الأربعاء 24 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

«ابن العماد» يكتب عن عجائب حيوانات النيل ورحلة استكشافية لمنابعه

«ابن العماد» يكتب
«ابن العماد» يكتب عن عجائب حيوانات النيل ورحلة استكشافية لمن
كتب - محمد نسيم

تراث مدفون (2) (نصوص عربية، ننفرد بنشرها)

...

احتفى العرب بالنيل احتفاء كبيرا، بعد فتحهم مصر. وورثوا عن المصريين هذا الاحتفاء الشديد القديم، بشريان الحياة الأساسي بالنسبة لهم.

المخطوط، الذي ننفرد بنشر هذه النصوص منه، هو لشهاب الدين أحمد بن عماد الأقفهسي، المشهور بابن العماد الشافعي، وهو أحد علماء الدين المصريين المعروفين، توفي عام (867 هـ).

بالصفحة الأولى من المخطوط، نقرأ ــ بخط الناسخ ــ العنوان ومجموعة أخرى من المعلومات، هكذا: (كتاب في ذكر بحر النيل وما يتعلق به. تأليف الإمام العالم العلامة (الرحلة) الفهامة شهاب الملة والدين أحمد بن العماد الشافعي، تغمده الله تعالى برحمته وأسكنه فسيح جنته، ونفعنا ببركته بمنه وكرمه، إنه على ذلك قدير، آمين).

وهو منسوخ بتاريخ (1109 هـ)، ومحفوظ بالمكتبة الأزهرية.. ويحتوي، كما هو ظاهر من عنوانه، على فضل نهر النيل، والكثير من الأخبار والحكايات والمعلومات المتاحة عن النهر وما يتعلق به من حيوان ونبات، ومدن وسكان، وغيرها من العاديات والعجائب.

وتأتي أهمية المخطوط من تقديمه لكثير من النصوص والأخبار غير المعروفة وغير المذكورة في غيره من الكتب التي وصلت إلينا، بالإضافة إلى تقديمه صورة عن الطريقة التي كان ينظر بها المسلمون في ذلك العصر إلى النيل وما يتعلق به من كائنات وموجودات.

والآن، نترك ابن العماد يتكلم.

...

يقول ابن العماد، في الصفحة (15) من المخطوط:

وفي نيل مصر أعاجيب كثيرة من أنواع الحيوان، منها التمساح ــ وهو السمسار (!!) ــ فلا يوجد إلا بنيل مصر، وهو يأكل، وبطنُه كالجِراب، ليس له مَخرج، بل يتغوّط مِنْ فِيه. ذكره ابن الجوزي، قال: فإذا أكل وبقي الطعام بين أسنانه تربّى فيه دود، فيأتي إلى البر فينام ويفتح فاه، فيأتي طائر فيدخل فاه ويلتقط ذلك الدود، فإذا أحسّ التمساح أن الدود قد فرغ أطبق فمه على الطائر ليأكله.

وجعل الله تعالى لذلك الطائر إبرتين من العَظْم في طرفي جناحيه، فإذا أطبق فمه عليه ضرب بهما في سقف حلقه، فيفتح فاه ليخرج الطائر.

قال المسعودي: وخلق الله تعالى دويبة بنيل مصر تعادي التمساح. تستخفي له في الرمل في موضع يرقد فيه ويفتح فاه لذلك الطائر، فإذا فتح فمه وَثَبَتْ ودخلت فمه، ثم دخلت إلى جوفه، فإذا دخلت جوفه اضطرب ونزل البحر، فتأكل تلك الدويبة أحشاءه وتخرق بطنه، وفي ذلك هلاكه.

وفي كتاب القزويني أن الذي يفعل ذلك بالتمساح هو كلب الماء.

وذكر المسعودي أن التمساح هو الورل، وكذا قال الحموي في كتابه (التمويه فيما يرد على التنبيه). وقال إن التمساح يبيض في البر ويدفن بيضه في الرمل، فإذا خرج فرخه فما نزل البحر منه كان تمساحًا، وما طلع البر واستمر فيه صار ورلًا. وإذا صح أن الورل فرخ التمساح اطرد فيه الوجهان في جواز أكل التمساح.

وتلك الحكاية ذُكر نظيرها عن أُمِّ طَبَق البحريَة، وهي اللَّجَأَة، المُسماة عند العامة بالتِّرسة. قال الملاحون إنها تبيض في البر وتغطي بيضها بالرمل وتنزل إلى البحر وتعد له أياما، وكذلك يعدها التمساح لبيضه، ثم تحفر عن البيض فيخرج الفرخ، فما تبعها ونزل البحر صار لَجَأَة، وما بقي في البر صار سلحفاة.

والسلحفاة أكلُها حرام، وكذلك الترسة. ونقل النووي تحريمها عن الأصحاب، في شرح المهذب، في كتاب الحج، لم يتعرض له الرافعي ولا أصحاب الروضة.

وكثير من الناس يأكلونها، وهو حرام. نعم، يجوز أكل بيضها كما يجوز أكل بيض التمساح وبيض الغراب والحدأة، على الصحيح في جميع ذلك، لأنه طاهر لا ضرر في أكله وليس بمُستقذَر. كذا جزم به القموري في الجواهر والنووي في شرح المهذب في باب البيع، بأنه علل جواز بيعه بأنه طاهر مُنتفَع به.

ومنها السمكة المعروفة بالرعَّادة. وهي بمسِّها تُخَدَّرُ الذراع، فإذا وقعت في شبكة الصياد ارتعدت يداه وعضداه، فيعلم بوقوعها فيبادر إلى تحصيلها، ولو أمسكها بخشبة أو قصبة فعلت كذلك.

قال المسعودي: وقد ذكرها جالينوس، وأنها إذا جُعلت على رأس من به صداع شديد أو شقيقة، وهي في حمأة، هدأ لساعة.

...

رحلة استكشافية إلى منابع النيل...

يقول ابن العماد، في مخطوطه:

وقال ابن زولاق، في تاريخه: ذُكر عن بعض خلفاء مصر أنه أمر قوما بالمسير إلى حيث يجري النيل، فساروا حتى انتهوا إلى جبل. قال: والماء ينزل من أعلاه له دويّ وهدير، لا يكاد يسمع أحدهم كلام صاحبه.

ثم إن أحدهم تسبَّب في الصعود إلى أعلى الجبل لينظر ما وراء ذلك، فلما وصل إلى أعلاه رقص وصفق وضحك، ثم مضى في الجبل ولم يعد، ولم يعلم أصحابه ما شأنه. ثم إن رجلا منهم صعد لينظر صاحبه ففعل مثل الأول.

فطلع ثالث، وقال لأصحابه: اربطوا في وسطي حبلا، فإذا أنا وصلت إلى ما وصلا إليه ثم فعلت كما فعلا فاجذبوني حتى لا أبرح من مكاني. ففعلوا ذلك.

فلما وصل لأعلى الجبل، فعل كفعلهما، فجذبوه إليهم. فقيل إنه خرس، فلم يردّ جوابًا ومات من ساعته. فرجع القوم، ولم يعلموا غير ذلك.

تم نسخ الرابط