الهند وإسرائيل.. القدس خارج حسابات المصالح
كتب - مصطفى سيف
اللعب على كل الحبال، وفي كل الاتجاهات؛ هذا هو مبدأ الكيان الصهيوني في التفاعل مع الدول الأخرى، والنظر إلى نقطة الضعف، ومحاولة سد العجز فيها، بدا الأمر وكأنه عناق بين أصدقاء لم يلتقيا منذ فترة طويلة، والأمر كذلك بالفعل، لا جدال عليه، فإسرائيل والهند حلفاء منذ ما يقرب من 25 عامًا.
بمجرد هبوط طائرة "نتنياهو" في أرض مطار نيودلهي والابتسامة لا تفارق "وجه" ناريندرا مودي، رئيس الوزراء الهندي، وبدا واضحًا من التحرك السريع نحوه بمجرد أن وطأت قدماه أرض المطار.
"عناق حار" بين رؤساء الوزراء، كان هذا تعليق صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي صارت بعد قضايا فساد "بيبي" الأقرب إليه، وفي الفيديو يلوّح نتنياهو بيديه "مرحبًا" ناظرًا إلى نظيره الهندي مبتسمًا، وظهر ذلك جليًّا في تعليق "نتنياهو" الذي قال فيه: "سألتقي في الهند صديقي ناريندرا مودي".
"بعد 15 عامًا، وهي الثانية"؛ تعليق صحيفة "الهند تايمز" على زيارة "نتنياهو" التي تستمر ستة أيام، معلنًا نتنياهو من خلال مكتبه أنَّ الزيارة ستتيح فرصة أكبر لتعزيز التعاون الثنائي بين الهند والكيان الصهيوني في كل المجالات ما بين قوة اقتصادية وأمن وتكنولوجية وسياحية عالمية.
آخر زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي كانت قبل 15 عامًا قام بها الصهيوني السابق؛ أرييل شارون، الذي زار الهند في 2003؛ وقال "نتنياهو" في بيان "سنلتقي برئيس الوزراء الهندي صديقي نارنيدرا مودي والرئيس الهندي ومع العديد من القادة الآخرين".
ويظهر حجم التعاون الاقتصادي بين الكيان الصهيوني والهند ذلك الوفد الاقتصادي من رجال الأعمال الذي تشكل من 130 رجل أعمال مصري من 102 شركة إسرائيلية متخصصة في مجالات مثل الزراعة والمياه والأمن الإلكتروني والرعاية الصحية والأمن خلال رحلته.
مسئول إسرائيلي كبيرأعلن أنَّ تل أبيب تستثمر 6.68 مليون دولار لتعزيز التعاون مع الهند في مجالات مثل السياحة والتكنولوجيا والزراعة والابتكار على مدى أربع سنوات، علاوة على الالتزام بتطوير صندوق البحث والتطوير الصناعي والابتكار التكنولوجي بين الهند وإسرائيل بقيمة 40 مليون دولار على مدى خمس سنوات.
وبعيدًا عن الأكلشيهات في التعاون الثنائي بين البلدين؛ فإن مركزًا يهوديًّا استُهدف في 2008، الأمر الذي أكَّد نتنياهو على أنَّه سيجري زيارة لهذا المركز، في البلد الذي يُقدّر عدد اليهود فيه بأربعة آلاف وخمسمائة يهودي، ويلتقي صبيًّا (11) تُوفي أبواه في هذا الاستهداف.
جوناثان سليمان، رئيس الاتحاد اليهودي الهندي، قال إنَّ الزيارات المتبادلة والعلاقات الحميمة بين الهند وإسرائيل "ذات أهمية قصوى" لليهود في الهند، مشيرًا إلى أنَّه كلما اقترب التعاون كلما اقترب المجتمع اليهودي في الهند لإسرائيل".
عدد اليهود في أربعينيات القرن العشرين أي قبل إقامة دولة إسرائيل، بحسب أرقامٍ رسمية، بلغ ذروته حيث وصل إلى 20 ألف يهوديّ، ولكن مع إعلان إقامة إسرائيل، تضاءلت الأرقام بسرعة حتى وصلت لـ4500 بحسب آخر إحصاء لليهود في الهند.
البعض من الهنود استغل زيارة "نتنياهو" للتأكيد على أنَّهم موجودون، حتى نشرت بعض الصحف الأجنبية سعادتهم وفخرهم بزيارة نتنياهو فقال أحدهم: "نأمل في أن تساعد زيارة نتنياهو في زيادة الوعي بين الهنود حول العقيدة اليهودية؛ فالكثيرون هنا لا يعرفون الجالية اليهودية ولا يعرفون شيئًا عن عاداتنا ومهرجاناتنا".
أمَّا دانيال كارمون، سفير إسرائيل بالهند، قال في مقالة له إنَّ:" إسرائيل والهند يقفان حاليًّا في منعطف مثير، فوراءنا (على حد تعبير السفير) ما يقرب من 26 عامًا من الشراكة المتنامية بين الهند وإسرائيل، نابعة من علاقة عميقة بين شعبينا. وهو اتصال الذي اتخذ خطواته الأولى في العصور القديمة ونمت على قدم وساق في السنوات الأخيرة. قبلنا هو مستقبل مليء بإمكانيات لا نهاية لها لتشكيل عالم أفضل معًا".
يكشف "كارمون" خلال مقاله: "هناك ما يقرب من 35 مركزًا مشتركًا بين الهند وإسرائيل يعملون لصالح تطوير المشروع الزراعي في كلتا البلدين، ويشارك خبراء المياه الإسرائيليون، بعد التغلب على النقص الحاد في المياه بطرق ثورية ومبتكرة، بشكل نشط مع المسؤولين الهنود. وهم يفكرون معًا في تحديات المياه المعقدة التي تواجهها الهند".
"نتنياهو" على علم بكل الطوائف اليهودية في العالم، ويعرف كيفية التأثير عليهم، يرى البعض أنَّ اليهود الهنود "منسيون" إلا أنَّ رسالة من عضو يهودي ناشط في المجتمع الهندي عبَّر خلالها بـ"خيبة أمل" من عدم دعوة الطائفة للاجتماع بـ"نتنياهو"، أجبرت نتنياهو على تلبية مطالبهم، حيث سيلتقيهم في مركز "شابات" بمومباي الذي وقع فيه الاستهداف المشار إليه من قبل.
لم تخف الزيارة التي قام بها نتنياهو غضبه من "الهند" بسبب عدم دعم قرار ترامب بشأن القدس في الأمم المتحدة، إلا أنَّه أيضًا أكَّد على أنَّ القرار الهندي لن يجعله يفسد الزيارة التي كان "ينتظرها منذ وقتٍ طويل"، واصفًا "الهند" بـ"الدولة الآسيوية العملاقة".
لم يخفِ أيضًا "نتنياهو" عن أمله في أن تعيد "الهند" صفقة صواريخ سبايك الإسرائيلية المضادة للدبابات والتي تبلغ قيمتها 500 مليون دولار، ويشير البعض إلى أنَّ إلغاء الصفقة يريد منه "مودي" إنهاء تصدر الهند للائحة الدول المستوردة لمعدات الدفاع في العالم، حيث تبلغ صادرات إسرائيل العسكرية للهند مليار دولار سنويًّا.
على المستوى العسكري والتعاون الاستخباراتي فقد نشر موقع "إنديا توداي" تقريرًا يتساءل فيه عن إمكانية مساعدة الموساد في قمع الإرهاب عبر الحدود خاصة في جامو وكشمير الهنديتين، مشيرًا إلى أنَّ الاستخبارات الهندية (فرع البحث والتحليل والمعروف اختصارًا بـ"RAW") يجد صعوبة في التحقق من الجماعات الإرهابية عبر الحدود.
ويقول الموقع إنَّه "في ظل حكومة نارنيدرا مودي مع ضابط المخابرات، أجيت دوفال، كمستشار للأمن القومي، يزداد (راو) ثقة بالنفس"، مشيرًا إلى أنَّ التعاون مع الموساد حصل على دفعة كبيرة في فبراير 2014 عندما وقعَّت الهند وإسرائيل ثلاث اتفاقيات بما في ذلك واحدة للتعاون في الأمن الداخلي.
"نتنياهو" الذي يُتهم حاليًّا في قضايا فساد، وأوعز لنواب حزبه (الليكود) سنَّ قانون يحمي رئيس الوزراء من المساءلة في قضايا فساد، راح يفتخر بديمقراطية إسرائيل في الهند، واصفًا الدولتين بأنَّهما مثالًا حقيقيًّا للديمقراطية في العالم.
يبدو في الصور التي انتشرت عن لقاء "نتنياهو" و"مودي" أنَّ الأمر يتخطى حدود الصداقة إلى الدعم الكلي والشامل في كل المجالات، والذي تؤكد أيضًا أنَّ العلاقات بينهما لن تتأثر حتى بعد إلغاء الصفقة؛ فالفخر الذي تحتفي به الصحف الإسرائيلية والصحف الهندية والجالية اليهودية في الهند بزيارة "نتنياهو" يكشف إلى أين وصلت "العلاقة" بين إسرائيل والهند.
على عكس دراسة نشرها موقع مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي تقول إنَّ: "على الرغم من التطور السريع للعلاقات العسكريّة بين الهند وإسرائيل، واعتبار الهند المصْدر الأكبر لشراء الأسلحة والأجهزة العسكريّة من إسرائيل، فإنّه لا يمكن بأي حال من الأحوال، وصف هذه العلاقات بأنّها علاقات إستراتيجية من الدرجة الأولى، وخصوصًا لأن الهند تتطلع للاستقلال في مجال التصنيع العسكريّ، وتحقيق قدرات عسكرية ذاتية".
وكشفت الدراسة عن خشية من أسمته بصناع القرار في تل أبيب من ذهاب هذه العلاقات لأدراج الرياج، معللة ذلك بأنَّ الهند لن تتخلى عن علاقاتها التاريخيّة مع الدول العربيّة ودعم القضية الفلسطينيّة باعتبارها قادة دول عدم الانحياز وقائدة مسيرة التحرر في العالم من الاستعمار.



