
غزة.. عيدٌ آخر في ظل حرب الإبادة " فيديو"

وكالات
في مخيم الشاطئ للاجئين شمال غرب مدينة غزة، تعد مجموعة من النساء والفتيات كعك العيد "المعمول"، المكون من السميد والعجوة، قبل أن يخبزنه على فرن الحطب، استعدادا لاستقبال عيد الفطر، رغم استمرار حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر 2023، وما خلفته من فقد ودمار.
أم أمجد كيلاني، النازحة من بيت لاهيا شمال القطاع إلى مخيم الشاطئ، تقول: "نصنع كعك العيد في محاولة للحفاظ على الموروث الاجتماعي رغم المعاناة وغياب أي فرحة بالعيد". وبعد أن بدأ المواطنون في القطاع بلملمة جراحهم عقب "اتفاق وقف إطلاق النار" في 19يناير الماضي، إلا أن الاحتلال استأنف حرب الإبادة في 18مارس الماضي، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 900 مواطن وإصابة نحو 2000 آخرين، معظمهم أطفال ونساء.
يقترب عيد الفطر، لكنه يمرّ على غزة كأنه يوم آخر من أيام الحرب الطويلة، دون زينة، دون فرح، دون أي من تلك الطقوس التي كانت تمنح العيد بهجته. ولا تكاد تسمع ضحكات الأطفال بين الوجوه المتعبة، والعيون التي أرهقتها الدموع، والأجساد التي أنهكها الجوع والانتظار. منذ استئناف الحرب، لم يعد هناك سوى أخبار الموت والدمار، وأصبحت غزة مدينة تغرق في الحزن، بينما يعيش أهلها على أملٍ يتلاشى مع كل فجر جديد. - أحلام تحت الركام محمد مطر، صاحب مشغل خياطة، يستعيد بمرارة الأيام التي كان فيها العيد موسم الرزق والحياة. يقول لـ"وفا" : "كنا نعمل ليل نهار، بالكاد نجد وقتًا للراحة، فالطلبات كانت كثيرة، والحركة التجارية مزدهرة، خصوصًا في موسم الأعياد". لكنه يتوقف قليلًا، يغصّ بكلماته، ثم يضيف بصوت منكسر: "اليوم، لم يبقَ شيء… المشغل احترق بالكامل بعد اجتياح الاحتلال بيت لاهيا، ومعه احترقت أحلام ثلاثين موظفًا كانوا يعيلون عائلاتهم من هذا العمل".
ولم تقتصر خسارة مطر على مصدر رزقه فقط، بل امتدت لتشمل أحبته: "استشهد أخي وابنته في قصف بيت اختي الذي لجأوا إليه بحثًا عن الأمان، لكن حتى الأمان صار وهمًا في هذه المدينة المحترقة". - أسواق خاوية وشوارع حزينة
ليس بعيدًا عن مشغل محمد، كان علاء مطر، الأخ الأصغر، يدير معرضًا للملابس في حي الرمال، أحد أرقى أحياء غزة. لكنه، كغيره من أصحاب المحلات، اضطر إلى إغلاقه منذ أكثر من عام ونصف. يقول بأسى: "كنا نستورد أجمل الملابس للأطفال، وخصوصًا في الأعياد، لكن هذا العيد الثاني على التوالي الذي نعيش فيه دون تجارة، دون رزق، دون أمل". ويقول إن كل ما أدخر خلال سنوات عمله السابقة تبخّر في هذه الحرب الطويلة، ولم يعد يملك شيئًا. "كنّا ننتظر نهاية الحرب لنحاول الوقوف مجددًا، لكن الأمور تزداد سوءًا، وكل يوم نفقد شيئًا آخر… حتى الأمل لم يعد فينا".
- أطفال بلا عيد، عائلات بلا طعام
هالة جادالله، أمٌ نازحة تعيش مع زوجها وأطفالها في خيمة، تجلس على الأرض، تنظر إلى صغارها الذين فقدوا حتى أبسط حقوقهم. تحكي بحزن: "هذا أول عيد لا يطلب فيه أطفالي ملابس جديدة، ولا حتى حلوى. كانوا يفرحون بالعيد، يسألون عن العيدية، لكن اليوم، كل ما يطلبونه هو طعام غير المعلبات، طعام يشعرهم بأنهم ما زالوا بشرًا". لكن حتى هذا الطلب البسيط لم يعد ممكنًا، فزوجها بالكاد يستطيع تأمين قوت اليوم، بعد أن ارتفعت الأسعار بشكل جنوني وأصبحت معظم العائلات غير قادرة على شراء الطعام. أما حسن أبو لبدة، فيحاول جاهدًا أن يجد ملابس لأطفاله في السوق، لكنه لم يجد شيئًا. "الأسواق فارغة، والحياة أصبحت كئيبة. لم نعد نرى أي ازدحام كما كان يحدث في الأعياد السابقة، الناس باتت تمشي في الشوارع بلا هدف، وكأنها تبحث عن شيء فقدته للأبد". ثم يضيف بصوت يملؤه الألم: "حتى من كان يتصدق على الفقراء لم يعد يملك ما يتصدق به، فالجميع أصبح محتاجًا، الجميع أصبح فقيرًا بسبب هذه الحرب التي استنزفتنا جميعًا". - عيد بلا ملامح، غزة بلا حياة
فتحي أبو شاب، العيد بالنسبة له مناسبة يمنح فيها الفرح لعائلته، لكنه يجد نفسه هذا العام عاجزًا عن القيام بذلك. يقول بحسرة: "ماذا سأفعل هذا العيد وأنا لا أملك أي نقود لأعيّد أخواتي وأبنائي وأولاد إخوتي؟ كانوا ينتظرون العيد كل سنة، وأنا كنت أنتظره معهم، لأمنحهم بعض الفرح. أما اليوم، فأنا بلا عمل، بلا مال، بلا قدرة على إسعادهم". كان أبو شاب يعتمد على التكايا والمساعدات، لكن منذ استئناف الحرب، لم تعد تصل أي مساعدات بسبب الحصار المشدد على غزة. ويضيف بصوت يختلط بالألم: "زوجتي مريضة، ولم أستطع حتى توفير الدواء لها، ووالدتي أصيبت منذ أيام بجلطة دماغية بسبب الهلع من القصف، وهي الآن ترقد في مستشفى ناصر بمدينة خانيونس". كلمات أبو شاب تختصر حال آلاف العائلات في غزة، التي تحولت أعيادها إلى أيام من المعاناة والحرمان. وخلّفت حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة أكثر من 164 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل.