عاجل
الأربعاء 19 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
احتفال مئوية روزاليوسف
البنك الاهلي
صعيدى فى مدرسة الست روز

صعيدى فى مدرسة الست روز

لم أكن أتخيل يومًا أن أعمل فى المكان الذي خرجت منه أنوار التنوير فى مصر والعالم العربى.. مؤسسة روزاليوسف. تلك المجلة التي طالما سمعت اسمها يتردد ويثير الجدل، أصبحت فجأة جزءًا من عائلة روزا.



منذ أن سمعت اسمها للمرة الأولى وأنا طالب فى الجامعة، كان يثير بداخلى فضولا خاصا. كنت أرى «روزا» كقلعة من قلاع الصحافة المصرية التي تقف شامخة وسط العواصف. اسم له هيبة وحضور ووقع خاص على الأذن، تمامًا كمنارة لا تخطئها العين.

 

وراء هذا الاسم الكبير تقف السيدة التي صنعت الحكاية من أولها: فاطمة اليوسف، أو «الست» كما يناديها أبناء المؤسسة. تلك السيدة التي اختارت أن تترك أضواء المسرح لتشعل ضوءا أكبر وأعمق فى سماء الصحافة. لم تؤسس مجلة عادية، بل منبرا حرا لا يشبه إلا نفسه؛ مساحة للفكر المستقل، وللسياسة التي لا تعرف الانحناء، وللفن الذي لا يساوم. ومن بعدها جاءت كل الأسماء التي حفرت فى ذاكرة الوطن معنى الصحافة الحرة النزيهة، أسماء صنعت تاريخا لا يمكن فصله عن تاريخ مصر نفسها.. أما أنا فشاب صعيدى بسيط، خرج من قريته محملا بأحلام كثيرة وبقلب مفتوح للحياة. تخرجت فى جامعتى وعدت من خدمتى العسكرية، لا أحمل سوى أمل صادق فى أن أجد لنفسى طريقا.  لم أكن أعلم أن القدر يخبئ لى مكالمة واحدة قادرة على تغيير مجرى حياتى بالكامل؛ مكالمة من أحد الأصدقاء يرشحنى للعمل مخرجا فنيًا فى روزاليوسف. فى تلك اللحظة، لم أكن أستوعب أننى على وشك أن أخطو أولى خطواتى فى مدرسة حقيقية من مدارس الصحافة.. دخلت المبنى فى أول يوم وأنا أحمل رهبة المكان وتاريخه؛ كل ركن فيه يحكى قصة، وكل صورة على الجدار تهمس بأسماء كبيرة. لكننى خرجت فى آخر اليوم بشعور مختلف تماما.. كأننى ولدت من جديد فى بيت يعرف أهله معنى الانتماء.

 

فى «روزا» لا أحد يعمل بمفرده، الكل خلية واحدة، لوحة متكاملة يرسمها العشرات يوميا بحب وإصرار. هنا تعلمت أن الإخراج الصحفى ليس مجرد تنسيق كلمات أو تزيين صفحات، بل فن وفكر ورؤية. هو القدرة على تحويل الفكرة إلى شكل بصرى يلمس القارئ قبل أن يقرأ السطور.. ومع مرور الأيام، أدركت أن هذه المهنة ليست مجرد وظيفة، بل شغف حقيقى ومسؤولية ثقيلة تجاه القارئ والمجتمع والتاريخ. كل عدد جديد هو درس مختلف، وكل أستاذ أو زميل هو معلم من نوع خاص، يفتح لك نافذة جديدة على عالم أوسع.

 

السنوات التي قضيتها هنا لا تقاس بالأيام أو الشهور، بل تقاس بالتحولات التي صنعتها داخلي. من شاب خجول قادم من الصعيد، إلى مخرج صحفى يفخر بأنه جزء من هذه المدرسة العريقة. 

 

اليوم، وأنا أكتب هذه السطور، أستعيد أول خطوة لى فى رواق المجلة، وأبتسم.. كم تغيرت، وكم علمتنى هذه المؤسسة التي أصبحت جزءا من روحى قبل أن تكون مكان عملي.. شكرًا لكل من رافقنى فى هذه الرحلة؛ لكل من ساعد وعلم وألهم. وشكرا لصاحبة الجلالة روزاليوسف.. التي لم تكن يوما مجرد مجلة، بل بيت كبير ومدرسة لا تغلق أبوابها، مصدر إلهام لصعيدى جاء تلميذًا، فصار ابنًا من أبناء «مدرسة الست».

 

نقلاً عن مجلة روزاليوسف (العدد المئوي)

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز