عيسى جاد الكريم
مصانع الشعب بالعين السخنة من التعطيل إلى التصدير
منذ يومين كنت في زيارة مهمة بصحراء العين السخنة التي تنبض بأصوات الآلات وتزخر عنابر مصانعها بالعمال الذين يعملون بجد في صمت في مجالات الصناعة كافة.
في طريقنا من القاهرة للعين السخنة شاهدنا العمل الدؤوب الذي يجرى في إنهاء مشروع القطار الكهربائي، والذي أرى أنه المشروع الاقتصادي الأهم لمصر خلال العشر سنوات الأخيرة بعد قناة السويس، لأنه سيكون بمثابة قناة سويس جديدة ينقل إنتاج المصانع المصرية لأوروبا وشمال أفريقيا، الشيء الذي يجذب المستثمرين لإنشاء مصانع لهم بالعين السخنة وأكتوبر.
بعد وصولنا بصحبة زملائي الصحفيين تجولنا مع وزير قطاع الأعمال العام النشيط المهندس محمد شيمي في أحد المصانع الهامة (مصنع بلوكات الانود الكربونية)، الذي يتم تصدير إنتاجه المستخدم في صناعة الألمونيوم وبعض مصانع الحديد بالكامل للخارج لنقف على ما تم من تطوير في المصنع بعد توقف.
المصنع الذي كان مهددًا قبل عامين بالبيع والتصفية نتيجة تعمد تعطيله من قبل الشركاء؛ جاء وزير قطاع الأعمال ليقرر إنقاذه من التصفية، وقرر عدم بيع المصنع، وتغيير الإدارة، ليكون للوزارة وممثلي الشركة القابضة لصناعات المعدنية- الذراع القوية للدولة في الصناعات الثقيلة والمعدنية- الكلمة العليا في استمرار عمل المصنع، لتعود عجلة الإنتاج للدوران بالمصنع، الذي تم التعاقد في المرحلة الأولى على تصدير إنتاجه بمبلغ 15 مليون دولار لإحدى شركات البترول العالمية، تصل بعد ذلك لـ30 مليون دولار.
الوزير- في أعقاب الزيارة- صرح تصريحًا أثلج صدري كمصري قبل أن أكون صحفيًا اقتصاديًا، أنه لا بيع لمصانع الدولة ولكن سيتم تطويرها لتحقيق أفضل استفادة طالما أنها قادرة على الإنتاج وتوفير فرص العمل.
تصريحات الوزير الشجاعة تؤكد أن السياسة الحالية للدولة ترتكز على تطوير المصانع المملوكة للدولة وليس بيعها، وذلك انطلاقًا من إدراك أن هذه المصانع ثروة قومية مملوكة للشعب.
كما أن هذه التصريحات تأتي تماشيًا مع التوجيهات الرئاسية بمواصلة العمل على تطوير الشركات التابعة لقطاع الأعمال العام، وتحسين أدائها وأسلوب العمل والإدارة بها، وتعظيم عوائد الأصول من خلال تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص ومواكبة التطور التكنولوجي.
فلسفة التطوير: الشراكة والحوكمة والاستدامة
تقوم الرؤية التطويرية لوزارة قطاع الأعمال العام على عدة ركائز أساسية، تهدف في مجملها إلى إحياء وإعادة تأهيل هذه الأصول الصناعية التاريخية، ومنها الشراكة مع القطاع الخاص.. فالوزير المهندس محمد شيمي الذي جاء قبل عام وثلاثة شهور تقريبًا على رأس الوزارة من قطاع البترول يؤكد دومًا أن القطاع الخاص شريك استراتيجي في التنمية المستدامة، وأن الوزارة في مسار تطوير المصانع تقوم بالتعاون مع شركات رائدة من كوريا والصين وتركيا وغيرها لإدارة وتشغيل الطاقة القصوى للمصانع، مستفيدًا من خبرات هذه الشركات في الإدارة الخاضعة لحوكمة رشيدة.
فتطبيق مبادئ الحوكمة والمراقبة الداخلية والالتزام ببرامج الصيانة المحددة للحفاظ على الحالة الفنية لخطوط الإنتاج وإطالة العمر الافتراضي لها وإدخال أحدث التكنولوجيات العالمية من خلال التعاون مع الشركاء، يضمن زيادة الطاقة الإنتاجية ورفع جودة المنتجات لفتح آفاق جديدة للتصدير للأسواق العالمية.
والفترة الماضية شهدت عدة مصانع تابعة لقطاع الأعمال العام طفرة حقيقية في الأداء والإنتاجية بعد عمليات التطوير، ومن أبرز هذه النماذج التي تؤكد نهج الحكومة متمثلة في وزير قطاع الأعمال العام، شركة مصر المحلة للغزل والنسيج، التي تُعد نموذجًا حيًا على نجاح سياسية التطوير، حيث قفزت كميات الإنتاج من 117 طنًا في عام 2022/2023 إلى 6288 طنًا في عام 2024/2025، وهو مؤشر واضح على تعافي أحد أهم قطاعات الصناعة الوطنية.
الشركة المصرية للسبائك الحديد حيث تمتلك هذه الشركة خبرات وأصولًا ضخمة، وتقوم بتصدير منتجاتها إلى دول عديدة مثل ألمانيا والمملكة العربية السعودية وليبيا والمملكة المتحدة، حيث بلغت قيمة صادراتها 1.7 مليار جنيه في عام 2023.
شركة النصر للتعدين، وهي من الشركات التي كانت مهملة لسنوات، لكنها مؤخرًا حققت أرباحًا بلغت 2.3 مليار جنيه في العام الماضي، وقيمة صادرات بحوالي 2 مليار جنيه، ما يجعلها واحدة من الشركات الواعدة في مجال الصناعة والتعدين.
شركة مصر للألومنيوم تعتبر من الشركات المتميزة في مجال إنتاج وتصنيع الألومنيوم، وتمتلك قلعة صناعية ضخمة بمدينة نجع حمادي، حيث تمتلك 6 خطوط إنتاج، وتعمل على توفير احتياجات السوق المحلي وتصدير الفائض بالدولار، مستفيدة من قياداتها الشابة التي فضلت العمل في قيادة المصنع على العمل في الخارج.
وزارة قطاع الأعمال العام لديها 7 شركات قابضة رئيسية تغطي قطاعات صناعية حيوية هي: الشركة القابضة للصناعات المعدنية، القابضة للصناعات الكيماوية، القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس، القابضة للأدوية والكيماويات والمستلزمات الطبية، القابضة للسياحة والفنادق، القابضة للتشييد والتعمير.
وفي الآونة الاخيرة بلغت أرباح 12 شركة تابعة لقطاع الأعمال العام جاهزة للطرح في البورصة حوالي 12.4 مليار جنيه طبقا لميزانية عام 2023، وتمتلك هذه الشركات أصولًا ضخمة وحققت أداءً ماليًا مبهرًا.
فعلى سبيل المثال شركة النصر للتعدين حققت أرباحًا قدرها 2.3 مليار جنيه، بصادرات 2 مليار جنيه الشركة المصرية للسبائك الحديد، والصناعات المعدنية حققت صادرات 1.7 مليار جنيه.
شركة مصر للتأمين حققت صافي ربح 3.5 مليار جنيه، بالإضافة لحقوق المساهمين التي بلغت 42 مليار جنيه.
شركة دمياط لتداول الحاويات الخدمات اللوجستية حققت صافي أرباح 1.632 مليار جنيه، بنمو بالإيرادات بلغ 85.7%.
شركة بورسعيد لتداول الحاويات الخدمات اللوجستية حققت صافي أرباح 1.566 مليار جنيه.
شركة مصر لتأمينات الحياة التأمين حققت صافي أرباح 1.846 مليار جنيه.
وأخيرًا شركة سيناء للمنجنيز التعدين تمتلك إمكانيات كبيرة وجارٍ تحديث مصنعها.
وهذه الشركات سيتم طرح جزء كبير منها في البورصة تأكيدًا لقوتها وتعظيمًا لضخ مزيد من الاستثمار بها.
كل ما سبق يؤكد أن استراتيجية التطوير وليس البيع التي تنتهجها وزارة قطاع الأعمال العام تؤتي ثمارها بالفعل، حيث تحول العديد من الشركات من خسارة إلى ربحية، وزادت إنتاجيتها، وعززت من وجودها في الأسواق التصديرية.
إن الإدارة الرشيدة لهذه الأصول مع فتح الباب للشراكة مع القطاع الخاص تحت مظلة الحوكمة، يضمن الحفاظ على ملكية الشعب لهذه المصانع مع تحقيق أقصى استفادة ممكنة من طاقاتها الكامنة، ما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد القومي ككل ويحقق رؤية الدولة للتنمية المستدامة.
















