
د. حسام الضمراني يكتب: الطريق إلى جوائز الدولة يبدأ من أسيوط

في صيف عام 1988، أثارت زيارة الفنان عادل إمام إلى أسيوط أهمية كبيرة في وسائل الإعلام الفنية المصرية لتقديم عرض مسرحي لمسرحيته "الواد سيد الشغال" تضامنًا مع فرقة هاويين في الفن، تأسست بواسطة شباب في قرية "كودية الإسلام" بعد أن اعتبرت الجماعات المتطرفة أعضاء الفرقة من الكفار والفاسقين والمارقين، وحاولوا منعهم بالقوة من تقديم عرضهم المسرحي وترويعهم باستخدام العنف والتهديدات.
وعلى الرغم أن محافظة أسيوط مثلها مثل غيرها من المحافظات المصرية، ليست معقلًا للجماعات المتطرفة بشكل عام، ولكنها شهدت نشاطًا من بعض الجماعات الإسلامية، خاصة في العقود الماضية؛ منها أن الجماعة الإسلامية في مصر تأسست في جامعة أسيوط، مما جعلها مرتبطة في ذهن البعض بالمحافظة؛ ولعل الدراسة الوحيدة على حد علمي للباحث محمد جلال توفيق عطا جامعة أسيوط کلية التربية قسم اصول التربية وهي بعنوان "التطرف الفکري لدى طلاب جامعة أسيوط وسبل مواجهته- دراسة ميدانية"؛ والتي تطرقت لدراسة الظاهرة في جامعة اسيوط وخرجت ببعض النتائج من أبرزها أن تطرف الأفكار هو الباعث والمصدر الأساسي للإرهاب المادي، ويعد الشباب هم أهداف دعاة الفكر المتطرف، لذا وجب على الجامعات تحصين طلابها حتى لا يتخطفهم دعاة الفكر الضال، وكذلك السعي الدؤوب من جامعة أسيوط لشغل أوقات فراغ طلابها وبخاصة أثناء فترات الإجازات بالمعسكرات، والرحلات، والندوات، واللقاءات التثقيفية؛ بغرض التصدى للفكر المتطرف.
منذ عام 1988 أي منذ حوالي 37 عاما؛ وإلي يومنا شهدت محافظة أسيوط وقراها أفولاً ثقافياً برز في العديد من الأحداث منها على سبيل المثال لا الحصر غلق محافظ أسيوط الأسبق محمد عثمان سينما اسيوط الصيفى، وكذلك غلق سينما اسيوط الشتوى؛ وما شهدته المحافظة كباقى محافظات صعيد مصر من تهميش اقتصادي واجتماعي جعلها في صدار المحافظات الأكثر فقراً حتي جاءت ثورة 30 من يونيو 2013؛ والتي خرج فيها ملايين المصريين ضد حكم جماعة الإخوان الإرهابية الفاشي، وممارساتهم وسياساتهم وأفكارهم المتطرفة التي نسجت خيوطها في محافظات مصر منذ عقود لتصبح بمثابة نقاط أو بؤر متطرفة قابلة للتفجير في أي لحظة إلا أن وعي الشعب المصري وقيادته الحكيمة أستطاعت أن تحول كل هذه البؤر المتطرفة لمحطات تنموية خاصة ما صاحبها من مبادرات أطلقتها الدولة ودعمتها القيادت السياسية بإنحياز كامل بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ ومنها مبادرة حياة كريمة التي أطلقها الرئيس في ٢ يناير عام ٢٠١٩ لتحسين مستوى الحياة للفئات المجتمعية الأكثر احتياجًا على مستوى الدولة ، كما تسهم في الارتقاء بمستوى الخدمات اليومية المقدمة للمواطنين الأكثر احتياجًا وبخاصة في القرى، وما تتضمنه من تركيز على مجالات مثل الرعاية الصحية وتقديم الخدمات الطبية والعمليات الجراحية، وصرف أجهزة تعويضية، فضلًا عن تنمية القرى الأكثر احتياجًا وفقًا لخريطة الفقر، وتوفير فرص عمل بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة في القرى والمناطق الأكثر احتياجًا، وتجهيز الفتيات اليتيمات للزواج؛ وأثر تلك المبادرة الكبير في محافظة أسيوط التي كانت بالنسبة لها طوق نجاة خاصة وأن 13 قرية يقطنها 116 الفا و414 مواطنا في أسيوط تحت خط الفقر؛ بحسب الإحصائيات.
ثمار مبادرة "حياة كريمة" لم تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي للمواطنين في أسيوط وحسب بل تلمس قاطنيها أثر ذلك التغيير على المستويين الثقافي والمجتمعي خاصة عند الأجيال الجديدة من الأطفال والنشء والمراهقين وجيلي " ألفا" المولودون في الفترة بين عامي 2011 و 2024، ويُعتبرون الجيل الذي يتبع الجيل "زد" وهو الجيل الذي يسبق الجيل ألفا، ويضم الأشخاص المولودين بين عامي 1997 و 2012؛ حيث تعظيم قيم مثل الإنتماء، والوفاء، والولاء، والتعاون، والتضحية، والاعتزاز بالهوية وهو تلمسته عندما صرح وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو مؤخراً أثناء إعلانه أسماء الفائزين بجائزة الدولة للمبدع الصغير في دورتها الخامسة إلى أن محافظة أسيوط تصدرت عدد المتقدمين بإجمالي 1116 مشاركًا، تلتها القاهرة بـ779، ثم الإسكندرية بـ487، وهو تصريح من التصريحات الصحفية التي توقفت أمامها كثيراً لما يحمله من دلالات حيث التغير المجتمعي الذي شهدته محافظة أسيوط أبرز محافظات صعيد مصر التي كانت الأكثر احتضاناً للجماعات المتطرفة والبؤر الهدامة في السابق لتتحول مع كل حياة كريمة وأثرها المجتمعي والثقافي والاقتصادي الذي تبنته الدولة بكل مؤسساتها لتصبح أكثر محافظات صعيد مصر ترشحاً لجوائز الدولة للمبدع الصغير في مجالات الرواية والقصة والرسم والمسرح والابتكار والتطبيقات الرقمية؛ وغيرها من مجالات الإبداع؛ وهي ملاحظة لم أستطع أغفالها كمتابع للشأن الثقافي وأثره في مجتمعنا المصري من منظور عملى الصحفي والبحثي؛ وهنا أؤكد على أنها البداية.. وأن الطريق إلى جوائز الدولة يبدأ من أسيوط وسينتقل لكاطل ربوع مصر.