عاجل
الثلاثاء 11 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

المهندس أمجد المناوي يكتب: رمضان والتكافل الاجتماعي: حين تلتقي العبادة بالعطاء

يُعد شهر رمضان من أعظم الشهور في حياة المسلمين، فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، وفرصة عظيمة للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى؛ لكنه لا يقتصر على الصيام فقط، بل هو رحلة إيمانية وروحية تهذب النفس، وتوقظ الضمير، وتطهر القلب؛ خلال هذا الشهر الفضيل، تعم الأجواء الروحانية، وتكثر العبادات، حيث تزدحم المساجد بالمصلين في صلاة التراويح، ويزداد الإقبال على تلاوة القرآن الكريم بتدبر وتمعن، ويشعر المسلمون في رمضان بالقرب أكثر من الله، وتسود بينهم مشاعر الطمأنينة والسلام الداخلي.



لكن إلى جانب البعد الروحي، يحمل رمضان رسالة اجتماعية وإنسانية عظيمة، حيث يرسّخ في النفوس قيم التكافل والتضامن، ويذكّر المسلمين بمعاناة الفقراء والمحتاجين الذين يكافحون يوميًا لتأمين احتياجاتهم الأساسية؛ هذا الإحساس بالآخرين يُعمّق الشعور بالمسؤولية المجتمعية ويحثّ على تقديم يد العون لمن هم في أمسّ الحاجة إليها.

 

ويُعرف رمضان بأنه شهر العطاء والكرم، حيث يحرص المسلمون على مضاعفة أعمال الخير والبذل بسخاء؛ ولا يقتصر العطاء على المال فقط، بل يمتد ليشمل الجهد والوقت والمشاعر الصادقة تجاه الآخرين، وتزداد خلال هذا الشهر المبارك المبادرات الإنسانية، حيث يسارع الناس إلى إخراج الزكاة والصدقات، وتنطلق حملات التبرع لجمع المساعدات الغذائية وتوزيعها على الأسر المحتاجة؛ هذه الأعمال الخيرية لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تشارك فيها الجمعيات الخيرية والمؤسسات، مما يعزز قيم العدالة الاجتماعية، ويجعل من رمضان موسمًا لترسيخ مبادئ التراحم والتعاون بين الجميع.

 

ومن أبرز مظاهر التكافل التي يشهدها رمضان، موائد الإفطار الجماعي التي تجمع الناس من مختلف الطبقات الاجتماعية، حيث يجلس الغني بجانب الفقير، ويتشارك الجميع الطعام بروح المحبة والأخوة؛ مثل هذه المبادرات لا تقتصر على المساجد أو الأماكن العامة، بل تمتد إلى البيوت، حيث يحرص الكثيرون على دعوة الأقارب والجيران والأصدقاء لموائد الإفطار، مما يعزز من صلة الأرحام ويقوّي العلاقات الاجتماعية.

 

إلى جانب ذلك، تنتشر حملات تجهيز وتوزيع وجبات الإفطار على الصائمين في الطرقات والمستشفيات والمناطق الفقيرة، وهي من أروع صور التضامن التي تعكس روح رمضان الحقيقية؛ كما تشهد الأسواق حركة اقتصادية نشطة، حيث يسعى التجار والمحال التجارية إلى تقديم خصومات وتخفيضات على السلع الغذائية لمساعدة الناس على تلبية احتياجاتهم خلال الشهر الفضيل.

ورمضان أيضا ليس مجرد شهر للصيام والعبادة، بل هو فرصة حقيقية للتغيير على المستويين الفردي والمجتمعي؛ فهو يعزز من شعور الإنسان بالسلام الداخلي، ويزيد من تقواه واستعانته بالله، ويحثه على مراجعة نفسه وأعماله، والتخلي عن العادات السيئة؛ كما يشجّع على تبني سلوكيات إيجابية مثل الصبر، والتسامح، والإحسان، والعفو عن الآخرين.

علاوة على ذلك، يخلق رمضان بيئة مثالية لتوطيد العلاقات الاجتماعية وتقوية الروابط الأسرية، حيث يجتمع أفراد العائلة على مائدة الإفطار، ويتشاركون لحظات من الودّ والتقارب، مما يعزز من التماسك العائلي؛ كما يتيح فرصة للتواصل مع الجيران والأصدقاء بطرق أكثر دفئًا وإنسانية.

خلاصة القول.. يظل رمضان شهرًا ننتظره بشوق، ونستقبله بقلوب مليئة بالأمل والمحبة، فهو ليس مجرد فترة زمنية، بل تجربة روحية وإنسانية تعلّمنا كيف يكون للعطاء قيمة، وكيف يمكن للعبادة أن تمتزج بالإحسان، فيتحقق بذلك المعنى الحقيقي للصيام، ليس فقط بالامتناع عن الطعام والشراب، وإنما بتهذيب الروح وترسيخ قيم الخير والتكافل في المجتمع.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز