

صبري الديب
"الكويز" يا سادة
على الرغم من تعليق الرئيس الأمريكي للرسوم الجمركية التي فرضها على أغلب دول العالم لمدة 90 يومًا، باستثناء الصين، فإن الواقع الذي لم ينتبه له أحد، أن ترامب خالف بتلك الرسوم اتفاقيات رسمية وافق عليها الكونجرس، مع عدد من دول العالم على رأسها "مصر" ما يجعل تلك الرسوم محل طعن وجدل قانوني خلال الأيام المقبلة.
ففي عام 2004 وقّعت مصر مع الولايات المتحدة اتفاقية حملت اسم "الكويز" تسمح بدخول المنتجات المصرية من الملابس والمنسوجات للأسواق الأمريكية دون جمارك، بشرط أن تشمل مكونات إسرائيلية بنسبة 11.7%، ثم تم تخفيضها في عام 2007 إلى 10.5%، ما قفز بقيمة التبادل التجاري بين القاهرة وواشنطن إلى 9.8 مليار دولار في عام 2024.
وعلى الرغم من التجاوزات الإسرائيلية والالتفاف على بنود الاتفاقية على مدار أكثر من 20 عامًا، فإن القاهرة آثرت الصمت على جني تل أبيب لأرباح غير مشروعة، والاكتفاء ببيع أوراق صورية للمصنعين المصريين، تفيد بتوريد مكونات إسرائيلية بالقيمة التي حددتها الاتفاقية -وليس مكونات صناعية فعلية- ليتم تقديمها للجانب الأمريكي مع كل شحنة.
غير أن الصمت المصري كان سياسيًا بحتًا، حيث فضّلت القاهرة عدم إثارة القضية مع واشنطن، مكتفية بالمردود والامتيازات التي منحتها الاتفاقية لمصر، والتي ارتفعت بقيمة الصادرات لأمريكا في العام الماضي لنحو 3.5 مليار دولار، وظل الحال على ما هو عليه منذ ديسمبر 2004 وحتى صدور رسوم ترامب الجمركية، التي فرضت على المنتجات المصرية رسومًا تقدر بـ10% وتخطت بنود الكويز، وأثارت جدلًا حول مدى قانونية تعطيل الرئيس لاتفاقية دولية أقرها الكونجرس.
الواقع يقول، إنه وفقًا للدستور الأمريكي تعدُّ رسوم ترامب الجديدة على مصر غير دستورية، وتجاوزًا صريحًا من ترامب لصلاحياته الرئاسية التي تلزمه بالفصل بين السلطات، وخرقًا واضحًا للصلاحيات التي منحها الدستور للكونجرس والتي لا يحق لأي رئيس أمريكي تجاوزها.
وعلى الرغم من ضبابية المشهد، الذي يبدو للجميع وكأنه مؤشر لصدام متوقع مع الإدارة الأمريكية، في حالة إقدام ترامب على العودة للكونجرس وإلغاء الكويز، فإنني أرى فيه فرصة قد لا تعوّض في حالة إقدام الحكومة المصرية على فتح حوار مع واشنطن لتوسيع بنود الاتفاقية، وتوسيع الامتيازات الممنوحة للمنتجات المصرية، بدلًا من قصرها على الملابس والمنسوجات، وهو ما أعتقد إمكانية تحقيقه مع إدارة ترامب لأربعة أسباب..
أولها أن الإدارة الأمريكية الحالية سترى في توسيع الاتفاقية مصلحة لابنها المدلل "إسرائيل"، وثانيها أن الميزان التجاري بين القاهر وواشنطن لا يتعارض مع سياسة ترامب المتعلقة بالرسوم الجمركية، وخاصة أنه يميل كثيرًا لصالح أمريكا، وثالثها أن إدارة ترامب منفتحة في الوقت الحالي على التفاوض مع كل دول العالم بشأن الرسوم الجمركية.
أما رابع تلك الأسباب وأهمها، إن هناك اتصالات فعلية تجري منذ فترة بين القاهرة وواشنطن في هذا الشأن، ويمكن لمصر من خلال المفاوضات المباشرة تقريب وجهات النظر بشأن النقاط الخلافية المتعلقة بالمطالب الأمريكية بإزالة بعض المعوقات في قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والشحن الجوي، ومراجعة بعض القيود المتعلقة بحظر استيراد بعض البذور وأجزاء من الدواجن ومتطلبات شهادات الحلال.
دعونا نتفق أن السلوك الإسرائيلي فيما يتعلق بالاستفادة من الاتفاقية ابتزازي للغاية، غير أنه يبتعد بالمصنّعين المصريين عن تطبيع غير مقبول تسعى إليه تل أبيب منذ سنوات، غير أن سعي الحكومة لتوسيع الكويز سيمنح مصر امتيازات تفاضلية تمكّنها من جذب كم هائل من الاستثمارات الأجنبية، في ظل توجهات الشركات العالمية لتنويع سلاسل التوريد بعيدًا عن الصين، والحصول على أفضلية للنفاذ للسوق الأمريكية.. وكفى.