الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

فى خضم التنازع الدولى والإقليمى تحولت سوريا إلى نموذج لـ «الدولة الموزعة» ،حيث يتشابك التاريخ والجغرافيا والنفوذ لتشكيل ملامح مرحلة جديدة، إن ما يجرى على الأرض من تفكك داخلى وتوزيع نفوذ خارجى يعيد إنتاج نفس الخريطة التي تحدث عنها مخطط برنارد لويس لكن عبر مسار بطيء وتدريجى تفرضه الوقائع الميدانية والأچندات الدولية المتناقضة.

التحولات الداخلية 

بدأت مسيرة الرئيس السورى الحالى. أحمد الشرع، «أبو محمد الجولانى»، داخل تنظيم القاعدة ،لكنه تحول عقائديًا لاعتناق فكر داعش الأكثر دموية ثم انتقل عبر جبهة النصرة إلى مرحلة أكثر براغماتية بإنشاء هيئة تحرير الشام هذا التحول يأتى متناغمًا مع إعادة هيكلة الفصائل المسلحة فى الشمال حيث يُعاد تسويقه كـ أحمد الشرع صاحب مشروع حكم محلى. وهذا الدور الجديد يُشير إلى تكيف وظيفى يتقاطع مع مصالح القوى الخارجية (خاصة التركية والأمريكية) لترسيخ مكانته كشخصية محلية تخدم توازن نفوذ إقليمى أكبر فى الشمال.

 

خريطة النفوذ الدولى 

 

أصبحت سوريا اليوم ساحة لتقاطع خمس قوى رئيسية لكل منها منطقة سيطرة ومصالح واضحة مما أدى إلى ترسيم حدود أشبه بـ دويلات الأمر الواقع : 

 

1 –  النفوذ الإسرائيلى: 

الإحكام على الجنوب والتقارب مع الدروز فيمتد النفوذ الإسرائيلى فى الجنوب (الجولان والسويداء ومناطق الدروز)، إن حرية تجول القادة الإسرائيليين فى الجولان وجبل الشيخ تؤكد على ترسيخ كامل للسيادة الإسرائيلية بينما يتم استغلال الفراغ الأمنى فى السويداء لإدارة نفوذ غير مباشر وتشغيل خطوط عازلة هذا التمدد يهدف إلى عزل النفوذ الإيرانى ويشير إلى أن ضم هذه المناطق بشكل كامل (أو فرض سيادة مُحكمة عليها) هو مسألة وقت أو ترتيب إقليمى، خاصة مع استغلال علاقاتها التاريخية مع المكون الدرزى.

 

2 – النفوذ الإيرانى ومحور المقاومة - الممر البرى الاستراتيجى:

 يمتد النفوذ الإيرانى من دمشق وصولاً إلى دير الزور والبوكمال مُشكلاً «الممر البرى» الذي يربط طهران ببغداد وبيروت هذا الممر لا يمثل مجرد طريق لوجيستى بل هو تثبيت للهيمنة الإقليمية لـ «محور المقاومة» ويُعد هدفاً رئيسياً للضربات الإسرائيلية والقيود الأمريكية مما يجعل مناطق النفوذ الإيرانية نقطة الغليان الأكثر نشاطاً فى الصراع.

 

3 – النفوذ الأمريكى والتركى والروسى: 

 

النفوذ الأمريكى: يتركز فى الشرق والشمال الشرقى (مناطق النفط) لدعم القوات الكردية وتقييد النفوذ الإيرانى.

النفوذ الروسى: يدير الساحل السورى (حميميم وطرطوس) للحفاظ على الدولة المركزية كشريك استراتيجى وبوابة للبحر المتوسط.

النفوذ التركى: يسيطر على مناطق واسعة فى الشمال عبر فصائل موالية لتأمين الشريط الحدودى ومنع تمدد القوى الكردية.

 

سيناريوهات المستقبل - بين التفكك والهندسة الخارجية

المشهد السورى يتجه نحو واحد من ثلاثة مسارات رئيسية:

 

-1 سيناريو التقسيم البطيء (الأكثر ترجيحاً): استمرار توزع النفوذ الدولى مع ضعف الدولة المركزية بما يؤدى إلى نشوء كيانات الأمر الواقع فى تطابق شبه كامل مع خطوط مخطط برنارد لويس.

-2 سيناريو الصراع الداخلى والفوضى: انفجار وتنافس دموى بين التنظيمات المسلحة والقوى المحلية الأخرى (النموذج الأفغانى).

-3 سيناريو إعادة هندسة السلطة: تدخل القوى الكبرى لإعادة تشكيل بنية الحكم وفق توازنات دولية مع بروز دور شخصيات محلية مجهزة (كالجولانى أو غيره) لملء الفراغ السياسى فى مرحلة انتقالية تدار بالكامل من الخارج.

 

أخيراً 

يتجه مستقبل سوريا نحو إعادة رسم شاملة لمشهدها السياسى والأمنى فمع توزع النفوذ الإسرائيلى، الإيرانى، الأمريكى، الروسى والتركى، وتغير أدوار الفصائل الداخلية يبدو أن الصراع الدولى طويل الأمد سيُحدد شكل الكيان السورى المستقبلى إن بقى موحداً لعقود قادمة ومرسخاً فكرة «الدولة الموزعة» بدلاً من «الدولة المركزية».

 

خبير مقاومة الإرهاب الدولى وحرب المعلومات

 

 

نقلاً عن مجلة روزاليوسف

 

تم نسخ الرابط