
محمود كرم يكتب: خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين غير واقعية

تعد قضية الفلسطينية من أكثر القضايا تعقيداً في الصراع الشرق أوسطي، وقد شهدت تطورات عدة على مر السنين، بما في ذلك اقتراحات وخطط تهدف إلى التغيير الجذري في التركيبة السكانية للمنطقة، آخرها خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي تهدف إلى إفراغ قطاع غزة من السكان تحت ذرائع عدة تتراوح بين إنسانية واقتصادية.
فكرة تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين ليست وليدة اليوم، بل هي فكرة راسخة في أذهان الاحتلال، منذ نشأة الحركة الصهيونية آواخر القرن التاسع عشر، حيث كان ثيودور هرتزل، مؤسس الحركة والأب الروحي لدولة اليهودية، يعتقد أن السيطرة على الأرض تتطلب نهجًا يستهدف تقليل الفلسطينيين القاطنين فيها وذلك عبر آليتين رئيسيتين هما الإبعاد القسري وتشجيع الهجرة الطوعية.
ولا شك أن فكرة تهجير الفلسطينيين من أقذر وأبشع الأفكار التي يمكن تخيلها، وتثير معها الكثير من التساؤلات والجدال حول مدى نجاح هذا المخطط البغيض. يبدو أن السلوك الأمريكي في تعاطيه مع المشهد الفلسطيني يعكس موقفاً يُظهر عدم احترام للتاريخ والثقافة الفلسطينية، فالحديث عن إفراغ غزة من سكانها يتناقض مع حق الفلسطينيين التاريخي في أرضهم، فالشعب الفلسطيني ليس مجرد مجموعة من السكان يمكن نقلهم من مكان إلى آخر بقرار سياسي، خاصة أن لهم تاريخاً طويلاً وعميقاً في الأرض التي يعيشون فيها، حيث ترتبط هويتهم الوطنية والإنسانية بتلك الأرض، وعليه فإن الحديث عن تهجيرهم يفتقر إلى الفهم العميق للترسيمات الاجتماعية والسياسية على الأرض، كما أنه يتجاهل أيضا التاريخ المرير الذي شهدته القضية الفلسطينية. علاوة على ذلك، تعكس فكرة التهجير تجاهلًا تامًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، فالاتفاقيات والمعاهدات التي تحثّ على حماية الحقوق الإنسانية للأفراد والشعوب توضح بشكل قاطع أن التهجير القسري هو انتهاك صارخ لتلك الحقوق.
أيضاً أي محاولة لفرض التهجير القسري، ستقابل برد قوي من قبل حركة حماس، مما سيؤدي إلى وقوع خسائر بشرية ومادية كبيرة في صفوف القوات المهاجمة، في معارك قد تستمر لسنوات طويلة دون نجاح مضمون، وفي حالة تشجيع الهجرة الطوعية لن تُخرج إلا جزءاً محدودا من الفلسطينيين من قطاع غزة، وسيبقى في غزة الفئات الأكثر تمسكا بالمقاومة، مما يزيد قوة المقاومة في مواجهة الاحتلال.
ولو فرضنا جدلاً أن الولايات المتحدة، نجحت في تنفيذ مشروع ترامب، فإن ذلك لن يؤدي بالضرورة إلى إنهاء الصراع؛ بل على العكس، من المتوقع أن يؤدي إلى تفاقم الوضع وزيادة التوترات، إذا افترضنا أن الفلسطينيين هاجروا من غزة إلى الدول المجاورة، فإن ذلك لا يعني إنهاء الصراع، حيث تؤكد التجارب التاريخية أن حالة التهجير لا تعني الاستسلام بل تُعتبر بداية جديدة من العمل والنضال، فعندما هُجر الفلسطينيون في الستينيات والسبعينيات، لم يبقوا ساكتين، بل نشطوا في العمل المسلح والنضالي عبر عدة دول، حيث تم تنظيم صفوف المقاومة واستقطاب الدعم العربي والدولي.
إضافة إلى ذلك، إن التهجير يدفع الفلسطينيين إلى توحيد صفوفهم وإيجاد وسائل جديدة للتعبير عن مقاومتهم ومطالبهم، سواء من خلال تشكيل كيانات سياسية جديدة أو عبر انخراطهم في تحالفات واسعة تجمعهم مع حركات المقاومة الأخرى، الأمر هنا لا يتعلق فقط بالمساحات الجغرافية، بل يتعلق بكيفية إعادة تشكيل الهوية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، فعندما تتسع حدود الفعل المقاوم، تزيد القدرة على التنسيق والتعاون مع قوى أخرى، مما يمكن أن يؤدي إلى تطوير استراتيجيات جديدة لمواجهة التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني.
هذا فضلا عن أن خطة ترامب تقابل برفض عربي واسع، حيث تقف كلا من مصر والأردن والسعودية والأمارات وقطر بقوة ضد مخطط التهجير، إذ أعلنو في المحافل الدولية رفضهم القاطع لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين وتصفية قضيتهم، مؤكدين على وجود خطة بديلة لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، كما أكدت المملكة العربية السعودية، أنها لن تقيم علاقات مع الكيان دون إقامة دولة فلسطينية.
الخلاصة.. خطة ترامب غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، فالقضية الفلسطينية لا تُباع ولا تموت.