د. إيمان ضاهر تكتب: فن الإنصات لصوت روحك

(مقالتي ألهمني مضمونها الإعلامي المفكر الراقي أيمن عبد المجيد)

هو يُخبِرك بكلّ أمر! روحك طاقة الكون في داخلك دون أن تعلم.. الصلابة هي الوجه الآخر لجمال روحك الحقيقي، القوة هي مقياس صبرك وحكمتك، الجهد أن تزهر وأنت في قلب الالم. من هم جميلو الروح؟ جميلو الروح ليسوا أعداء أنفسهم، وليسوا أعداء لأحد، هم سلام، هم محبّة، هم جمال، هم فرح، هم إنسانية. وأليست قمة الإبداع الروحاني والإنساني  أن نحسن الاصغاء والاستماع لصوت روحنا. قال تعالى: (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون).

وهو أعلى درجات الكمال في فن المحادثة الذي ينشد الروح.  أليست الروح مثل الجوهرة الجميلة؟. طالما انها مخبأة في صدفة، في العمق ، لن يحلم بالإعجاب بها أحد، ولكن إذا اشرقت وتفوقت في شمس الحياة، فإن هذه الدرة تنير وتلفت انظار كل إنسان، لتبقى فسحة من اللطف والطهارة، حسن فضيلة ولها قوام  العالم المتنوع. الروح النقية صافية وعفيفة من السماء، نمد الكف اليها حتى ننالها. فماذا يكمن بداخل كل روح؟  ويجيبنا الشاعر فيكتور هوغو "بداخل هذه الروح   كل مفاتن الكون.     

  الروح كل جمال العالم. اذ افتقدنا بركات الله   عز وجل في عدم صفاء الروح ونقاوتها ذلك لانها  تكون غير مغلفة كما يجب بالصدق والتأمل . التأمل هو من السمات التي تحقق للانسان الصفاء الداخلي والهدوء النفسي والتوازن الحسي والاهم  الروحي من خلال التعرف على الذات. واطأليست الروح القمر والشمس والنجوم وكل عجائب الدنيا؟. فامتلاك روح يعني وجود سر، لان في داخل كل روح   عظيمة كل امر يسير على مايرام، ابنة الجمال والحب كما يعبر الراحل الكبير جبران وان لم تكن خالدة لكان الموت كمينا. فما هي الروح في الإسلام؟  ان الله تبارك وتعالى هو خالق الروح والجسد بل هو جل وعلا خالق كل شيء كما قال سبحانه في كتابه العظيم، مما خلقه ارواحنا واجسادنا.

فالروح امر خاص بالله عز وجل، ذو العرش العظيم،  "وقل الروح من امر ربي، وما اوتيتم من العلم الا قليلا".    "كل نفس ذائقة الموت" قوله تعالى اما الروح فإنها  لا تموت لأننا لا ندرك لغزها وبالتالي فإنها تصعد إلى بارئها أي أن الروح في عالم مجهول لنا. ويردد الشاعر الرومنطيقي لامارتين ومهجة الروح في قلب شعره يناجيها اينما كانت في كل كائنات الدنيا" أيتها الأشياء الجامدة هل لديك روح  تتمسك بأرواحنا وتحبنا بقوة؟   قلوبنا في راحة وارواحنا في صمت وهداية. 

وأليست الروح اكبر من العالم؟  فلنصغي لعبارات الفيلسوف ديموقريطيس عن قدرة الروح في الجسد لأن امتياز الروح يعالج ويصحح هزالة الجسد، بينما تعجز قوة البدن عن تقويم الروح واعادتها إلى عرشها الجوهري. فأين كنز السعادة برأي الفيلسوف اليوناني؟  إنه الروح. والروح مقر النعيم وليس الغنى والترف وامتلاك الذهب.

فكل روح تغدو على ما تكبر عليه. "وحده جمال الروح لايقدر عليه الزمان، الروح وجمالها والباقي قسمات تصيبه ندبات ويمضي بالذبول بينما تبقى الروح تتوهج بحرارتها  الإلهية" من جلال الدين الرومي. هل من المنطق رؤية جمال الروح مثل الجسد؟ ويجيبنا الكبير أرسطو "الروح والجسد عالمان ملتصقان وجد مختلفان. لاجسد دون روح وخير الانسان في نشاط الروح المتوافق مع الفضيلة  والعمل الحسن والخصال المكرمة. 

ويتابع، الروح نقية ومضحية ولاتطلب الا المحبة للعيش سوية.  الروح الجميلة الوهاجة لا تناسق مع الذوق السخيف والعلم الزائف الذي يقود حياتنا اليوم. إنها الصادقة والفخورة التي تحضن المشاعر القوية البعيدة عن  المصالح والمواقف التافهة" فالعلم بلا ضمير ما هو  إلا خراب الروح "كما يقول الشاعر رابليه في القرن السادس".  فالحكمة لا تدخل روحا مشوشة انفصلت عن الحب اللامتناهي للكون. وهنا الصراع والغضب والانحراف. وماذا تسأل الروح لكل واحد منا اليوم؟ تسألنا روحنا متأملة بخيبة معترك حياتنا،  تسألنا بعيون حائرة وهائمة تارة، حالمة وطاهرة تارة أخرى، أين نحن؟ تسالنا بشفافية ماء نابعة إن الوجوه أرواح غير مرئية، تدفع غاليا ايجار مسكنها. أحزانها في القاع لا تتقلب، شبيهة بالالات  التي تدوي بالاصوات والايماءات وفقط المظهر زاحفة في الوحل حتى لو تم سحقها. 

وأردد دوما كلمات شاعر الروح فيكتور هوغو   روحنا اذا كانت تيارا راكدا فهي معرضة للموت،  علينا ان نشفيها بالحواس وحواسنا بروحنا حتى لاتكون روحا ميتة. نهاية، وقلمي هو لغةروحي، كما يقول ميغيل سرفانتس. يحلل الروح البشرية التي لاشي يحل  محلها على الاطلاق. النظرة في الروح النقية تجسد  السلاح والكنز العظيم للمرء الفاضل وما يكتمل يكمل التطهير ليس فقط المعاناة ولا التسليم، إنما حقيقة هذا الضوء الابيض الذي يهبط علينا، ينعشنا وينقينا ليحولنا الى بشر حقيقيين ايجابيين  وسعداء. فلنمارس اشكال الترفع للاعلى بالتدريب  الروحي والتأمل الانساني، والابتعاد عن الطمع  والجشع والإحباط، دون الانتقام من الشر،  الانتقام من الشر، فالروح النقية لا تؤمن بالعنف إنما بالخير والصبر والصلاح والغفران والعطاء. وهل يمكن للروحانية ان تساعد البشر على  ايجاد معنى لحياتهم وتحقيق حالة من  الرفاهية العاطفية والعقلية الإبداعية؟  نعم ،" لأن الروح كوب لايمتلىء إلا بالابدية"، نعم، لأن الروح النقية مثل الجوهرة الجميلة.

أستاذة في اللغات والأدب الفرنسي والفن الدرامي، من جامعات السوربون في باريس.