عاجل
الجمعة 27 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
دفتر العزاء الأستاذ محمد عبدالمنعم
البنك الاهلي
«روزا»... وأنـا!

الأفتتاحية الأولى للأستاذ محمد عبدالمنعم فى مجلة روزاليوسف بعد توليه رئاسة مجلس إدارتها وتحريرها فى 4 مايو 1998

«روزا»... وأنـا!

بنفس القدر الذي فوجئ به الجميع بالتعيينات الصحفية الجديدة، كانت مفاجأتى؛ بل إن هذه المفاجأة كانت مزدوجة على المستوى الشخصى، وذلك من حيث المنصب الجديد ومن حيث المكان الذي شرفت بتولى مسؤوليته وهو مؤسّسة «روزاليوسف» الغراء.



مؤسّسة كانت كل رابطتى بها هى نفس رابطة أى قارئ.

 

ولم أفكر يومًا أن قارب الحياة سيقودنى فى النهاية إلى هذا المكان.. قارب أبحر فى أماكن ومواقع متباينة، ولكنها جميعًا كانت تصب فى بلاط صاحبة الجلالة.

 

بكل ما فيه من رحابة، وتنوع، وديناميكية، تختلس منك سنوات العمر دون أن تشعر وكما لو كان العمر- مَهما طال- هو لحظة شديدة القصر.

 

ولكنها فى الوقت ذاته لحظة ممتلئة وشديدة العمق فى إحساسها بكل ما يجرى فى هذه الحياة!

 

وبسبب ظروف معينة تلمستها بنفسى من خلال التقارير الصحفية وخطابات القراء والمهنئين وتعليقاتهم الصادقة والنافذة، تصور البعض أننى ما جئت إلى هذا المكان إلا لتغيير شخصيته وطابعه الفريد الذي تميز به منذ نشأته فى 25 أكتوبر من عام 1925.. طابع تميز بنسيج فريد امتزج خلاله بسلاسة مذهلة، الفن مع السياسة مع الأدب العالمى الرفيع دون أن يتجاهل ولو للحظة واحدة، الواقع الذي قد يكون مريرًا فى بعض الأحيان، والذي يدور خلف الكواليس، وفى قاع المجتمع.

 

هذا التصور قد يجوز لو كان الرجل الذي تولى مسؤولية هذه الدار العريقة قد جاء من ديوان حكومى أو من وظيفة إدارية، ولكن كونه جاء من دار صحفية عريقة «الأهرام»، وكونه صحفيًا محترفًا، فهذا يعنى بالدرجة الأولى أنه يتفهم جيدًا أبجدية أن طمس هوية صحفية أو مجلة؛ هو بمثابة حكم بارد بالإعدام ينسف فى لحظة واحدة تاريخًا طويلاً بذلت خلاله أجيال عديدة العَرق، والأرَق، وأخطار التحدى لقوى عديدة، هى فى جميع الأحوال أقوى بكثير، وهى فى جميع الأحوال قادرة على حسم المسألة برمتها.

 

وفى تاريخ «روزاليوسف» تمثلت هذه القوى تارة فى القصر، وتارة فى سلطات الاحتلال، وتارة فى الأحزاب السياسية التي كانت تتناوب على السلطة، وقد لا يعلم القارئ الكريم أن دار «روزاليوسف» أصدرت صحيفة يومية بجانب مجلتها الأسبوعية الموجودة الآن بين يدى القارئ الكريم، ولكن حدث أن تضامن القصر والإنجليز والأحزاب السياسية ونجحوا فى إغلاق الصحيفة اليومية واغتالوها فى مهدها!

 

والآن لم تعد هناك قصور ملكية بكل ما تعج به من مؤامرات ودسائس تجعل من أرقتها وقاعاتها الفخمة بؤرا صديدية.. وقرحا أخلاقية.. واختفى الاستعمار بكل ما يبيته من إعاقة وهدم للقدرات والاتجاهات الواعدة، واختفت الأحزاب المهترئة بكل ما تمثله من صراعات هزيلة متدنية.

 

اختفى كل ذلك وقفزنا فى وثبة هائلة إلى آفاق المستقبل الجدير والصحيح عندما تولى أمورنا، لأول مرة فى تاريخ مصر الطويل واحد من أبناء مصر شق طريقه إلى أعلى منصب فى الدولة بالعمل، والعمل وحده. الذي كانت أولى ثماره هى أول نصر عسكرى مصري فى تاريخ طويل وحزين من المعارك- وليست الأسلحة- الفاسدة.. والحروب الموتورة والجاهلة!

 

عندما جاء حسنى مبارك إلى الحكم لم تعد هناك قوى تهدد وتتوعد، فالرجل واحد منا ويكره أن يتسلط أو يتجبر أى إنسان منا على الآخرين وأكثر من هذا فإن مبارك هو تجسيد حى للصبر، والتحمل، والتماسك وتمالك الأعصاب.. اختفت قوى التهديد والوعيد، وجاءنا رجل من أنفسنا يمثل كل إمكاناتنا.. وكل تطلعاتنا.. فأين الخطر إذن؟

 

بجيء الخطر الأكبر من أنفسنا.. وهو أشد من أى خطر آخر.. يجيء الخطر عندما نتجاهل المصلحة العامة.. وعندما نسقط من حسابنا القرارات الاستراتيجية التي تتبناها السلطة الوطنية والشرعية للدولة.

 

ويجىء الخطر عندما نعبث بالسلام الاجتماعى وبالوحدة الوطنية.. وبالمعتقدات الأساسية الراسخة. ويصبح الخطر مدمرا عندما نهدر كرامتنا الوطنية والشخصية.. وعندما نضخم السلب الضئيل ونتجاهل صروح وشموس الإيجابيات المتعددة ويجيء.. ويجىء. ويجىء.. ليس من القصر الفاسد.. أو الاستعمار المتآمر.. أو الأحزاب المهترئة ولكن من أنفسنا نحن وهذا هو أشد الأخطار فتكا ودمارا.

 

ونعود إلى السؤال الشاغل والمطروح ماذا أنا فاعل مع «روزاليوسف»؟ والإجابة التي لا بد أن يكون القارئ الكريم قد استوحاها من هذه الكلمات هى أننى لست من الضحالة والسذاجة بحيث أجرؤ على طمس هوية شخصية مميزة لها سحرها ونفوذها، وكل ما سوف أحاول أن أفعله هو حشد جميع الإمكانات الكامنة فى فريق واحد متماسك ومتجانس، ثم بعد ذلك محاولة إضافة بصمة متواضعة إلى جانب بصمات كوكبة العمالقة الذين عملوا فى هذه الدار العريقة.. والذين رسخوا بنيانها فأصبحت قادرة على البقاء والاستمرار بنجاح الى يومنا هذا، بصمة صغيرة لقد لا تقارن أبداً ببصمات محمد التابعى.. وإحسان عبدالقدوس.. وعباس العقاد.. ومصطفى أمين.. وأحمد بهاء الدين.. وعبدالرحمن الشرقاوى.. وصلاح حافظ.. ولا أذكر هنا الأحياء الذين أسهموا بدورهم ومازالوا بيننا على قيد الحياة.. وعندما توجهت إلى الدار الجديدة التي سأعمل بها كان الانطباع الأول- هو دائما  أصدق انطباع- أن الصحفيين الموجودين فى هذه المدرسة هم من أفضل واقدر من عرفت.. فلو جاء المايسترو الذي يقودهم هو الآخر على قدر كبير من الحرفية والخبرة فأتصور أن الفريق الجديد يمكن أن يجذب أنظار وإعجاب الجميع، وهذا هو التحدى الحقيقى الذي يجابهنى فى هذه المرحلة.

 

أما بالنسبة للسيدة العظيمة «روزاليوسف» صاحبة الدار،والتي استطاعت بإصرارها وشجاعتها ودأبها أن تخرج هذا الوليد قويًا يقف بشموخ إمام إعصارات الحياة فإننى أختار من مذكراتها كلمات أوصت بها من حقها علينا أن نعمل على تحقيقها فقد قالت- رحمها الله تعالى- كما لو كانت تستشف متاعب المهنة ومشاكل المستقبل، إن روزاليوسف لا ينبغى أبداً أن تعرض بأحد ولا ينبغى أبدا أن توجه الشتائم إلى أى مخلوق.

 

ويجب أن تحتفظ المجلة دائما بكبريائها.. سيدتى العظيمة والجليلة.. لك منا كل هذا.. بل ولك أكثر من هذا بكثير.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز