
المهندس أمجد المناوي يكتب.. حين يلتقي القدر بطريق الموت

في لحظاتٍ قد تَصعب على الكلمات وصفها حيث يتوقف الزمن، وتُترك القلوب غارقة في وجع لا يزول؛ لحظات لا تملك أمامها سوى الصمت، لأن الألم فيها أكبر من أن يُحكى، والمأساة فيها أثقل من أن تُحتمل.
في حادث مؤلم اهتزت له القلوب، فقدنا الدكتور حمدي وخطيبته الدكتورة أسماء إثر انقلاب سيارتهما المفاجئ بالبحر الجديد بإحدى مدن محافظة الدقهلية.. شابان في مقتبل العمر، كانا يخطوان أولى خطوات حياتهما معًا، ينسجان أحلامهما المشتركة، يخططان لمستقبل يملؤه الأمل والطموح؛ لكن القدر كان له رأي آخر… ففي لحظة مباغتة، انقلبت السيارة، وانطفأت الأحلام، وابتلع الطريق أرواحًا لم تكن مستعدة للرحيل بعد.
كيف يمكن للحياة أن تنقلب في ثانية؟ وكيف يمكن للضحكات أن تتحول إلى دموع، وللأحلام أن تصبح مجرد ذكريات، وللقلوب التي كانت تنبض بالأمل أن تتحول إلى أخبار حزينة يتداولها الناس؟
كانا عائدين من يوم عمل طويل، منهكين لكن سعداء، يسرقان لحظات من الحياة وسط انشغالاتهما، يتحدثان عن الغد، عن بيت دافئ يجمعهما، عن تفاصيل صغيرة لا تعني شيئًا لغيرهما لكنها كانت تعني لهما كل شيء؛ لم يدركا أن القدر قد كتب النهاية قبل أن تكتمل الحكاية، وأن الرحلة التي بدت عادية كانت الأخيرة، وأن اللقاء المنتظر لم يعد ممكنًا.
لحظة واحدة كانت كافية لتبدل المشهد بالكامل.. من ضحكات متبادلة إلى صمت مطبق، من حياة تمضي بتفاصيلها الصغيرة إلى خبر صادم يهز القلوب؛ لا وقت للوداع، لا فرصة أخيرة، لا كلمات تُقال… فقط الرحيل المفاجئ الذي يترك وراءه فجوة لا تملؤها الأيام.
وعلى الرغم من الاستغاثات المتكررة والمطالبات المستمرة من الأهالي، ورغم وعود المسؤولين وأعضاء مجلس النواب برفع كفاءة هذا الطريق، إلا أن الواقع لم يشهد أي تغيير حقيقي يُنقذ الأرواح التي تُزهق بشكل مستمر؛ فلا يزال الطريق يفتقر إلى الحد الأدنى من معايير السلامة، ليبقى مصيدة للمارة والسائقين، يختطف الأحبة دون سابق إنذار، فيما تظل قصص ضحاياه مجرد أرقام تتلاشى وسط زحام الحياة.
إن توفير بيئة طرق آمنة لم يعد خيارًا، بل ضرورة تفرضها المسؤولية تجاه كل من يسير عليها؛ يجب أن تُخصص الموارد الكافية لتحسين البنية التحتية، وتزويد الطرق بوسائل الأمان اللازمة، مع وضع جدول زمني واضح لصيانتها الدورية وتحديد النقاط الأكثر خطورة لإصلاحها بشكل عاجل؛ كل خطوة تُتخذ في هذا الاتجاه قد تعني حياة جديدة تُنقذ، وشابًا يعود إلى منزله سالمًا بدلًا من أن يكون مجرد ذكرى موجعة في قلوب أحبّته.
ما زال هناك المزيد لنفعله، مزيد من الخطوات التي يمكن أن تمنع تكرار هذه المآسي، مزيد من الإجراءات التي تحفظ أرواح العابرين حتى لا يصبح الطريق مقبرة أخرى للأحلام.
ليست المطالبة بالسلامة رفاهية، بل حق لكل من يسير على هذه الطرق، حق لكل أم تُودع ابنها صباحًا وتنتظر عودته، حق لكل أب يطمح أن يرى أبناءه يحققون أحلامهم، حق لكل شاب يحلم بمستقبل لم يحن وقته بعد.
تخيلوا أما تنتظر ابنها ليفطر معها، لكن بدلاً من ذلك تفطر على دموعها بعد أن وصلها الخبر؛ تخيلوا أبًا كان يخطط ليوم زفاف ابنته، فانتهى به الحال حاملاً النعش على كتفيه؛ تخيلوا عائلة كانت تجهز منزلًا جديدًا للعروسين، فأصبحت تجهز قبرين متجاورين بدلاً من ذلك؛ كم هو قاسٍ الفقد حين يأتي بلا مقدمات، حين يسرق منا من نحب دون إنذار، حين يتركنا في منتصف الطريق نحمل الذكريات وحدها!
خلاصة القول.. رحل حمدي ورحلت أسماء، لكن وجعهما باقٍ، والدموع لم تجف، والفراغ الذي تركاه لن يُملأ أبدًا؛ لن يعودا، لكن ربما يكون رحيلهما رسالة، جرس إنذار، صوتًا يصرخ نيابة عن كل من سبقوهما، بأن الوقت قد حان لجعل الطرق أكثر أمانًا، بأن كل خطوة تُتخذ لإنقاذ روح واحدة تستحق أن تكون أولوية.
رحم الله تلك الأرواح الطيبة، وأسكنهما فسيح جناته، وألهم أهلهما الصبر والسلوان؛ وليكن رحيلهما صرخة توقظ القلوب، حتى لا نفقد مزيدًا من الأحبة في طرقٍ لا تعرف الرحمة.