الأربعاء 24 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

من رحم نضال "كينج"..ونُبل "وينفري"جاءت "نعومي وادلر"

من رحم نضال كينج..ونُبل
من رحم نضال "كينج"..ونُبل "وينفري"جاءت "نعومي وادلر"
كتب - عبد الحليم حفينة

فتاة الـ11 ربيعًا تبعث الحماس في آلاف الطلاب بـ"مسيرة من أجل حياتنا"

أحكام الإعدام ضد السود 4 أضعاف البيض في الجرائم المتشابهة..وأعمارهم تقل 6 سنوات عن أصحاب البشرة البيضاء

كالأنبياء أو القديسين أولئك الملهمون الذين يحولون مسار العالم، يقودون البشرية من دروب الضلال إلى طريق المساواة والعدل والحرية، لا يملكون في نضالهم سوى الكلمة الصادقة والإيمان بقضيتهم، فُيصدّرون للناس القيم الإنسانية النبيلة بشجاعة، يبقى ذكرهم مخلدًا في وجدان البشرية مهما طوى الزمن السنين على رحيلهم.

على هذا الدرب وتحديدًا في الولايات المتحدة الأمريكية خطا المناضل العظيم مارتن لوثر كينج، إضافة إلى عدد من زعماء السود أمثال مالكوم إكس، هيوي نيوتن، وإلدريدج كليفر، إلى جانب المذيعة الشهيرة أوبرا وينفري التي مثلت نموذجًا من النجاح وتحدي الفقر، إلى أن أصبحت أحد أبرز المؤثرين في العالم، بأنشطتها الخيرية وتميزها الإعلامي.

 وتستكمل مسيرة النضال اليوم نعومي وادلر الفتاة صاحبة الـ 11 عامًا التي ألهمت كلماتها الملايين في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي يوم 24 مارس خرج آلاف الطلاب في "مسيرة من أجل حياتنا" في واشنطن لإحياء ذكرى الفتيات والنساء من ذوات البشرة السمراء اللواتي فقدن في العنف المسلح، وأتت نعومي وادلر من ولاية فرجينيا لتشارك في المسيرة، ولمدة ثلاث دقائق ألقت كلمة أثارت مشاعر كل من سمعها.

(مارتن لوثر كينج)

ربما تكون هي الحلم

في عام 1963 خرج نحو 250 ألف من شخص، منهم نحو 60 ألفًا من البيض متجهين صوب نصب لنيكولن التذكاري، فكانت أكبر مظاهرة في تاريخ الحقوق المدنية، وهنالك ألقى مارتن لوثر كينج أروع خطبه "لدى حلم" "I Have A dream" التي قال فيها: "لدي حلم بأن يومًا من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم".

المفارقة أن نعومي وادلر كانت ثاني أصغر المتحدثين في "مسيرة من أجل حياتنا" بعد بعد يولاندا ريني9 سنوات، حفيدة مارتن لوثر كينج، والتي على ما يبدو أن حلمه لم يتبدد برحيله، فمازال هناك من يحمل رايته ويدافع عنه، فنعومي وادلر التي تزامل حفيدته وتقاربها في العمر أشعلت كلماتها هتافات الحشود وتصفيقها، وكأن روح مارتن لوثر كينج تلبستها.

في كلمتها القصيرة قالت نعومي: أنا هنا اليوم لتمثيل كرورتلين أرينجتو أنا هنا اليوم لتمثيل هاديا بندلتون، أنا هنا اليوم لتمثيل ديانا تومبسون، التي كانت في السادسة عشرة من عمرها فقط، قُتلت بالرصاص في منزلها هنا في واشنطن العاصمة.

 أنا هنا لاعترف بالفتيات الأمريكيات من أصل إفريقي اللواتي لا تنشر قصصهن على الصفحات الأولى في كل صحيفة قومية، ولا تحتل قصصهن الأخبار المسائية، وتابعت "من دواعي سروري أن أكون هنا اليوم، فقد سمع صوتي. وأنا هنا لاعترف بقصصهن، وأقول إنهن مهمات."

وأضافت "قد نكون أنا وأصدقائي في سن الحادية عشرة، وقد لا نزال في المدرسة الابتدائية، لكننا نعرف أن الحياة ليست متساوية بالنسبة للجميع ونعرف ما هو الصواب والخطأ."

(نعومي وادلر)

نعومي تحت الأضواء

وبعد كلمة نعومي في "مسيرة من أجل حياتنا" انهالت طلبات وسائل الإعلام تطلب على أسرتها لعقد لاستضافتها، إلا أن الأسرة عارضت الموضوع في بادئ الأمر سافرت في إجازة لمدة أسبوع على شاطئ ديلاوير، في محاولة للأسرة لإعادة التوازن النفسي لطفلة في عمر الـ 11 عامًا وجدت كل الأنظار متجهة إليها بينما أصبحت أحد أهم الأصوات التي تقود الحركات الاحتجاجية في العالم.

ولم تكن نعومي تعلم بأن خطابها أذيع على التليفزيون حتى بعدما أنهت خطابها، وقالت والدتها إنها كانت لا تعلم حجم ردود الأفعال تجاه خطابها؛ حيث أشارت نعومي في مكالمة هاتفية مع برنامج "Saturday night" "لم أكن أدرك حتى نهاية خطابي عدد الأشخاص الذين كانوا ينظرون لي."

وقالت والدتها لوسائل الإعلام: "إن نعومي لا تمتلك أي حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولن تنشئ أي منها في وقت قريب." وأضافت: "نحن ذهبنا في إجازة لأن نعومي تحتاج إليها، وتود أن تفكر فيما ستفعله تجاه هذا الأمر."

بالإضافة إلى كلمتها المؤثرة، فقد قامت بتنظيم مسيرة يوم 14 مارس مع زملائها في المدرسة وارتدوا جميعا "تيشيرتات" برتقالية اللون، رمز منع العنف المسلح، وذلك في أعقاب مقتل 17 شخصًا في مدرسة مرجوري ستونمان دوغلاس الثانوية في فلوريدا الشهر الماضي.

قضايا السود على الطاولة

برغم حصول الأفارقة الأمريكيين على مكتسبات عديدة بفضل نضال مارتن لوثر كينج وغيره من المناضلين السود، فقد أصبح أوباما الإفريقي الأصل رئيسًا للولايات المتحدة، وأصبح من السود رؤساء مجلس إدارة لشركات كبرى، وأساتذة جامعيين وصحفيين لامعين، وأصبح منهم وزيران للخارجية ومستشارة للأمن القومي، ولم يعد السود يحرمون من ركوب الأتوبيسات بجوار البيض، أو يمنعون من دخول المطاعم  أو دور السينما المخصصة للبيض، بالإضافة إلى حصولهم على حق الانتخاب.

رغم كل تلك الإنجازات إلا أن مازال هناك أصوات تتدافع عن حقوقهم، مثلما تحدثت الطفلة الملهمة "نعومي وادلر"، فاالسود مازالوا يعانون من التمييز والاضطهاد، وإن لم يكن على نطاق واسع، إلا أن الأرقام ترصد ذلك؛ حيث يصل تعداد السود لإحصاء 2014 إلى 42 مليون نسمة أي ما يعادل 13 % من تعداد السكان في الولايات المتحدة، ويصل معدل الفقر داخل مجتمع السود إلى 24.7%، وتبلغ هذه النسبة 12.7% على المستوى القومي الأمريكي.

وتؤكد بيانات قطاع الصحة أن معدل عمر الأمريكي الأسود أقل من نظيره الأبيض بـ 6 سنوات، ويتجلى الظلم الاجتماعي من خلال نظام العدالة ونظام المحاكم؛ حيث يتعرض السود أكثر من غيرهم لتتبع الشرطة في الأماكن العامة، كما أن احتمال الحكم عليهم بالإعدام يبلغ أربعة أضعاف احتمال الحكم على البيض في الجرائم المشابهة.

بينما تصل نسبة السود بالسجون الأمريكية إلى 43% رغم أن نسبتهم للسكان بلغت فقط 13%، ويسجن من الرجال السود مرة واحدة على الأقل في حياتهم. ولا تزال نسب الزواج المختلط نادرة بين السود والبيض وتبلغ فقط 0.06، إضافة إلى حوادث المتكررة.

رغم كل ما يمكن أن نراه تحقق من مساواة في الولايات المتحدة، إلا أن الأرقام مازالت تقول إن الولايات المتحدة مازالت تحتاج إلى مناضلين على درب الحرية والمساواة، ومن الواضح أن نعومي وادلر وضعت أقدامها على الطريق، وربما ستخلد مثلما عاش مارتن لوثر كينج وغاندي ومانديلا وغيرهم في وجدان البشرية.

تم نسخ الرابط