للتمثيل الكلمة العليا في "لمس أكتاف"!
كتبت - هند سلامة
شهدت الدراما المصرية حالة من الهبوط الكبير على مستوى الكتابة والتأليف هذا العام ولم ينج سوى النادر من الأعمال المقدمة، وإن نجت هذه الأعمال بنفسها بعيدا عن السذاجة أو الضعف لم ينجُ بعضها من الاعتياد واللعب في المضمون؛ بمعنى آخر: حتى الجيد لم يكن جيدا على الإطلاق بل ضمن الجودة في حدود ما قدم لعام 2019، وظلت الجملة الشائعة تتردد بأن دراما هذا الموسم هي الأسوأ في تاريخ الدراما المصرية.
.jpg)
لكن للتمثيل شأنًا آخر
إذا كان السوء متعلقا بشكل المحتوى الفني للكتابة الدرامية غير الجاذبة والمتأرجحة بين الضعف والاقتباس، فلم نجد عملا ترك بصمة كبيرة وواضحة كعادة كل عام بل الأغلب كانت بصمته باهتة، اللهم إلا عمل أو اثنين مثل "قمر هادي"، و"لمس أكتاف"؛ ووسط هذا الكم الكبير من الإحباط والتراجع الفني الملحوظ في دراما رمضان، سواء على مستوى الأعمال الكوميدية او الجادة، كان للتمثيل شأن آخر وهو ما كان مفاجئا للجميع، حيث شهدت الدراما هذا الموسم صعود الكثير من النجوم الكبار والشباب، وهنا من الممكن أن نتخذ مسلسل "لمس أكتاف" نموذجا، تأليف هاني سرحان وإخراج حسين المنياوي، الذي ترك بصمة من نوع آخر على جمهوره.
الدراما الاعتيادية
في "لمس أكتاف" حدوتة عادية ربما قد تكون شاهدت مثلها في الكثير من الأفلام السينمائية أو الأعمال الدرامية، فهو مسلسل ينتمي للدراما الاعتيادية التي اعتدنا رؤيتها كثيرا ولم تأت بجديد يذكر، ليس هناك إثارة للفضول للاستمرار في المتابعة، لكن عوضا عن ذلك كان هناك إثارة تجسدت في متعة المشاهدة، ورغبة في مواصلة متابعة أحداث المسلسل؛ ليس حبا في أحداثه أو فضولا لمعرفة المزيد، لكن حبا في ممثلي ومجسدي هذه الأحداث، انفرد هذا العمل بشكل كبير بتقديم عدد من الممثلين الشباب وجيل الوسط، فلم يستأثر ياسر جلال بالبطولة باعتباره نجمه الأول، وهو ما ضمن له النجاح وحب الجمهور لمتابعة عمل فني اجتمع فيه عدد كبير من الموهوبين، فلم يعتمد بشكل أساسي على نجمه المفضل فقط، وكأن جلال استطاع أن يعقد اتفاق مع جمهوره منذ يومه الأول بأنه سيشاهد متعة من نوع آخر، لذلك وقع عبء النهوض بالعمل على الممثلين؛ وكان أوفرهم حظا وأكثرهم إمتاعا وجذبا للجماهير حنان مطاوع في دور "عايدة الحناوي" والفنان فتحي عبد الوهاب في دور "حمزة الحناوي"، كلاهما يستحق كتابة بورتريه عنه بمفرده؛ اثبت الاثنان كيف يحسن النجوم الكبار استغلال الفرص وكيف يستطيع النجم معالجة الخروج من فخ المعتاد أو تجاهل أزمة كانت بدأت قبل انطلاق عرض المسلسلات، وهي التسليم بأن دراما هذا العام لن تكون على مستوى التوقعات، تجاهل نجوم "لمس أكتاف" كل الأزمات التي حدثت ومازالت تحدث اثناء وبعد انتهاء الشهر الكريم وكأنهم رفعوا شعار "ششششش إحنا جايين نمثل".
.jpg)
صاحبة المخزون الاستراتيجي
حنان مطاوع.. لعبت شخصية عايدة الحناوي، ابنة عم حمزة الحناوي المرأة القاهرة والمقهورة الضعيفة بحب زوجها حمزة والمخلصة له إخلاص مطلق، فهو يشكل نقطة ضعفها في الحياة في حين أنه كرهها وكره الإنجاب منها واضطر مكرها على زواجها، حتى يحمي أعماله وأملاك والده حيث تربطهم صلة قرابة من الدرجة الأولى وهي أخلصت لهذا الحب وهذه الصلة بينما هو "لا".. كل هذا الحب والضعف اجتمع في هذه المرأة الجبارة التي تعرف الحق ولا تعرفه؛ تخشى الله ولا تقيم له حساب في أمور حياتها؛ فهي تفعل ما تشاء لكنها تعبده كما يشاء؛ شخصية متناقضة جمعت بين الشر والحب والسذاجة والطيبة والكوميديا والجبروت توليفة نادرة في امرأة واحدة وفي ممثلة صاحبة مخزون استراتيجي امتلكت حنان مطاوع ثقل فني كبير في تقديم هذه الشخصية يوحي بأنه مازال لديها المزيد والمزيد الذي لم نره بعد، تمتلك مخزون وخلفية فنية لا حد لها تنهل منها كيفما تشاء حتى يجلس أمامها المشاهد مستمتعا بمشاهدتها وكفى، حريصا على فتح مشاهدها على اليوتيوب حتى ولو لم يكن متابعا للعمل لمجرد رؤيتها تتبدل وتتغير وتتلون في انفعالات وحركات وصوت ومخارج الفاظ اتقنتها هذه الممثلة القديرة التي أدت وكأنها تمارس تمارين اليوجا حالة من التركيز والدقة في تبدل الصوت والمشاعر والنظرات والانفعالات في مشهد واحد تكفي لمنح دروس لأجيال قادمة، حفرت مطاوع بهذا العمل وقوة أدائها اسمها بين نجوم الصف الأول بامتياز خاصة النساء التي تفوقت عليهن جميعا.
.jpg)
التمثيل في خشوع
فتحي عبد الوهاب.. لن تكتمل متعة مشاهدة فنان قوي ومخضرم مثل حنان مطاوع إذا كان أمامها ممثل ضعيف؛ لكن من حسن الحظ أن يشاركها الفنان فتحي عبد الوهاب معظم مشاهد العمل وبفضله دخل المسلسل في مستوى آخر من التقييم، وكأن بينهما عقد مسبق على إمتاع المشاهد بالأخذ والرد فكلاهما لعبا بمنطق الهجمات المرتدة؛ وبالطبع كان لهذا الرجل فضل كبير في نهوض وارتفاع مستوى الأداء التمثيلي في مشاهده التي جمعته بالجميع قدم عبد الوهاب دور حمزة الحناوي رجل الأعمال أو تاجر المخدرات المحنك فكان مفتاح هذه الشخصية الهدوء والتقاط الأنفاس قبل اتخاذ القرارات أو قبل الوصول إلى ذروة الانفعال المطلق؛ ردود أفعال حذرة محسوبة اتقنها هذا الممثل القدير في حالة الرضا وحالة الانتقام وهو عادة لم يكن في وضع دائم من الرضا بل هو يعيش معظم حياته في ترقب وتوتر وقلق خوفا من خيانة وغدر من حوله، دخل فتحي عبد الوهاب وتلبس هذه الشخصية وكأنه في حالة من الخشوع والتأمل التي تسبق الدخول في الصلاة، وبالتالي نحن أمام اثنين تعاملا مع عملهما بمنطق العبادة في درجة الالتزام والإتقان.
بطولة جماعية
ارتفعت درجة الوعي بالشخصيات المكتوبة والمجسدة في هذا العمل الفني ولم تقتصر المهارة والقوة في الأداء على أبطاله ياسر جلال والمخضرمان حنان مطاوع وفتحي عبد الوهاب بل شاركهم نفس المتعة الفنان مجدي فكري في دور شحاتة، وشريف دسوقي في دور عبد المنجي الخائن في لحظات المواجهة والمكاشفة معهما ثم لحظة انتحاره بعد أن انكشف سره كان لشريف دسوقي حضور كبير بأدائه البسيط برغم ثقل حجم الشخصية التي لعبها، كما شهد "لمس أكتاف" صعود نجم الفنان الشاب محمد عز الذي قدم شخصية زيدان شقيق حمزة شخصية عشوائية مهزوزة قدمها عز بمهارة بالغة خاصة في احتفاظه وحرصه على لعب دور السكران الذي يقاوم سكره أمام الناس واحتفظ بهذه الحالة من السكر وثقل الرأس حتى وهو لم يسكر؛ كما ازدادت درجة احتفاظه بنفس الحالة لحظات انفعاله وهو ما يبشر بنجم قادم شديد الدقة في اهتمامه بالتفاصيل الصغيرة التي تنقل الشخصية في منطقة أخرى، كما كشف "لمس أكتاف" ايضا عن صعود مواهب ووجوه جديدة للساحة الفنية مثل أحمد محارب "دوجلاس" في دور بدوي، محمد عبد العزيز "زيزو" في دور الفقري، أحمد الشاذلي مساعد الضابط خالد كمال، وأحمد خالد في دور فارس نجل أدهم وعزوز عادل، وبالطبع كان لخالد كمال ولطيفة فهمي وكارولين خليل وهبة عبد الغني حضور كبير بالعمل ساهم في الثراء الفني الذي بدا عليه "لمس أكتاف" خاصة على مستوى التمثيل فهو بطولة جماعية وليست فردية كان للتمثيل فيها الكلمة العليا.



