

مودي حكيم
جولة في قصر ذكريات بيل جيتس 5
العصامي الأسطورة.. والملياردير فاعل الخير!
في مذكراته نرى تطور عقل جيتس الاستثنائي، ذلك المراهق المضطرب الذي اكتشف حبه للبرمجة والحوسبة مع بزوغ عصر جديد، وشعر بأنه "باستخدام عقلي، يمكنني حل حتى أكثر ألغاز العالم تعقيدًا". نرى أولى علامات فطنته التجارية الاستثنائية، التي دفعته إلى ترك جامعة هارفارد في سن العشرين ليكرس كل طاقاته لمايكروسوفت، الشركة التي أسسها مع صديق طفولته بول ألين. يكتب عن لقاءاته الأولى بثلاثة أشخاص مثل ستيف جوبز ووزنياك وبالمر - الذين لعبوا دورًا حاسمًا في الكثير مما تلا ذلك.
ينتهي الكتاب بالمرحلة في أواخر سبعينيات القرن الماضي، عندما وقّعت مايكروسوفت، التي لا يزال عدد موظفيها لا يتجاوز اثني عشر موظفًا، أول صفقة لها مع آبل. استمرت الصفقات، وحققت مايكروسوفت نموًا هائلًا. ومع ذلك، لم ينس جيتس أبدًا تذكير والدته بأنه لم يكن سوى وصيًا على أي ثروة يجنيها. كانت والدته عضوًا في مجلس إدارة جامعة واشنطن. كان والده من أشهر المحامين، وكلاهما قائدان مجتمعيان. لذا، كان لديك هذا القدر من الاطلاع على أحدث المستجدات في ذلك الوقت. هذا الكتاب الجذاب والملهم، الذي يروي قصة نشأة بيل جيتس ، يُتيح للقراء فهم طاقته وطموحه، ورؤية كيف أسس نفسه في هذا العالم.
حظي بيل جيتس بمسيرة مهنية رائعة لو فشلت مايكروسوفت. لذا، ربما يسمح لك هذا النوع من الأمان بالمخاطرة بشكل أكبر، ووضعته في سياق المليارديرات، والأساطير الشائعة عنهم. إحداها أنهم عصاميون.
كُتب الكثيرون عن مدى قوة بيل جيتس وقسوته. عندما ترك مايكروسوفت وتفرغ للعمل الخيري، بدأ كل شيء يتغير فجأة، ولم يكن ذلك مصادفة. كان يُنظر إليه لسنوات على أنه الرجل الأكثر إثارة للإعجاب في العالم.
هكذا كانت شهرته. وهو رجل لا يزال يحظى بنفس الترحيب الذي يحظى به رئيس دولة. يمكنه بسهولة دخول أي بلد وطلب لقاء، وسيحضر رئيس الوزراء أو الرئيس هذا اللقاء.. من الصعب جدًا انتقاد شخص مثل جيتس، لأنه يُحسن صنعًا. إنه شخصية مشهورة. إنه بارز للغاية، وهذا يُساعده.
المحررة والصحفية السابقة فى نيويورك تايمز أنوبيتا داس قامت بتأليف كتاب بعنوان "الملياردير، المهووس المنقذ، الملك"، عن بيل جيتس وسعيه لتشكيل عالمنا، ويوثق صعوده من عبقري الكمبيوتر إلى أغني رجل فى العالم ،وفاعل خير على قيد الحياة. وقد كُتب آخرون عن مدى قوة بيل جيتس وقسوته. عندما ترك مايكروسوفت وتفرغ للعمل الخيري، بدأ كل شيء يتغير فجأة، ولم يكن ذلك مصادفة.
كان يُنظر إليه لسنوات على أنه الرجل الأكثر إثارة للإعجاب في العالم. هكذا كانت شهرته. وهو رجل لا يزال يحظى بنفس الترحيب الذي يحظى به رئيس دولة. يمكنه بسهولة دخول أي بلد وطلب لقاء، وسيحضر رئيس الوزراء أو الرئيس هذا اللقاء.. من الصعب جدًا انتقاد شخص مثل جيتس، لأنه يُحسن صنعًا. إنه شخصية مشهورة. إنه يحظى بشهرة واسعة، وهذا يُساعده، ومع ذلك، نسمع من بعض العاملين معه في المؤسسة، ممن يقولون إن لقاء بيل جيتس أمرٌ مُرعب، حتى بعد أن حوّل نفسه، كما يُزعم، إلى هذا المُحسن المُحب للخير.
لكن كيف يُقارن التبرع السنوي لمؤسسة جيتس وتأثيرها في المجالات الخيرية التي تختار العمل فيها بالمؤسسات الأخرى، وبالحكومات، وبالأمم المتحدة؟ لقد أسست مؤسسة جيتس نوعًا مُعينًا من العمل الخيري، وهو ما يمكن تسميته "العمل الخيري الكبير". إنه نهج قائم على البيانات بشكل كبير. تختار شيئًا ما عموديًا، وتحدد المنظمات غير الربحية التي ترغب في منحها هذا المال، ثم تمنح المال، لكنك تُلزمهم بمعايير مُحددة، ثم هناك مقاييس وتقييمات.
أتابع فى ربيع كل عام وعلى موقع بيل جيتس، حرصه الدائم بترشيحه، عدداً من الكتب للقراءة، على أن يقرأ متابعيه كتاباً كل أسبوع، وعن طريق الكتب التي يقرأها بيل جيتس فإنه يقوم بنشر أفكارهِ ليتمكن الناس من فهمه جيداً. والمعروف أنه كل صباح، يقرأ الصحف، وتحديدًا نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، ومجلة الإيكونوميست من الغلاف إلى الغلاف، فهو معروف بشراهته للقراءة، ودائمًا ما يأخذ وقت مستقطع من يومه لقراءة كتاب ما، كما أنه يوصى بعدة كتب لقراءتها عبر موقعه الشخصى لمحبى القراءة والمطالعة، عوضًا عن امتلاكه مكتبة ضخمة تحوى العديد من الكتب النادرة.
وله العديد من المؤلفات، فالكتابة كما يقول: "طريقتي لمشاركة ما تعلمته عن أكبر تحديات العالم. مذكراتي الأولى بعنوان "Source Code" هي أول مذكراتي، وتغطي طفولتي في سياتل حتى بدايات مايكروسوفت. إنها قصة الأشخاص والتجارب ونقاط القوة والضعف التي شكلتني.
ومن بين تلك الكتب الصادرة له:
كتاب "The Road Ahead" عن صناعة الأعمال وصعود عالم التكنولوجيا في التسعينيات من القرن الماضي.
كتاب "How to Avoid A Climate Disaster" عن كيفية تجنب آثار التغير المناخي الذي صدر عام 2021.
كتاب "How to Prevent The Next Pandemic" عن كيفية تجنب جائحة صحية مشابهة لكوفيد-19 الذي صدر عام 2022.
وخلال الشهر الماضي نشر جيتس على مدونته أحدث توصياته للقراءة والمشاهدة خلال موسم صيف 2024، وعلى رأسها كتاب "The Women" للكاتبة كريستين هانا الذي يتناول قصة ممرضة تابعة للجيش الأميركي في فيتنام.
كما نصح جيتس بقراءة "Brave New Worlds" من تأليف سال خان الذي يدور حول قدرة الذكاء الصناعي على تغيير حياة الطلاب والمعلمين، وكتابي "How to Know a Person" بقلم ديفيد بوكس و"Infections Giving" بقلم كريس أندرسون.
تفاعل الكثيرين مع مذكرات بيل جيتس، واختلف البعض، فوصف ناشر مذكرات بيل جيتس الكتاب بأنه "دافئ وملهم"، لكن الصحفي تيم شواب اعتبره مجرد "حيلة تسويقية" للأثرياء. شواب، الذي ألف كتابًا ينتقد بيل جيتس بعنوان "مشكلة بيل جيتس: الحساب مع أسطورة الملياردير الصالح" (2023)، قال لـ قناة DW التليفزيونية "إنه بينما يسعى المليارديرات الآخرون لتحقيق مصالحهم الشخصية، حاول بيل دائمًا أن يظهر نفسه كإنسان غير أناني، وكالملياردير الصالح". يقول شواب: "أننا لا نعرف الكثير عن حياة بيل الشخصية، والكتاب لا يقدم جديدًا أو مفاجأة".
"ومع ذلك، أثار جيتس مؤخرًا اهتمامًا كبيرًا عندما ذكر في مذكراته أنه ربما كان سيُشخَّص بالتوحد لو نشأ في الوقت الحالي. يوضح شواب ….أن هذه النقطة أخذت نصف صفحة تقريبًا في نهاية الكتاب، لكنه يشير إلى أنها لم تُعرض بطريقة عميقة … أو تأملية كما كان يُتوقع.
بفضل مايكروسوفت، أصبح جيتس أغنى رجل في العالم عام 1995 وظل في الصدارة في قائمة فوربس حتى عام 2008، عندما قرر الابتعاد عن الشركة والتركيز على أعماله الخيرية. منذ ذلك الحين، تجاوزته أسماء بارزة في عالم التكنولوجيا مثل إيلون ماسك ومارك زوكربيرج في التصنيف. ومع ذلك، استمرت ثروة جيتس في الزيادة منذ عام 2008، حتى مع احتساب التضخم. اليوم، وهو في سن 69، ويحتل المرتبة الثالثة عشرة في قائمة أغنى الأشخاص على قيد الحياة، بالإضافة لتواصله مع قادة العالم ، وتمتعه بسمعة أفضل بكثير من زملائه من كبار رجال التكنولوجيا. مما منحه فرصًا غير مسبوقة للوصول إلى صناع القرار حول العالم. على سبيل المثال، التقى مع شي جين بينج في 2023، وكان له أيضًا عشاء طويل مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. خلال العشاء، تحدث جيتس مع ترامب عن العلاجات المحتملة لفيروس نقص المناعة البشرية وشلل الأطفال ، كما تحدث كثيرًا مع قادة العالم. في الأشهر الأخيرة، تحدث مع الرئيس الفرنسي ماكرون، ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين".
استخدمت مؤسسة جيتس علاقاتها لتمويل مشاريع كبيرة لمكافحة الأمراض والجوع في أنحاء مختلفة من العالم. ومع ذلك، يشير كتاب شواب إلى أن نتائج المؤسسة غالبًا ما تكون أقل من الأهداف التي كانت قد أعلنت عنها.
مؤخراً تعهّد الملياردير الأمريكي بيل غيتس بإنفاق معظم ثروته في تحسين خدمات الصحة والتعليم في أفريقيا، على مدى العشرين عاماً المُقبلة. وقال المؤسس المشارك لمايكروسوفت، والبالغ من العمر 69 عاماً، إن "إطلاق الإمكانات البشرية، عبر الصحة والتعليم، كفيلٌ بأن يضع كل بلد في القارة الأفريقية على طريق الرخاء".أدلى جيتس بتلك التصريحات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، حيثُ حَثّ المبدعين الشباب الأفارقة على التفكير في تسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تحسين الرعاية الصحية في القارة. وأعلن ، أنه سوف يتبرّع بنسبة 99 في المئة من ثروته الضخمة – التي يتوقع هو أنها قد تبلغ 200 مليار دولار بحلول عام 2045، حيث تخطط "مؤسسة غيتس" أن تُنهي أعمالها. ومن مقرّ الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، قال جيتس: "تعهّدتُ مؤخراً بالتبرّع بثروتي على مدى العشرين عاماً المقبلة. معظم هذه الأموال ستوجه لمساعدتكم في مجابهة التحديات هنا في أفريقيا". غيتس لاقى ترحيباً من جراسا ماشيل، سيدة موزمبيق الأولى سابقاً، التي قالت إنه "جاء في وقت أزمة". وأضافت ماشيل: "نحن نعوّل على التزام جيتس المُخْلص للاستمرار في السير معنا على طريق التحوّل". ويسعى جيتس، ومؤسسته بما لها من تاريخ طويل من العمل في أفريقيا، إلى التركيز على تحسين الرعاية الصحية الأوليّة. وقال: "ما تعلّمناه هو أن مساعدة الأم في العناية بصحتها بشكل جيد وفي الحصول على تغذية جيدة قبل وأثناء الحمل، كفيلة بالحصول على أفضل النتائج". وأضاف: "أيضاً، تأمين التغذية الجيدة للطفل في السنوات الأربع الأولى كفيل بأن يصنع كلّ الفارق". وتضع مؤسسة جيتس لنفسها ثلاث أولويات هي: إنهاء الوفيات التي يمكن الوقاية منها بين الأمهات والأطفال، والعمل على ضمان أنْ ينمو الجيل المقبل دون أنْ يعاني من الأمراض المُعدية والفتاكة، وإخراج ملايين البشر من دائرة الفقر. وفي رسالة إلى الشباب المبدعين، قال ملياردير التقنية إن الهواتف المحمولة قد أحدثت ثورة في قطاع البنوك في أفريقيا، ورأى أن الذكاء الاصطناعي كفيلٌ بأنْ يُسخَّر الآن لخير القارة . "تحوّلت أفريقيا عن نُظُم الصيرفة التقليدية، والآن أمامكم الفرصة سانحة، وأنتم تدشّنون الجيل الجديد من نُظم الرعاية الصحية، للتفكير في تسخير الذكاء الاصطناعي لهذا الهدف" . وقالت المؤسسة في بيان لها: "بعد 20 عاماً، ستغرُب شمس المؤسسة عمَليّاً". وكتب بيل جيتس في مدوّنة: "سيقول الناس الكثير من العبارات عنّي بعد وفاتي، لكنّني عازمٌ على ألّا تكون عبارة (قد مات غنياً)، من بينها". لكنْ حتى التبرّع بـ99 في المئة من ثروة خامس أغنى رجل في العالم، يتركه مليارديراً، بحسب وكالة بلومبرج.
ويقول بيل جيتس إنه استلهم فكرة التبرّع بالأموال من رجل الأعمال وارِن بافيت، وآخرين من رُوّاد الأعمال الخيرية . لكنّ ناقدين يرون أن غيتس يستخدم الأعمال الخيرية لمؤسسته من أجل تفادي الضرائب، كما يرون أن للمؤسسة نفوذاً غير مستحَقّ على نظام الصحة العالمي.
إذا نظرت إلى مؤسسة جيتس، ستجد أن أحد المشاريع التي يفتخر بها هو آلية شراء اللقاحات في سويسرا، حيث يتم تمويل معظم الأموال لهذا المشروع من دافعي الضرائب.
وفي الوقت نفسه، يرتبط جيتس بصناع القرار من خلال عقود حكومية لأعمال مرتبطة بإمبراطوريته، إضافة إلى تبرعات سياسية، مثل تبرعه بمبلغ 50 مليون دولار لمنافس ترامب، كامالا هاريس.على مدار سنوات، جعل بيل جيتس وجود الثروة الكبيرة في السياسة الأمريكية أمرًا معتادًا. ورغم أن إيلون ماسك قد يمثل تطورًا جديدًا في هذا النوع من الحكام الأثرياء، إلا أن كلاهما في جوهرهما جزء من نفس القصة"، كما يقول شواب. "أعتقد أن رجال مثل إيلون ماسك اليوم يقفون على ما أسسه بيل جيتس.
يكتب جيتس في فقرته الأخيرة من مذكراته: "طوال معظم حياتي، كنتُ مُركّزًا على ما هو قادم. لكن مع تقدمي في السن، أجد نفسي أنظر إلى الماضي أكثر فأكثر". إنها النهاية الوداعية التي يتوقعها المرء من مذكرات سياسي: حزينة، غير مؤذية، وعادية تمامًا. يقول إنه لا يزال يشعر بأنه "طفل مُنتبه ويرغب في فهم كل شيء". وبما أن المذكرات تتوقف عند تاريخ حدث قبل 45 عامًا، فإننا ننتظر جيتس البالغ ليتمكن من فهم كل شيء أيضًا.
وتبق العديد من الاسئلة لم أجد اجابة لها فى الجزء الاول من مذكراته.. هل يتفق بيل جيتس مع نظرة العالم إليه؟ هل يتحلى بالتواضع حيال ذلك؟ ما مدى وعيه بنظرة العالم إليه، وكيف يُوظّف ذلك؟ هل يتخلى عن غروره ليبذل قصارى جهده بما يملك من حسن نية؟
وفى انتظار ذكريات العقد الأخير من مذكرات بيل جيتس.