
باحثو قصر العيني يوثقون أول خريطة جينية لأمراض الركود الصفراوي الوراثي

شيماء عدلي
في خطوة علمية تعكس روح الريادة والمسؤولية المجتمعية، حقق فريق بحثي من كلية طب قصر العيني جامعة القاهرة إنجازًا غير مسبوق في مجال الأمراض الوراثية النادرة، بتوثيق أول خريطة جينية سريرية لأمراض الركود الصفراوي الوراثي لدى الأطفال في مصر، لتكون بذلك الدراسة الأولى من نوعها على مستوى القارة الأفريقية.
قاد الدراسة الأستاذة الدكتورة نهال الكوفي، والأستاذ الدكتور مرتضى الشبراوي، أساتذة طب الأطفال، والأستاذ الدكتور محمد عبد المنعم، أستاذ الباثولوجيا الإكلينيكية، تحت رعاية الأستاذ الدكتور محمد سامي عبد الصادق، رئيس الجامعة، وبإشراف مباشر من الأستاذ الدكتور حسام صلاح، عميد كلية الطب ورئيس مجلس إدارة مستشفيات جامعة القاهرة، الذي أكد أن “هذا الإنجاز يعكس التزام قصر العيني بدوره البحثي العميق في خدمة الإنسانية، وأن البحث العلمي لم يعد رفاهية، بل أداة إنقاذ لحياة المرضى”.
وقد نُشرت نتائج الدراسة في الدورية العالمية الرصينة Clinical Genetics الصادرة عن دار النشر الدولية WILEY، والتي تُعد مرجعًا معتمدًا في طب الجينات. ركزت الورقة البحثية على توصيف الطيف السريري والجيني لطفرة تُسبب نوعًا نادرًا من أمراض الكبد الوراثية يُعرف باسم الركود الصفراوي الوراثي التقدمي "PFIC"، وهي مجموعة اضطرابات خطيرة تُصيب الأطفال في مراحل مبكرة، وتؤدي إلى تراكم الأحماض الصفراوية داخل الكبد، ما قد يتسبب في مضاعفات شديدة مثل فشل النمو، الحكة المزمنة، نقص الفيتامينات، فشل الكبد، وحتى تطور أورام كبدية.
ورغم أن معدل الإصابة بهذه المتلازمة يتراوح عالميًا بين حالة لكل 50 إلى 100 ألف مولود، فإنها تظل غير مفهومة كليًا في المجتمعات الأفريقية والعربية بسبب ندرة الأبحاث.
طفرات جديدة.. ومرجع مصري للعالم
شملت الدراسة 31 طفلًا مصريًا يعانون من أحد أنواع PFIC، وحددت الطفرات الوراثية المسببة للمرض لديهم.
وقد كشف التحليل الجيني أن أكثر من 60% من هذه الطفرات تُسجَّل لأول مرة عالميًا، ما يُعد سبقًا علميًا كبيرًا ويضع مصر على خريطة البحث العالمي في هذا المجال.
هذا التوثيق الدقيق للطفرات الوراثية يفتح المجال أمام:تحسين دقة التشخيص المبكر، تصميم بروتوكولات علاجية أكثر تخصيصًا، وتطوير برامج دعم وراثي للأسر المصرية المعنية.
وفي تعليقه على هذا الإنجاز، قال الأستاذ الدكتور حسام صلاح: “نحن في قصر العيني نؤمن بأن رسالتنا لا تتوقف عند حدود تقديم الخدمة الطبية، بل تبدأ من البحث العلمي وتنتهي بإنقاذ الأرواح.
وتابع: "هذا العمل هو نموذج يُحتذى لكيفية توظيف العلم في مواجهة الأمراض النادرة والمعقدة، وهو امتداد طبيعي لما يجب أن تكون عليه مؤسساتنا الجامعية".
هذا الإنجاز لا يُعد مجرد نشر علمي، بل ركيزة جديدة في مسيرة الطب الدقيق "Precision Medicine" في مصر والعالم العربي، حيث تُسهم النتائج في دعم أبحاث العلاج الجيني المستقبلي، وتفتح آفاق التعاون البحثي الدولي.
وبهذا، يؤكد قصر العيني من جديد مكانته كواحد من أعرق مؤسسات الطب والتعليم والبحث في الشرق الأوسط، حاملًا رسالة مصر العلمية إلى العالم.
رابط الدراسة للاطلاع: