عاجل
الجمعة 11 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
اللغز الإنساني.. ومستقبل الدراما المصرية

اللغز الإنساني.. ومستقبل الدراما المصرية

بعد انتهاء المنافسة الدرامية الرمضانية وحلول الهدوء الدرامي الذي يصل الى حد الصمت، ربما يصبح مع الأسئلة المطروحة علينا بشأن مستقبل الدراما المصرية التأمل الهادئ من أجل المستقبل.  ومع هذا الهدوء الدرامي أود استعادة مناقشة كلمة اليوم العالمي للمسرح والذي عبر في زحام الأيام الماضية، وهي كلمة ذات صلة بمسألة مستقبل الدراما المطروحة على المختصين والتي باتت تشكل اهتماماً واضحاً للشأن العام. 



إذ إن مسألة مستقبل الدراما مسألة ذات صلة بمستقبل المسرح والسينما.  وإذ يجب النظر للثلاثية الدرامية المسرح والسينما والدراما التليفزيونية نظرة شاملة في إطار عملية اصلاح الدراما التليفزيونية.

 

ذلك أن الأخيرة قد صارت بالتدريج ولأسباب عديدة هي المجال الحيوي الأول للفنون التمثيلية والدرامية في مصر، وهي مركز استثمار الملايين ودائرة الاهتمام الاقتصادي مرتفع القيمة المادية في انتاج الفنون التعبيرية.  إذ تم وضع الثقل الدرامي كله في إنتاج الدراما التليفزيونية. بينما تراجع حضور القوة الاقتصادية في إنتاج المسرح والسينما.

 

دعنا نتحدث عن حركة الواقع وتطور إنتاج الفنون التعبيرية لنعود إلى النظام العام الذي كان يحكم عملها.  فحتى منتصف التسعينيات كان المسرح المصري بزخمه وحضوره ونجومه وكتابه ومخرجيه هو الأساس الأول للدراما، وكانت الفنون المسرحية الجميلة بمعناها الجمالي والمعرفي حاضرة في مؤسسة المسرح الرسمية، وكانت الحياة المسرحية مزدهرة في مسرح القطاع الخاص للجمهور المصري والعربي معاً، وكانت ليالي القاهرة والإسكندرية مضاءة بنجوم المسرح وإبداعه وحضوره الجماهيري الكبير.  وكان المسرح هو المجال الحيوي لطرح أسئلة الوجود والقضايا الفكرية الفلسفية وبعض من أنواع المسرح السياسي، وبالتحديد الكوميديا السياسية والتي ازدهرت على وجه الخصوص في المسرح الخاص.

 

كان الفن المسرحي هو المجال الحيوي الأول للحصول على الاعتراف الجماهيري والنقدي والقيمة الاجتماعية للفنانين من الممثلين والكتاب والموسيقيين والتشكيليين وغيرهم، بل وأيضا لدوائر الإنتاج الفني.  وعلى صعيد موازٕ كان الإنتاج السينمائي حاضراً يقوة،

 

وكان مجالا حيويا لما لا يقدم في المسرح، وهي سينما تراوحت بين الفهم المصري لعالم هوليوود في أفلام الحركة، وبين فهم السينما المصرية للواقعية والشخصيات الاستثنائية والشعر في الصورة السينمائية وخصوصية التجارب الإنسانية المصرية العميقة، والعودة لعالم الرواية والأدب المصري بعمقه الإنساني وخصوصيته.  وحظيت الشاشة المصرية السينمائية بتقدير جماهيري مصري وعربي، وبجوائز دولية وءسهمت في الإنجاز الدولي للسينما بين الشرق والغرب، ومثلت حضوراً مصرياً رفيع المستوى حول العالم.  وكانت الدراما التليفزيونية آنذاك تغادر الإمكانيات الأولى البدائية في عالم الفيديو وكان اسمها هكذا في عالم الإنتاج، إنتاج الدراما للفيديو، وهو نظام تصوير كان بدائياً، وقد تطور مع تطور تقنيات العمل التليفزيوني، حتى صنع للدراما التليفزيونية في قطاع الإنتاج التابع للتليفزيون المصري مجداً كبيراً.  وحصل كتاب الدراما التليفزيونية الكبار على مكانة اجتماعية مرموقة، وقد كانت تلك الدراما آنذاك تدور في عالم الدراما الاجتماعية ذات الطابع العائلي مع تعدد أنواعها من دينية واجتماعية ووطنية وكوميدية، إلا أنها كانت تعرف أنها دراما موجهة للعائلة المصرية والعربية، ولذلك خلت تماماً من كل ما كان متوجها في المسرح والسينما آنذاك.  هذا هو النظام الأساسي الذي يجب الاسترشاد به ومحاولة إعادة إنتاجه على أرض الواقع. 

 

جرت مياه كثيرة في النهر وحدثت تطورات تكنولوجيا وتغيرات على أرض الواقع تراجع معها الإنتاج المسرحي والسينمائي في مصر، لصالح الدراما التليفزيونية ومع هذا التراجع الاقتصادي تراجع اهتمام النجوم بالمسرح والسينما معاً، إلا فيما ندر، وهي مسألة خطيرة جداً إذ إن هوليوود لم تحل بديلاً لبروداوي المسرحية، والمسرح الإنجليزي لم يتراجع لصالح إنتاج الدراما التليفزيونية، والدراما التليفزيونية الصينية والتركية والفرنسية لم تصبح بديلا للمسرح والسينما هناك.  وكل العالم الذي امتلك مثل مصر عواصم إنتاج غزير للفنون التعبيرية لا يزال حتى الآن يحافظ على هذا التوازن والنظام العام.  فالمسرح ضرورة للقضايا الفلسفية والوجودية والنقاش السياسي والسينما ضرورة بالعودة للأدب والتسلية معاً، والدراما التليفزيونية لا تزال هي المجال الحيوي للقضايا الاجتماعية ولخطاب العائلة بمستوياتها العمرية المتعددة، لأنها دراما منزلية بالدرجة الاولى، تدخل كل البيوت.  وبالتالي فيجب مراجعة الخلط واستبدال الأدوار ووضع الثقل الاقتصادي المصري كله في الإنتاج التليفزيوني، لصالح الفنون التعبيرية جميعها. 

 

وللخروج من الأزمة الحالية للدراما المصرية، فيجب التأكيد على إعادة النظر في العدد الكبير من الدرامات التي تصنع التشتيت، والعودة للعدد القادر على تحقيق جماعية المشاهدة لصالح الجودة والتنوع.  ولذلك فيجب العودة مجدداً لتأمل كلمة المخرج المسرحي العالمي تيودوروس تيزوبولوس في رسالة المسرح العالمي 2025، إذ يدعو إلى تأمل مسألة الحضور البشري الجماعي المفتقد في صالات ودور العرض المسرحي والسينمائي.  وهو الأمر الذي يمتد إلى حضورنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأنها الوسائل التي تمنحها الأمان في التواصل عبر المسافة التي توفرها في زنازين الفراغ الإلكتروني.  وهكذا يرصد أيضا وعينا الإنساني الذي أصبح في قبضة وسائل الإعلام وشبكات وشركات صناعة الرأي العام والصور الذهنية. 

 

إنه يحذر من التكريس للوحشية عبر الصور الافتراضية، ويدعونا للعودة للطاقة الإنسانية الحضارية الأولى، عبر بناء أساطير معاصرة تدعم الوجود الإنساني عبر قيم الحق والخير والجمال، والتي كانت هي المكون الرئيس للدراما الأولى في بداياتها في المسرح.

 

يبقى المسرح هو الأصل الأول للدراما، ويجب إعادة تأمله، ويجب حقاً تأمل مستقبل الدراما المصرية في ظل تأمل مستقبل المسرح والسينما والفنون الأخرى ذات الصلة في الفنون التعبيرية المصرية.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز