عاجل
الأربعاء 1 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
«نيرون» يحرق المنطقة

«نيرون» يحرق المنطقة

كيف يدفع «نتنياهو» الإقليم إلى فوضى شاملة باحتلال غزة؟  



لست بصدد سرد رواية من التاريخ، إنما أتوقف مع «عظة» يقدمها التاريخ منذ مئات السنين للحاضر، صحيح أننا لسنا أمام نفس الزمان والمكان وحتى الشخصيات، لكن لنا فى تاريخ السابقين عِبرة، فقد يعيدنا رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو وجرائمه فى المنطقة، إلى سيرة «نيرون» الإمبراطور الرومانى الذي أحرق بلاده، قبل مئات السنين.

 

هكذا يمكن النظر إلى نتنياهو اليوم، وحساباته البعيدة عن المنطق، فهو يتحدث عن وهم تخوضه بلاده حاليًا، تحت مسمى «ملحمة كبرى فى مواجهة محور الشر»، بات واضحًا أنه لا يريد السلام، لكن يسعى وراء طموحات استعمارية هدفها الهيمنة أو إعادة ما يسمى «بناء الشرق الأوسط»، لكن كل ذلك على حساب حرق المنطقة.

«نيرون»، هو الإمبراطور الرومانى الخامس والأخير، ورث النزعة الدموية من والدته التي قتلت زوجها الإمبراطور كلوديوس، فقتل «نيرون» كل إنسان يهدده، وأغرق روما فى الفتنة، ومع تدهور الوضع السياسى وفشله فى السيطرة على المدينة، قام بأشهر جرائمه، وهى حريق روما الشهير سنة 64م، وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير لتنتشر بشدة لمدة أسبوع فى أنحاء مدينته، ليظل «نيرون» بهذه الجرائم واحدًا من الحكام الذين صاروا مضربًا للأمثال والإشارة للطغاة والمستبدين عبر التاريخ.

كثيرًا ما تذكرت سيرة «نيرون روما»، مع كل تطور تشهده المنطقة، ومع كل جبهة صراع عسكرى تتجه إليها دولة الاحتلال الإسرائيلى، دون أن تعبأ بنتائجها، ودون أن تكترث لأصوات ومساعى التهدئة والسلام، فالأهداف والتقديرات التي كان يشار إليها قبل عامين، بات يتحدث عنها نتنياهو صراحة، بداية من تهجير الفلسطينيين، والاستيلاء على المزيد من الأراضى الفلسطينية.

خلال القمة العربية الإسلامية الاستثنائية فى الدوحة، وصف الرئيس التركى، نتنياهو، بالزعيم النازى، هتلر، متوقعًا أنه سيلقى مصيره، وإذا كان هذا التشبيه، ينطلق من ممارسات الإبادة الجماعية فى غزة، لكن التقدير الواقعى لما يمارسه رئيس وزراء الاحتلال فى المنطقة، هو أقرب لسيرة «نيرون» روما.

لذلك نستحضر سيرة «نيرون» الذي أحرق بلاده روما، حينما زين له خياله إعادة البناء بحرقها، والنهج نفسه يفعله نتنياهو، الذي يتحدث عن أهداف استعمارية معلنة، لا يريد السلام، لكن يلهث خلف طموحاته وهدفه للهيمنة على المنطقة، وآخرها البدء فى احتلال قطاع غزة بالكامل، بغض النظر عن عواقبها الإقليمية والدولية.

أحلام استعمارية

والواقع أن نتنياهو الذي بدأ حياته موظفًا فى تسويق البضاعة بمحل لتجارة الأثاث فى الولايات المتحدة، أبدع فى هذه المهنة لدرجة أنه بات يكذب بتلقائية، أتقن قدرات المراوغة والاحتيال وخيانة الأمانة، وحينما انتقل إلى السياسة، حمل معه كل صفاته فى التسويق.

هذا هو نتنياهو اليوم، وهذه حساباته بعيدًا عن المنطق، يتحدث عن حلم واهم اسمه «إسرائيل الكبرى»، يُصر على تهجير الفلسطينيين من أرضهم بشتى السبل، ومعها فرض السيطرة الكاملة على قطاع غزة وأراض من الضفة الغربية، ادعى أنه يسعى لتغيير وجه الشرق الأوسط، بعد هجمات طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023، فتنوعت جبهات الاعتداء لدول أخرى، دون أن يعبأ بكل إجراءات دولية تتخذ ضده وبلاده.

هكذا تحدث نتنياهو حينما وقف أمام وفد من المشرعين وأعضاء الكونجرس الأمريكى، الأسبوع الماضى، تحدث متفاخرًا عن جرائم «دولة الاحتلال»، فى المنطقة خلال الأشهر الماضية، ليس فقط من جرائم إبادة لا تزال ترتكب فى غزة والأراضى الفلسطينية، وإنما فى باقى جبهات الصراع التي عاشتها المنطقة، أيضًا فى لبنان وإيران وفى اليمن وجنوب البحر الأحمر.

يتباهى رئيس دولة الاحتلال فى حديثه أمام الوفد الأمريكى، بأن إسرائيل انتصرت على أعدائها، يقول: إنها أسقطت حسن نصر الله، حينما هاجمت الجنوب اللبنانى، ودمرت نظام بشار الأسد فى سوريا، وقطعت شريان إيران من طهران إلى البحر المتوسط، وتهاجم الحوثيين فى اليمن، وتواصل معركتها للقضاء على حماس فى غزة، وفى الخارج، كما فعلت بالهجوم على دولة قطر.

يعتقد رئيس وزراء الاحتلال أنه انتصار، لكن الواقع أنه حرق للمنطقة ولأسس الاستقرار بها، دون الاكتراث للانتقادات العربية والدولية لسياساته التوسعية، ورغم اتساع نطاق العقوبات الدولية ضد التجاوزات الإسرائيلية، لكن يبدو أن هذه العقوبات وحدها لا تكفى، لردع نتنياهو عن مشروعه الاستعمارى بالمنطقة، ذلك أنه لا يبالى بحرق المنطقة برفضه لنداءات السلام ووقف القتال والبحث عن أفق سياسى للصراع العربى الإسرائيلي.

احتلال غزة

الواقع أن السلوك العدوانى لإسرائيل، قد فاق حدود المنطق والتوقع على مدار عامين، من فتح جبهات عديدة للصراع، وصولًا لحرب الإبادة والتجويع فى غزة،  سلوك لا يمكن تفسيره إلا بالنظر لعقلية وشخصية نتنياهو نفسه، رجل التسويق الذي يجيد كل حيل الخيانة والمراوغة تحقيقًا لأهدافه الاستعمارية.

هكذا يمكن تفسير سلوك حكومة نتنياهو، التي امتدت أياديها العدوانية، إلى الدوحة، فى وقت تقدم فيه قطر جهودًا حثيثة فى ملف مفاوضات وقف إطلاق النار، وبعدها يخرج ليعلن بدء عملية احتلال غزة، فى وقت كانت تجتمع فيه الدول العربية والإسلامية فى الدوحة، فى قمة استثنائية تناقش الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة عليها.

إذن لا يريد نتنياهو حلولًا سلمية، هكذا يستهدف كل من يقف حائلًا أمام مشروعه الاستعمارى، انتهج سياسة «الأرض المحروقة» لتدمير كل معالم الحياة فى قطاع غزة، حتى باتت مدينة من الركام، ومعها جرائم القتل والتجويع التي لا تتوقف يوميًا، حتى تجاوز أعداد الشهداء 65 ألفًا، إلى جانب نحو 165 ألف مصاب.

لم يكتف نتنياهو عند هذا الحد، وإنما يواصل السير فى مخططه، أو بمعنى أدق «حرق المنطقة»، كما فعل نيرون، من قبله فى روما، عبر عملية عسكرية برية لاحتلال قطاع غزة، تحت مزاعم القضاء على عناصر حركة حماس، وفى تجاهل لآخر مقترح لوقف إطلاق النار، وافقت عليه حركة حماس، مقابل تسليم الرهائن.

بالتأكيد ما يحدث سلوك عدوانى يتجاوز ما تدعيه تل أبيب، من القضاء على المقاومة وتحرير الرهائن، وإنما فى حقيقة الأمر، الغاية هى «القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية نهائيًا»، عبر تهجير شعبها وإجبارهم على ترك الأرض، كما حدث فى النكبة الأولى عام 1948.

قد يرى نتنياهو، كما فعل نيرون فى روما، أن بهذا السلوك، بإمكانة إعادة بناء الشرق الأوسط، أو تحقيق ما يسمى «إسرائيل الكبرى»، حتى ولو على أنقاض القضية الفلسطينية، وإنما فى الواقع يدفع المنطقة إلى مرحلة جديدة من الفوضى الشاملة، نتيجة لسياسات التهور والتمادى فى الغطرسة بصورة فادحة.

هكذا كان التقدير المصري، للعملية البرية الإسرائيلية على غزة، وعليه أعادت نداءها مرة أخرى للمجتمع الدولى، بضرورة محاسبة الاحتلال الإسرائيلى على هذه الممارسات، والتصدى لها، لوقف ممارسات التجويع والإبادة والتشريد والتنكيل بالسكان، دون محاسبة حتى من دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان فى الغرب.

تقدير الموقف المصري

نقطة التوقف الأخرى، تتعلق بالممارسات الممنهجة من نيرون العصر، نتنياهو، الخاصة بإجبار الفلسطينيين على مغادرة قطاع غزة، وإذا كانت الخطة باتت معلنة وتمارس على أرض الواقع، فإن ذلك يعيدنا إلى تقدير الموقف المصري، منذ الحرب على غزة بعد عملية طوفان الأقصى فى السابع من أكتوبر 2023، والواقع أن التقدير المصري كان راصدًا منذ البداية للغاية الأساسية للحرب، بِعَدِّها حربًا تستهدف «تصفية القضية الفلسطينية».

كان التقدير المصري سابقًا، حينما أشارت مصر، منذ البداية أن هدف العدوان الإسرائيلى على غزة، ليس ردًا على عملية «طوفان الأقصى»؛ وإنما بغرض تهجير الفلسطينيين،  وتصفية القضية الفلسطينية، ومن هنا، صاغت القاهرة موقفها الواضح والثابت، برفض أى أشكال وصور تهجير الفلسطينيين.

ومع قرابة نحو عامين على العدوان، ومع جرائم التجويع والإبادة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلى فى غزة، تقف مصر صامدة؛ لتواصل صياغة تقديراتها بوضوح، وتعلن أن الهدف مما يحدث هو «تصفية القضية»، وتحويل حياة الفلسطينيين، إلى ورقة مساومة، وسيحاكم التاريخ الجميع على مواقفه، من تخلى عن القضية، ومن تاجر بها، ومن وقف صامتًا، ومن يقف صامدًا مساندًا رغم كم الضغوط التي تمارس ضده.

سيناريوهات المواجهة

 

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه، هو كيفية تعامل وتعاطى الدولة المصرية، مع التصعيد المستمر فى الجبهة المقابلة للحدود الشرقية من العدو الإسرائيلى، وماذا لو فعلت تل أبيب ما تخطط له، من اجبار الفلسطينيين فى قطاع غزة على النزوح إلى جنوب قطاع غزة، ومنه إلى الحدود المصرية؟.

تساؤلات يجب أن تُطرح وتُناقش، أمام مخطط نتنياهو التوسعى، الذي يمضى فيه دون حساب من أحد، بل يجد من يبارك خطواته، ولو ضمنيًا، كما تابعنا مثلًا، فى تصريحات وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو، الأسبوع الماضى، حينما أشار بعد زيارته لتل أبيب، إلى أن الحرب فى غزة لن تنتهى إلا بإطلاق جميع الرهائن، وعدم وجود حماس كجماعة مسلحة، وإذا لم ينته الأمر دبلوماسيًا، سينتهى عسكريًا!.

التعاطى المصري مع المشهد الجديد فى غزة، صاغه الرئيس عبد الفتاح السيسى، فى كلمته أمام القمة العربية الإسلامية فى الدوحة الأسبوع الماضى، وأشار إليه أيضًا رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى، فى لقائه برؤساء تحرير الصحف أيضًا، ويمكن تأطيره فى مجموعة من النقاط المهمة، وهي:

• أولًا، أن الدولة المصرية ومؤسساتها، وضعت خططًا واضحة للتعامل مع مختلف السيناريوهات، بما فى ذلك مواجهة أى ضغوط قد يتعرض لها الفلسطينيون على الحدود.

• ثانيًا، أن مصر ملتزمة بثوابتها المتمثلة فى رفض التهجير وعدم السماح به، ورفض أى ممارسات من شأنها تعمل على تصفية القضية الفلسطينية.

• ثالثًا، أن التحديات الإقليمية، تفرض حتمية العمل الجماعى، والتنسيق المشترك، وهو ما أشار إليه الرئيس السيسي فى كلمته، بضرورة «إنشاء آلية عربية إسلامية للتنسيق والتعاون، تمكن الجميع من مواجهة التحديات الكبرى، الأمنية والسياسية والاقتصادية، وهى السبيل لتعزيز القدرة على التصدى للتحديات الراهنة، واتخاذ ما يلزم من خطوات، لحماية أمننا ورعاية مصالحنا المشتركة».

• رابعًا، إذا أرادت إسرائيل البحث عن السلام، فلن يتحقق ذلك بسياسات القوة والاعتداء، وإنما بالتعامل الجاد والحاسم مع القضية الفلسطينية، ينهى الاحتلال، ويعمل على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، تنفيذًا لمشروع حل الدولتين، الذي بات مدعومًا عربيًا وإسلاميًا وأوروبيًا.

• خامسًا، أنه لا سبيل لردع السلوك الإسرائيلى المنفلت، فى زعزعة الاستقرار الإقليمى وتوسيع رقعة الصراع، سوى بتحمل المجتمع الدولى مسؤولياته،  وضمان عدم تكرار الاعتداءات، من خلال محاسبة ضرورية للمسؤولين عن الانتهاكات الإسرائيلية فى غزة والمنطقة.

والخلاصة، أن طموحات نتنياهو التوسعية، من أجل ما يسمى «إسرائيل الكبرى»، تُزين لخياله مواصلة سياساته العدوانية، وتنفيذ خطة الاحتلال الكامل لقطاع غزة بذريعة محاربة حماس، والضغط على الفلسطينيين لمغادرة القطاع، حتى لو أدى ذلك لإشعال الحرائق فى المنطقة، كما فعل «نيرون» فى روما، قبل مئات السنين، لكن الواقع أنه حتى لو نجح ميدانيًا فإنه أبدًا لن يجلب له الأمان والاستقرار الذي يتخيله.

 

نقلًا عن مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز