المهندس أمجد المناوي يكتب: دور المسنين بين الرعاية والعقوق
تشكل دور رعاية المسنين في العالم العربي قضية مثيرة للجدل، وتثير استنكار شريحة واسعة من المجتمع، حيث يرفضها الكثيرون معتبرين أنها من أشكال العقوق للوالدين، وتقويضًا للقيم العائلية التي تقوم على رعاية الوالدين داخل الأسرة؛ بينما يرى البعض أنها ملاذ آمن وحل ضروري لضمان رعاية صحية واجتماعية متخصصة لكبار السن في حال انشغال الأبناء؛ فهل تمثل هذه الدور ملاذًا آمنًا وحلًا إنسانيًا لضمان حياة كريمة لكبار السن، أم أنها تعكس تراجع القيم الأسرية وتعد شكلًا من أشكال العقوق؟
وجهة نظر المؤيدين لإنشاء دور المسنين
يؤكد المؤيدون أن بعض الحالات تستدعي توفير رعاية متخصصة قد لا تتمكن الأسرة من تقديمها، خاصة إذا كان كبار السن يعانون من مشكلات صحية معقدة أو إعاقات جسدية تتطلب متابعة طبية مستمرة؛ كما أن انشغال الأبناء بالعمل وضغوط الحياة اليومية قد يجعل من الصعب عليهم توفير الرعاية اللازمة في المنزل، فضلًا عن التحديات الاقتصادية التي قد تواجه بعض الأسر في تأمين متطلبات المسن الصحية.
وفي هذه الحالة، توفر دور الرعاية بيئة آمنة تلبي احتياجات كبار السن، سواء من حيث الدعم الطبي أو النفسي، مما يسهم في تحسين جودة حياتهم؛ كما أن هذه الدور لا تقتصر على تقديم الخدمات الصحية، بل تتيح فرصًا للتفاعل الاجتماعي، مما يقلل من شعور المسنين بالعزلة ويخفف العبء النفسي على العائلة.
وجهة نظر المعارضين لإنشاء دور المسنين
يرى المعارضون أن رعاية الوالدين واجب أخلاقي وديني يقع على عاتق الأبناء، وأن وجود كبار السن داخل الأسرة يعزز الترابط العائلي، حيث يرون فيهم مصدرا للحكمة والخبرة وترسيخا للقيم العائلية ونقل المعرفة من جيل لآخر؛ ويعتبرون أن إيداع الوالدين في دار رعاية، خاصة إذا كان بدافع التخلص من المسؤولية، يعد شكلًا من أشكال العقوق؛ لأنها أيضا تتعارض مع القيم الأسرية التي تتمحور حول بر الوالدين.
كما يعبر المعارضون عن مخاوفهم من أن يؤدي العيش في دور الرعاية إلى شعور المسنين بالعزلة ويفتقرون إلى الدعم العاطفي الذي يمكن أن توفره الأسرة؛ حيث أنه كثيرا ما يُنظر إلى هذه الدور على أنها بيئات خالية من الحب والاهتمام الذي يتلقاه المسن في منزله؛ بالإضافة إلى ذلك، هناك قلق بشأن جودة الرعاية المقدمة، فضلًا عن التكاليف المالية المرتفعة للخدمات الطبية المقدمة التي قد ترهق الأسر.
خلاصة القول.. إن دور رعاية المسنين وُجدت في الأساس لمن ليس لديهم أهل أو أبناء، أو لمن تتطلب حالتهم الصحية رعاية خاصة تفوق قدرة الأبناء على تلبيتها في المنزل؛ لذا، فإن دور رعاية المسنين ليست شرًا مطلقًا ولا خيرًا مطلقًا، وإنما هي حل يمكن اللجوء إليه في الحالات التي تستدعي ذلك، خاصة عندما تتطلب الحالة الصحية للمسن رعاية متخصصة تفوق إمكانيات الأسرة؛ ومع ذلك، فإن واجب الأبناء يظل قائمًا في جميع الأحوال، سواء من خلال تقديم الرعاية بأنفسهم أو ضمان حصول آبائهم على أفضل معاملة ممكنة، مع الحرص على زيارتهم والتواصل معهم باستمرار حتى لا يشعروا بأنهم قد أُهملوا أو تُركوا لمصيرهم.
















