الأربعاء 24 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

ورشة دولية بدار الإفتاء تكشف مخاطر توظيف النصوص الدينية لإشعال الحروب

بوابة روز اليوسف

ضمن أعمال الندوة الدولية الثانية التي تعقدها دار الإفتاء المصرية تحت عنوان «الفتوى وقضايا الواقع الإنساني»، نظَّم مركز الإمام الليث بن سعد لفقه التعايش ورشة عمل علمية بعنوان «التعايش السلمي في مواجهة توظيف النصوص لإشعال الحروب»، وذلك بمشاركة نخبة من القيادات الدينية والفكرية والأكاديمية وممثلي المؤسسات الدينية والإعلامية من داخل مصر وخارجها.

عُقدت الورشة برئاسة سماحة الشيخ موسى سعيدي، رئيس المجلس الأعلى الإسلامي بدولة زامبيا، وبمشاركة فضيلة الشيخ أحمد بسيوني، مدير مركز الإمام الليث بن سعد لفقه التعايش أمينًا للسر، وجاءت في إطار جهود دار الإفتاء المصرية لتعزيز الخطاب الديني الرشيد وترسيخ قيم التعايش والسلام.

 

وأكد الشيخ موسى سعيدي في افتتاح أعمال الورشة أن التعايش السلمي ليس شعارًا أخلاقيًا، بل ضرورة وجودية لاستقرار المجتمعات وحماية الأوطان، مشددًا على أن الخلل لا يكمن في النصوص الدينية ذاتها، وإنما في سوء توظيفها وانتزاعها من أطرها العلمية. وأشاد بدور دار الإفتاء المصرية في ترسيخ خطاب الاعتدال، داعيًا إلى تكاتف الجهود للخروج بحلول عملية قابلة للتطبيق.

 

من جانبه، أكد الأنبا إرميا، الأسقف العام ورئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، أن الأديان السماوية جاءت لحفظ الإنسان وتعمير الأرض، لا لتحويل النص إلى أداة قتل أو إقصاء، موضحًا أن الأزمة الحقيقية تكمن في القراءة الانتقائية التي تُغيب مقاصد حفظ النفس وتستدعي العنف باسم الدين، وأن رسالة الأديان موجهة إلى الإنسانية جمعاء بوصفها رسالة رحمة ومحبة.

 

وأشار الشيخ أحمد ترك، رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشيوخ، إلى أن القراءات المتشددة للنصوص استُخدمت تاريخيًا في خدمة مشاريع سياسية لا تخدم الدين، محذرًا من عزل الشباب عن المرجعيات الدينية الرصينة وتركهم فريسة للخطاب الإقصائي، خاصة عبر المنصات الرقمية.

 

وفي السياق ذاته، أوضح الدكتور رضا عبد الواحد أمين، عميد كلية الإعلام بجامعة الأزهر، أن الإعلام الرقمي ضاعف من خطورة الفكر المتطرف، وأتاح إعادة تشكيل وعي الشباب بسرعة غير مسبوقة، لافتًا إلى أن الخطاب الديني المعاصر يواجه انحرافين متناقضين هما التشدد والتمييع، وكلاهما يربك الوعي العام.

 

وأكد الدكتور سيمور نصيروف، رئيس الجالية الأذربيجانية في مصر، أن الإنسانية في مركب واحد، ولا يمكن مواجهة التحديات المشتركة إلا بالتكامل ونبذ الفرقة، مستعرضًا تجربة أذربيجان في إدارة التعدد القومي والديني، ومشددًا على أن التعايش يقوم على قرارات واعية تحمي الأمن المجتمعي.

 

كما شدد القس أمين مجدي، راعي الكنيسة الإنجيلية بمدينة السادس من أكتوبر، على أهمية إعادة ترتيب الأولويات في الخطاب الديني والتركيز على القيم الكبرى للسلام والمحبة بدلًا من الجدل في قضايا فرعية لا تخدم جوهر الرسالة الدينية.

 

واستعرض الدكتور عمرو الورداني، عضو الهيئة الاستشارية العليا وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أنماطًا متعددة من القراءات المنحرفة التي أتقنتها الجماعات المتطرفة، وفي مقدمتها قراءات المظلومية والكراهية والثأر وتقديس الرموز، مؤكدًا أن نزع القداسة عن الإنسان وتقديس الأشخاص طريق مباشر لإشعال الصدام.

 

وأشار الدكتور محمد عبد الواحد كامل، الباحث في الفقه وأصوله، إلى أن الناس بطبيعتهم ينفرون من التطرف، إلا أن ارتفاع صوت المتشددين أحدث تشويشًا عامًا، محذرًا من أن الأدلجة لا تجتمع مع العلم، وأن كل قراءة مؤدلجة للنص تهدم مقاصده.

 

بدوره، أكد عمرو فاروق، الصحفي المتخصص في شؤون الجماعات الدينية، أن التنظيمات المتطرفة لا تختفي بل تغيّر أدواتها، وأن أخطر حضور لها اليوم هو الحضور الرقمي، داعيًا إلى خطاب يخاطب الإنسان البسيط ويعزز الأمن الفكري ولا يكتفي بالطرح النخبوي.

 

وأوضح الدكتور مصطفى عبد الكريم، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الخلط بين فهم النص وتطبيقه يمثل سببًا رئيسيًا في إساءة استدعاء النماذج الدينية، مؤكدًا أن السيرة النبوية تقدم نماذج مرنة للتعايش، لكنها تحتاج إلى ضوابط علمية دقيقة في تنزيلها على الواقع.

 

وخلصت الورشة إلى أن التعايش السلمي أصل ديني وإنساني راسخ، وأن توظيف النصوص الدينية لإشعال الحروب انحراف خطير عن مقاصد الشرائع السماوية، مؤكدين أن المواجهة تتطلب جهدًا علميًا ومؤسسيًا متكاملًا، يقوم على تصحيح مناهج الفهم، وضبط الخطاب الديني، وتكامل أدوار المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية، والانتقال من التشخيص إلى الحلول العملية بما يعزز الاستقرار المجتمعي ويصون قدسية النصوص ويرسخ ثقافة السلام والتعايش.

 

تم نسخ الرابط