عاجل
الأحد 23 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
البكاء على أطلال المقاهي 

البكاء على أطلال المقاهي 

من يقرأ سلسلة "الولد الشقي" لمحمود السعدني سيتوقف أمام قهوة عبد الله بالجيزة، ومن يتابع جلسات الحرافيش الشهيرة لأديب مصر الأكبر نجيب محفوظ سيجد نفسه يتخيل مقهى ريش قديمًا، ومقهى علي بابا في ميدان التحرير، ومقهى عرابي في باب الشعرية، وغيرها من الأماكن التي ارتادها صاحب "أولاد حارتنا"، وعلى نفس الخط مقاهٍ كثيرة دخلت تاريخ مصر في القرن العشرين مثل "متاتيا" و"الفيشاوي" لكنه دائمًا دخول غير مرتبط بموقعها الجغرافي أو نوعية كراسيها وليس طبعًا بـ"جودة المشاريب"، وإنما بقيمة من جلسوا عنها والأهم من نقلوا ما كان يجري في تلك الجلسات. 



 

ما سبق من استهلال مناسبته حملة باكية بسبب تحويل نشاط أحد المقاهي المعروفة بمنطقة باب اللوق والتعامل مع الأمر وكأنه "خسارة ثقافية جديدة" يمكن أن نضمها لسجل الخسائر التي منيت بها شوارع القاهرة في السنوات الأخيرة لأسباب عدة لا مجال لذكرها الآن، حيث شملت قائمة الضحايا، مسارح، وبيوت ثقافة ومقابر أثرية وغيرها من الإرث الثقافي الحقيقي الذي نزيد من جراحه عندما نضيف إليه مجرد مقهى بالتأكيد لمن جلسوا عليه ذكريات نحترمها لكنه في النهاية ملكية خاصة من حق صاحبه أن يفعل بها ما يشاء طبقًا لظروفه ومتطلباته والأهم متغيرات العصر وتتالي الأجيال.

 

إغلاق مقهى ارتبطنا به لعقود هو "خسارة شخصية" يشعر بها فقط من اعتاد الجلوس عليه، وإذا وضعنا الموقف برمته في كفة ميزان أمام هدم سينما فاتن حمامة بالمنيل وعدم إقامة أي بديل لها في نفس المنطقة فسندرك الفارق بين الأمرين، لا يعني ذلك الاستهانة بشجن الزبائن المخلصين، لكن ما اعتبره أمرًا يستحق التوقف أمامه هو أن المقهى نفسه لم يسجل إرثًا ثقافيًا ملموسًا، فلم أجد الكثير عن جلسات لأدباء ومفكرين، لم أسمع عن أسماء بزغت من خلاله وعرفها الجمهور عبر حركة أدبية كانت نشطة لعقود في منطقة وسط البلد، وإذا كان الأمر متعلقًا بتطبيق قانون الإيجار القديم وزيادة الأعباء على صاحب المقهى فربما كان الأولى مناقشة قائمة الأماكن الثقافية التي ستتأثر بالمتغير الاقتصادي المنتظر وبحث سبل دعمها وفي كل الأحوال لن يكون من بينها مقهى هو بالأساس ملكية خاصة وشهرته جاءت من استمراره لثمانية عقود أكثر من كونه قبلة للمثقفين والكتاب.

 

الأفضل من "البكاء على المقهى المسلوب" هو التفكير في سبل أكثر عصرية للتواصل بين المثقفين، الصالونات الثقافية باتت موضة قديمة وما يقام منها لا يصل أثره للجمهور، الجيل الجديد من القراء لا يزور المقاهي ويكتفي بالتواصل مع المؤلفين عبر فيس بوك وجود ريدز وتطبيق أبجد، جيل كامل غير معني بالمقاهي الثقافية، اعتاد على الكافيهات الحديثة ذات الأسماء الأجنبية، إذا كنا حريصين حقًا على الثقافة فلنذهب لهذا الجيل أين ما كان، ولا نكتفي بالبكاء على أطلال مقاهي دارت عليها - كما البشر والحجر- دورة الزمان فلم يعد لها على الأرض مكان.  

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز