عاجل
الإثنين 21 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي

مي حمدي تكتب: أنا والثانوية العامة.. رسالة تهدئة لأولياء الأمور

مي حمدي
مي حمدي

مع بدء امتحانات الثانوية العامة، وملاحظتي وأنا في طريقي إلى عمل للكثير من أولياء الأمور المتكدسين أمام لجان الامتحانات، تعلو وجوههم إمارات الهم والترقب والخوف، بل والذعر، وددت لولا خجلي أن أساندهم وأطمئنهم جميعا، وأبشرهم بالخير، وأقول لهم "متقلقوش، خير إن شاء الله، والله الثانوية العامة مش نهاية المطاف ولا آخر الدنيا!!".



ومع مشهدهم هذا، لا يسعني إلا أن أسترجع بعض الذكريات الخاصة بتجربتي مع الثانوية العامة والتي حصلت عليها عام 1999. فالثانوية العامة والتي كانت آنذاك مقسمة على عامين، لم تكن شبحاً بالنسبة لي، بل كانت – ولدهشة الجميع– من أجمل أيام عمري! وأتصور أن ذلك يرجع إلى بعض الأسباب التي قدرها الله بفضله ، والتي تأتي بعد توفيقه والاستعانة به، وأسوقها في مقالي هذا.

فعلى الرغم مما منحه الله لي من تفوق شديد طوال سنوات دراستي، فإن أبي وأمي لم يمارسا ولو مثقال ذرة من ضغط لتوجيهي للالتحاق بالقسم العلمي، كما يفعل الكثيرون، رغبة منهم في دراسة أولادهم في كليات "القمة" المزعومة، أو على اعتبار أن القسم الأدبي يكون للأقل تفوقاً، وهذا غير صحيح. فلكل مجال قمته الخاصة يا سادة، والضغط على الأولاد على غير رغبتهم وميولهم وإمكاناتهم قد يجرفهم إلى منزلق الفشل، أو حتى يدفعهم لترك المجال بعد قضاء سنوات في دراسته لعدم حبهم له، حتى لو نجحوا فيه. لذلك فالأفضل تركهم من البداية يدرسون ما يميلون إليه، مع دعمهم بالآراء والمعلومات التي قد يحتاجون إليها، وتشجيعهم وتعضيدهم ومساندتهم في أي مجال يختارونه. وقد كانت أسرتي والحمد لله على هذا القدر من الوعي، وكانت ميولي الأدبية قد ساعدتني على تحديد هدفي منذ سن صغيرة: "أنا حادخل كلية  الإعلام، وحاطلع صحفية!"، ورغم أن هذا لم يحدث، وأني قد اخترت بإرداتي المنفردة دراسة العلوم السياسية، ودخلت مجال عمل آخر، إلا أن دراستي قد دعمتني في رحلتي لتحقيق حلمي الحقيقي: "أنا حابقى كاتبة!"، ويكفيني أني لم  أضطر لدراسة المواد العلمية التي لم أحبها أبداً رغم تفوقي.   

وأحمد الله أني لم أسقط في فخ الدروس الخصوصية، فكان لدي وقت وفير للاستذكار والتحصيل، وأعترف بأن سهولة المواد الأدبية في نظري، واعتمادها على الحفظ بشكل أكبر قد ساعدني في هذا الأمر، عكس المواد العلمية التي تحتاج – على الأقل بالنسبة لي – لشرح وافٍ، مما اضطرني لأخذ درس خصوصي في مادة الرياضيات، والتي اخترتها بإرداتي رغم كونها مادة اختيارية.  أما باقي المواد فقد أخذت فيها مراجعات نهائية فقط، رغم تحذيرات زملائي لي بالفشل لأني لا آخذ دروسا مثل الجميع. ولا أنكر أن تحذيراتهم قد أقلقتني وزعزعت بعضا من ثقتي، إلا أنها لم تنل مني، وقد حققت بفضل الله الترتيب الأول على مدرستي على القسم الأدبي. ولكي لا أظلم أولادنا، لابد أن أذكر المربين أنه ربنا لا يكون لدي جميع الطلاب نفس القدرات، فما يسره الله لي قد يكون مستحيلا لآخرين، وعلينا أن نبتعد دوماً عن المقارنات التي تحطم نفسية الأولاد، ولا تفيد.

  ولا أنسى أبداً في هذ المقام فضل مدرسة الفرنسية "مدام مبارك" والتي أتمنى أن تقرأ أو يقرأ أفراد أسرتها كلماتي، فقد كانت على علم بعدم أخذي دروساً خصوصية، فكانت تبادر بالاتصال بي في المنزل، وتجلس معي وحيدة في فناء المدرسة تحت أشعة الشمس المشرقة لتشرح لي دروس اللغة الفرنسية، بدون أي مقابل.

سبب آخر كان التزامي بالتدريبات الرياضية، وليس العكس! فقد كانت التدريبات، ولعشقي لها، تمثل لي حافزا كبيرا لي للتركيز في مذاكرتي، فكان كل وقتي المنزلي مخصص للمذاكرة، لا أتكاسل، ولا أضيع الوقت، بل أذاكر بهمة ونشاط للحاق بتدريباتي. وأشكر الله على عدم وجود الغزو الكثيف للإلكترونيات والإنترنت في ذلك الوقت، والذي أشفق على أولادنا منه ومما يسببه من تضييع للوقت، وتشتيت للذهن والذاكرة.

ولا أنسى يوم تزامن استدعائي لتدريب منتخب مصر مع ليلة أحد امتحانات الثانوية العامة، صحيح أنه كان امتحان في المستوى الرفيع، وكان وفقاً لنظام الثانوية العامة آنذاك تضاف درجاته للمجموع، لكن لاتنقص منه، فلم يكن يسبب نفس القلق الذي تسببه المواد الأخرى، ولكنه يظل في نهاية الأمر أحد امتحانات الثانوية العامة، وما تمثله من ذعر للبيوت المصرية. ولكني لا أنسى كلام أمي وقتها وسط حيرتي فيما أفعل، حيث قالت لي: "الرياضة مهمة في حياتك زي المذاكرة بالظبط، حتذاكري كويس وحتروحي التدريب"، وقد كان بفضل الله.

ولا أكتب هذا المقال لأتفاخر بتفوقي الدراسي في ماضٍ سحيق، ولا بالتزامي وهمتي التي أتمنى لو أمتلك ربعها الآن، وإنما لأرسل رسالة هامة جدا لأولياء الأمور المأزومين المهمومين اللذين رأيتهم قابعين أمام اللجان، فخطفوا قلبي وتعاطفي، وودت أن أقول لهم جميعاً وللملايين من أولياء الأمور مثلهم أن التفوق الدراسي ليس مقياساً للتفوق في الحياة العملية، والتعثر الدراسي لا يعني نهاية العالم، وهذا عن تجربة وخبرة حياتية ومشاهدة عيان.

فأنا أحمد الله على ما منحني إياه من توفيق ونجاح في الحياة، ولكني لا أنكر أني قد رأيت الكثيرين ممن كانوا متعثرين دراسياً أو على الأقل ليسوا على نفس القدر من تفوقي الدراسي، وقد منحهم الله من النجاح في الحياة العملية ما يفوقني بكثير. هذا اعتراف أسوقه، مع دعائي لهم بالبركة، لأهدأ من روع أولياء أمور الطلاب. وهذا لا يعني أبداً عدم الاهتمام بالدراسة، أو عدم الاجتهاد والأخذ بجميع أسباب النجاح، ولكن بدون مبالغة أوقلق وتوتر زائد يضع أعباءً نفسية على كاهلنا وكاهل أولادنا، قد أدت إلى حالات انتحار في بعض الأحيان، وبإيمان تام بأن الثانوية العامة ليست منفردة مفتاح المستقبل الناجح، أو نهاية المطاف، فهناك دائما فرص للنجاح، والتوفيق بيد الله وحده.

أعزائي أولياء أمور طلاب الثانوية العامة، أعانكم الله على حملكم، وأرجو أن تجدوا في مقالي تخفيفاً من مخاوفكم.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز