ألفت سعد
حتى نظل دائما أصحاب الحضارة
الجوانب المشرقة فى المجتمع المصري كثيرة، تكونت وترسخت على مدار آلاف السنين وحضارات عظيمة أسست ودعمت المثل العليا «الخلق الحميد، الإيمان والتوحيد».. ورغم توالى الغزاة والمحتلين لقرون طويلة، ظلت السمات الطيبة للمصريين قائمة.. وإن كنا نحتفل اليوم بإنجازات مصر القديمة والحديثة، فلا يجب أن ينسينا ذلك الخلل الذي أصاب بعض جنبات المجتمع، وظهر فى صورة جرائم قتل غير عادية، وتفسخ العلاقات الأسرية بشكل لم نعهده من قبل.
جرائم القتل موجودة منذ قيام البشرية، ولم يخلُ زمان أو مكان على الكرة الأرضية من وقوع جرائم القتل، لكن المشكلة ومع التطور التكنولوجى أصبحت جرائم القتل على الهواء مباشرة، أصبحت متاحة لكل الفئات العمرية وتأثر الناس بما يشاهدونه على الإنترنت من أفلام قتل سادية ومواقع الدارك ويب التي تستدرج الصبية والشباب، حتى أصبحت رؤية مشاهد الذبح والدماء شيئًا عاديًا لا يخيف أحدًا خاصة الشباب.
لأول مرة نتعرف على جرائم قتل فى المجتمعات الغربية ما تسمى القتل المتسلسل يرتكبها شخصيات غير أسوياء فيما يعرف بالقتل للقتل، وكانت بعيدة كل البعد عن المجتمع المصري، فكان أشهر وأقسى ما حدث من جرائم تمت لأسباب منطقية، أشهرها جرائم خُط الصعيد التي بدأت بالثأر وتحولت إلى السرقة والخطف والقتل، وسفاح الإسكندرية محمود سليمان التي تحولت قصته إلى رواية وفيلم للكاتب نجيب محفوظ بعنوان اللص والكلاب، وكان القتل بسبب خيانة الزوجة والصديق.
لكن مع تغير بعض السمات المجتمعية وغزو العادات والمظاهر الغريبة، بالإضافة إلى التكنولوجيا السوداء والمخدرات التخليقية مجتمعة، نقلت إلى المجتمع المصري جرائم مخيفة وغريبة، وقعت بدون أى هدف عقلانى، مثل جرائم سفاح الجيزة وسفاح التجمع، ثم جريمة الإسماعيلية التي قام خلالها شاب متعاطى مخدر الآيس بذبح رجل مسن وفصل رأسه عن جسده، والكارثة الجديدة انتشار جرائم ارتكبها أطفال حدث أعمارهم لا تتعدى الرابعة عشر مثل جريمة بورسعيد التي قتلت خلالها فتاة والدتها بإيعاز ومساعدة صبى صغير، وآخرها طفل الإسماعيلية الذي قام بقتل وتقطيع زميله تقليدًا لمسلسل أجنبى.
هذا العرض الصعب يقودنا إلى التساؤل: هل تلك الجرائم لم تحرك المؤسسات المسؤولة، سواء التربوية أو الاجتماعية أو الأمنية؟!.. فى العقود السابقة القريبة، لو حدثت أى جريمة غريبة كانت تلك المؤسسات تنتفض لدراسة وتحليل الخلفيات والأسباب والحلول.. أذكر أننى تعاملت فى بداية عملى مع المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية فى بعض التحقيقات الاجتماعية، وكان هذا المركز يضم خيرة الباحثين وكان لهم صوت مسموع عند دق ناقوس الخطر لتفشى أى ظاهرة سلبية قد تؤثر على تماسك البناء المجتمعى أو قد تؤدى إلى تصدعه، وكانت توصيات المركز القومى تصل إلى صناع القرار وعادة كان يؤخذ بها.. أما الآن فلا نجد أى تواجد أو تأثير لتلك المؤسسة المهمة التي كانت تقيم مؤتمرات وندوات يأخذ بها المسؤول والمجتمع.
الخطر يكمن فى انهيار العلاقات الأسرية خاصة فى الطبقات غير المتعلمة، والتي ينجم عنها جرائم غريبة عن مجتمعنا، وهنا تبرز مسؤولية الهيكل التربوى والتعليمى فى مصر الذي أتمنى أن يأخذ الاهتمام الأكبر من الدولة لأنه عماد المجتمع السوى المتقدم.. وحتى نظل دائما أصحاب الحضارة الرفيعة فى كل سمات المجتمع.
نقلاً عن مجلة روزاليوسف
















