلام والكافيتريا والمسرح المكشوف، والدور الأول له مدخل رئيسي ويحتوي على قاعة عرض وغرفة كبار الزوار وقاعة محاضرات، والدور الثاني مركز المعلومات وملحق به مكتبة.

 

 

يضم المتحف قاعة رئيسية وقاعة عرض مؤقتة إلى يمين الباب الرئيسي، فيها عدد من المومياوات ولوحات عن النوبة الغارقة، وجدير بالذكر أن هذه القاعة يتم فيها عرض أي حدث جديد.

بمجرد انتهاء قاعة العرض المؤقتة سنشاهد نماذج لمعابد مصر كلها ومنها نصل إلى قاعة عرض ما قبل التاريخ، وفيها نموذج الدفنة القديمة القرفصاء من مقبرة السيالة في حفرة دائرية وبجانبها عرض لأدوات الصيد.

 

 

يحتوي متحف النوبة على عدد من النوادر، فنشاهد بيضة النعام المرسوم عليها ثلاثة أهرامات، وتوجد مثيلاتها في متحف الأقصر، مع عدد كبير من الأواني الفخارية من العصر البدائي، ووجد منها ما يحمل شكل النعام متدرجة في التطور التاريخي وعرض لنماذج الحلي، ووسام الدبانة المصنوع من الذهب الذي قلد به الجيش قديمًا.

يضم المتحف أيضا تمثالين لـ"البا" الروح المقدسة عند المصري القديم من الحجر الرملي، ولكن بتطور فريد من نوعها، حيث وجدت بأرجل إنسان، وهذا النموذج نادر جدًا.. تشاهد في منتصف العرض تمثالا ضخما لرمسيس الثاني بوجه مبتسم كعادة النحاتين قديما، وفي فترة الرعامسة حزيت معظم التماثيل بالابتسامة.

 

 

يوجد بالمتحف لعبة تشبه الطاولة مكونة من لوح و15 قطعة من العاج و15 قطعة من الأبنوس بالإضافة إلى صندوق هز قطع النرد، والغريب هو وجود الزهر بنفس الشكل المتعارف عليه في زماننا.

تمر بطريق العرض وتجد مجموعة من التماثيل للأجداد ومنها تمثال للمعبودة إيزيس ترضع حورس، وتمثال بملامح متقدمة في السن المبعوث من كوش إلى مصر مصنوع من الجرانيت القرن 7 ق. م، وتماثيل مجموعة من الجنود تنتمي إلى الأسرة 11.

 

 

وتوجد ثلاث لوحات تعكس الأساليب الفنية في عصرين مختلفين لوحة ترجع إلى عصر الدولة الوسطى، والثانية لنفس العصر تقدم مائدة القرابين، والثالثة ترجع إلى عصر الدولة الحديثة عثر عليهم في ألفنتين.

وتوجد مجموعة من أدوات الزينة والتجميل عند المصري القديم ومجموعات من الحلي القديمة وحضارات المجموعة الأولى في الدولة القديمة والوسطى والحديثة مرورًا بمجموعة من النوادر في الفن المصري القديم يحتوي عليها المعبد، إلى أن نصل إلى قاعة عرض النوبة القديمة وصولًا إلى النوبة الحديثة ونماذج لتماثيل تنبض بالحياة لكل مظاهر الحياة في النوبة والبيوت النوبية وطقوس الأفراح، نموذج المحفظ القديم لتعليم الصغار، ومنظر الزراعة وقاعة للنوبة المسيحية تحمل مجموعة من الأيقونات، وقاعة للنوبة الإسلامية وتحتوي على هيكل لمئذنة بلال، نماذج لقطع منسوجة ونماذج للكتابات والملابس في ذلك العصر.. ينتهي العرض المتحفي لنصل بالنهاية لسلم الخروج مودعًا إياك رمسيس الثاني بتمثاله الضخم المبتسم.

 

 

المتحف يضم تماثيل أصلية، ومجموعة القرود، وتمثال رمسيس الثاني.

 

 

متحف النوبة كنز عامر بالنوادر مفعم بالإنسانية في العاملين بداخله وحفاوة الاستقبال من الجميع.. طوف وشوف جمال بلدك.. أسوان.