
ذكرى وفاة مأمون الشناوي أحد أبرز أركان العصر الذهبي للأغنية المصرية

أ ش أ
تحل علينا اليوم الجمعة ذكرى وفاة الشاعر مأمون الشناوي أحد أبرز أركان العصر الذهبي للأغنية المصرية والعربية، من خلال تعاونه مع عمالقة الغناء والطرب، وتميزه بأسلوب متفرد لا يشبه أحدًا.
وُلد الشناوي في حي السيالة بالإسكندرية في 28 يناير 1914، وهو الابن الثالث لأسرة أزهرية مرموقة، كان والده الشيخ سيد الشناوي رئيس المحكمة الشرعية العليا، وعمه شيخ الأزهر.. بينما حصل أخوه الشيخ معتز على عالمية الأزهر، كما كان لشقيقه الأكبر، الشاعر والصحفي كامل الشناوي، الفضل في إثقال موهبته ودعمها.
تأثر مأمون بالبيئة الثرية ثقافيًا، خاصة مكتبة والده الضخمة الغنية بالأعمال الشعرية، ونشأته في عائلة مولعة بالقراءة، مما ساهم في صقل موهبته. بعد تنقل الأسرة بسبب عمل الوالد، استقرت في حي السيدة زينب بالقاهرة عام 1918، حيث تلقى تعليمه وحصل على الثانوية من مدرسة الخديوي إسماعيل، ثم تخرج في مدرسة التجارة العليا.
بدأ مأمون مسيرته الفنية في ثلاثينيات القرن الماضي كشاعر فصحى، ونشر 12 قصيدة في مجلة "أبوللو" وهو في مقتبل العشرينيات، ثم انخرط بعدها في العمل الصحفي، حيث انضم إلى مجلة "روزاليوسف"، ثم "آخر ساعة"، وشارك في تأسيس "أخبار اليوم" مع مصطفى وعلي أمين وعمل بها سكرتيرًا للتحرير حوالي 5 أعوام، كما حرر مجلة "كلمة ونص" مع صلاح عبد الحميد عام 1949.
استدعاه محمد عبد الوهاب بعد نجاحاته مع محمد صادق لكتابة كلمات لحن جاهز، فكانت أغنية "أنت وعزولي وزماني" بوابة انطلاقه لعالم الفن الرحيب، وأثمر تعاونهما عن 122 أغنية عاطفية خالدة مثل "ردي عليا"، "آه منك يا جارحني"، "على بالي"، "قابلته"، و"كل ده كان ليه"، وكان بينهما تفاهم فني وانسجام إبداعي نادر.
تميز تعاونه مع فريد الأطرش بعذوبة شديدة وتفاهم نفسي وفني، وتعاونا في أغنيات خالدة مثل "بنادي عليك"، "حكاية غرامي"، "نجوم الليل"، "حبيب العمر"، و"الربيع" التي قاربت اللغة العربية الفصحى في بلاغتها.
وكان التعاون الأصعب مع أم كلثوم، لعدم انسيابية العلاقة بينهما بسبب تمسك كل منهما برأيه ورفض الشناوي للتعديل في كلماته مثلما حدث في أغنية الربيع التي كتبها ابتداء لها فأصبحت أهم وأعظم أغنيات فريد الأطرش، ولهذا لم يسفر تعاونهما إلا عن 4 روائع: "أنساك" (1961)، "كل ليلة وكل يوم"، "بعيد عنك" وجميعها من ألحان بليغ حمدي، وأغنية "دارت الأيام" ألحان محمد عبد الوهاب.
وقدم الشناوي للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ أغنيات متنوعة الطابع (عاطفية، وطنية، اجتماعية) مثل "أنا لك على طول"، "عشانك يا قمر"، "بيني وبينك إيه"، و"خسارة خسارة".
وأقام مأمون الشناوي تعاونًا مثمرًا مع عدد من الأصوات النسائية البارزة، وكتب لهن أعمالًا تُعد من الأهم في مسيرتهن الفنية، من بينها الفنانة أسمهان التي كتب لها أغنيتي "أهوى" و"إمتى هتعرف" ضمن فيلمها الشهير "غرام وانتقام"، كما ألّف واحدة من أشهر أغنيات فايزة أحمد وهي "تهجرني بحكاية"، إلى جانب أغنية "بصراحة" التي لحنها محمد عبد الوهاب، وتعاون أيضًا مع ليلى مراد في أغنية "ليه خلتني أحبك" من ألحان كمال الطويل، وكتب أغنية "حبك حياتي" لنجاة الصغيرة.
برع أيضًا في الأغنية الوطنية، فكتب لعبد الوهاب "نشيد الجهاد"، "زود جيش أوطانك"، "نشيد مصر والسودان"، و"نشيد الوادي"، ولعبد الحليم "ثورتنا المصرية"، "حرية"، و"إني ملكت في يدي زمامي"، ولشادية "سنة وسنتين"، ولفايزة أحمد "أهلا بيك".
ولعب مأمون الشناوي دورًا محوريًا في اكتشاف وصقل مواهب عديدة في مجالات الشعر والتلحين والغناء، من أبرزهم الموسيقار بليغ حمدي الذي كتب له أولى أغنياته "خايف من الحب" وغناها عبد الحليم حافظ، إلى جانب الموسيقار سيد مكاوي، والشاعر سيد مرسي، كما ساهم في إدخال فتحي قورة إلى عالم السينما، وساهم في بروز الشيخ محمد الطبلاوي بإقناعه بتسجيل تلاواته القرآنية، وكان وراء انطلاقة المطرب محرم فؤاد، وقدم مجموعة من الأصوات الجديدة وقتها، من بينها المطربة عزيزة جلال، التي دعمها بقوة رغم اعتراض شريكه المنتج، ونجحت في أغنيتها "بتخاصمني حبة وتصالحني حبة"، كما كان له دور في تقديم أحمد عدوية من خلال موال "سيب وأنا أسيب"، بينما نُسبت إليه بالخطأ أغنية "كركشندي"، واهتم بشكل خاص بموهبة هاني شاكر، فعمل على دعمه وتقديمه للمجتمع الموسيقي حتى نال التقدير.
وأسس الشناوي شركة إنتاج "صوت الحب"، وكتب حوالي 1000 أغنية، وحصد جوائز مرموقة كشهادة تقدير في عيد الفن الرابع، وجائزة الدولة التقديرية في الإبداع الفني (1980)، وجائزة مصطفى وعلي أمين الصحفية، ووسامين من الرئيس السادات والفنان ثروت عكاشة.
رحل عن عالمنا في 27 يونيو 1994 عن عمر ناهز 80 عامًا، ولا يزال اسمه منقوشا على جبين الأغنية المصرية كأحد أهم وأرقى كتاب العامية المصرية في تاريخها، ولا تزال أعماله تملأ الأثير حتى اليوم، ويُعاد تقديمها وتوثيقها في البرامج الموسيقية والتاريخية، ويُستشهد بأشعاره في دراسات الغناء العربي.