
سياسات ترامب تمنح بورصة لندن للمعادن تفوقًا غير متوقع على منافستها الأمريكية

أ.ش.أ
حصلت بورصة لندن للمعادن على ميزة غير متوقعة أمام نظيرتها في نيويورك بفضل السياسات التجارية المتقلبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي أحدثت اضطرابات واسعة في أسعار النحاس، وتسببت في تحولات ملحوظة داخل أسواق المعادن العالمية.
وأدت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على واردات النحاس، والتي تم تعليقها وإعادة تفعيلها عدة مرات، إلى تقلبات حادة في الأسعار بعقود التداول في بورصة "كومكس" التابعة لمجموعة "سي إم إي" في نيويورك، بحسب محللين أكدوا أن تلك العقود تشمل أي رسوم أو ضرائب مفروضة داخل الولايات المتحدة، ما يجعل أسعارها عرضة لتغيرات السياسة التجارية.
في المقابل، تعتمد بورصة لندن للمعادن، وهي أكبر بورصة عالمية للمعادن الأساسية، على التعامل في النحاس المخزن في مستودعات معفاة من الرسوم الجمركية حول العالم، قبل استحقاق الضرائب، لتقديم ما وصفه الرئيس التنفيذي ماثيو تشامبرلين بأنه "سعر عالمي نقي" خالٍ من تقلبات التعريفات الجمركية.
تسبب ذلك إلى تحول كبير في النشاط التجاري نحو لندن، حيث سجلت أحجام التداول في عقود المعادن الأساسية ارتفاعا ملحوظا هذا العام، بعد ثلاث سنوات من محاولات البورصة التعافي من أزمة النيكل في عام 2022.
وارتفع متوسط أحجام التداول اليومية لعقود النحاس الآجلة بنسبة 4% منذ بداية العام مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، بحسب ما نقلته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
في المقابل، تراجعت أحجام تداول النحاس في بورصة "كومكس" بنسبة 34% خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري مقارنة بالعام الماضي، نتيجة الارتباك المرتبط بالرسوم الجمركية، وكان المتعاملون قد توقعوا في البداية أن تشمل الرسوم النحاس المكرر، لكن القرار الصادر في أواخر يوليو استثناه من الرسوم، وفاجأ الأسواق مجددا بفرضها على المنتجات شبه المصنعة مثل الأنابيب والأسلاك النحاسية ومشتقاتها كالوصلات والكابلات.
وقال تشامبرلين إن قدرة بورصة لندن على تقديم أسعار غير متأثرة بالرسوم "أثبتت نجاحها"، موضحا أن البورصة "تحاول من خلال هيكل العقود حماية السعر العالمي من التقلبات الفنية الناجمة عن سياسات التعريفات في أي دولة بعينها".
وأكد مارك بيلي، الرئيس التنفيذي لشركة "سكدن فاينانشال" للوساطة في المعادن، أن الاضطرابات التي أحدثتها الرسوم في بورصة نيويورك دفعت بعض عملائه إلى التوقف عن التداول هناك، مضيفا: أن "بورصة لندن تستفيد بوضوح لأنها معفاة بطبيعتها من التعريفات الجمركية".
وتزايدت المنافسة بين البورصتين في السنوات الأخيرة، إذ تسعى كل من بورصة لندن ومجموعة "سي إم إي" إلى الاستفادة من الطلب المتنامي على المعادن الأساسية والمعادن المستخدمة في البطاريات، مثل النحاس والليثيوم والكوبالت.
وحظي سوق النحاس باهتمام خاص هذا العام بعد سلسلة من الحوادث في مناجم رئيسية أدت إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية اقتربت من 11 ألف دولار للطن في الأسابيع الأخيرة، وقال جاي وولف، رئيس قسم تحليلات السوق في شركة "ماركس" للوساطة في السلع، إن "بورصة لندن كانت تشعر سابقا بأنها مهددة من قبل بورصة كومكس، لكن هذا الحديث أصبح من الماضي الآن".
وكانت بورصة لندن قد تعرضت لهزة قوية في عام 2022 حين ألغت 8 ساعات من تداولات النيكل خلال حالة من الذعر في السوق، ما أدى إلى سلسلة من الدعاوى القانونية ضدها، بينما حاولت منافستها الأمريكية استغلال الموقف بإطلاق عقود جديدة تشمل معادن البطاريات مثل الليثيوم والكوبالت، لكن خلال العام الحالي، ومع اضطراب الأسواق بسبب سياسات ترامب غير المستقرة، استفادت بورصة لندن من نظام المستودعات المعفاة من الرسوم الجمركية.
ويُعتبر المعدن المخزن في مستودعات بورصة لندن، بما في ذلك تلك الموجودة في الولايات المتحدة، خاضعا لنظام "المناطق الحرة"، حيث يُخزن على أساس "غير مدفوع الرسوم"، أما في بورصة كومكس، فإن النحاس يُخزن على أساس "مدفوع الرسوم"، أي أن الضرائب تُدفع قبل دخول المعدن إلى المستودعات.
نتيجة لذلك، اندفع المتعاملون هذا العام لاستيراد النحاس إلى مستودعات "كومكس" قبل بدء تطبيق الرسوم المتوقعة، ما أدى إلى ارتفاع الطلب المفاجئ وزيادة الفارق السعري الذي يدفعه المشترون في بورصة نيويورك مقارنة بسعر بورصة لندن إلى مستوى قياسي بلغ نحو 3 آلاف دولار للطن.
ووفقا لتحليل أجرته شركة "ماركس"، شهدت بورصة كومكس في مناسبتين ارتفاعا كبيرا في سعر النحاس خلال دقائق معدودة مع محاولة المتعاملين التنبؤ بمسار الرسوم الجديدة، ثم تراجعت الأسعار بقوة عندما لم تُفرض الرسوم على النحاس المكرر كما كان متوقعا.
واعترفت مجموعة "سي إم إي" بأن "التقلبات الحادة في الفارق السعري عبر الأطلسي" أثرت على التداول، لكنها أكدت أن "أسواق المعادن التابعة لها ما زالت تدعم العملاء في ظل حالة عدم اليقين المتزايدة".
ومع ذلك، أوضح وولف أن الفارق السعري الإيجابي لصالح النحاس في بورصة كومكس لا يزال قائما في العقود الآجلة، ما يشير إلى أن المتعاملين ما زالوا يحتسبون احتمال توسع الرسوم لتشمل النحاس المكرر، قائلا: "الخطر لم يختف بعد، فالوضع لا يزال غير آمن ما لم نعرف ما سيحدث.. لا أحد يستطيع التعامل مع هذا المستوى من المخاطر غير المتوقعة".