10:56 م - الجمعة 7 فبراير 2025
الشيخ محمد مصطفي واعظ بالاوقاف
أكد الشيخ محمد مصطفى صالح سيد، باحث ماجستير وإمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية، ان من اللمحات الإيمانية المتعلقة بشهر شعبان ان جعله الله بمثابة الختام لأعمال السنة، ففيه ترفع أعمال السنة.
عن أُسَامَة بْن زَيْدٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: (. . . . . . هُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ). ()
ولفت الشيخ محمد مصطفى ان هناك وقفة تربوية حيث ان شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك وحصاد أعمالك عن هذا العام، فبم سيُختم عامك؟ ثم ما الحال الذي تحب أن يراك الله عليه وقت رفع الأعمال؟
إنها لحظة حاسمة في تاريخ المرء، حين تصعد الملائكة بحصاد عامه كله، لتعرض هذه الأعمال على الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}()
فهل تحب أن يرفع عملك وأنت في طاعة لله وثبات على دينه وفي إخلاص وعمل واجتهاد وتضحية، أم تقبل أن يرفع عملك وأنت في سكون وضعف همة وقلة بذل وإعراض عن الله؟. . . . . . . راجع نفسك – أخي المسلم - وبادر بالأعمال الصالحة قبل رفعها إلى الله في شهر رفع الأعمال، واعلم أن (اللهَ تعالى طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا). ()
اللمحة الثانية - خصَّه النبيُّ ﷺ بمزيد صيام واجتهاد
عن عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قالت: كَانَ أَحَبَّ الشُّهُورِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺأَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانُ، بَلْ كَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ. ()
وطرح الشيخ مصطفى سؤالا هل تُحب ما أحبَّ رسول الله ﷺ ، وهل تجد في نفسك الشوق لهذا الشهر كما وجَدَه النبي ﷺ إنه الاختبار العملي والمعيار الحقيقي لمحبة النبي ﷺحين ترى نفسك تحب ما يحب الله ورسوله وتشتاق إلى ما يشتاق إليه وتحذو حذوه وتسير على دربه.
وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺاسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا
مِنْهُ فِي شَعْبَانَ. ()
وفي لفظ: كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا. ()
واستكمل واعظ الأوقاف اللمحة الثالثة -والتي أكد فيها ان اللهُ خص نبيه بليلةٍ كريمة يطَّلعُ الله فيها على عباده فيغفر لكل موحِّد غير حاقد ولا مشاحن
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ). ()
وعَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (يَطْلُعُ اللهُ عَلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْهِلُ الْكَافِرِينَ، وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدْعُوهُ). ()
وقفة تربوية: ليلة النصف من شعبان فرصة عظيمة
- لكل مخطئ ومقصر في حق الله لأن يعود ويُنيب {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ}()
- وهي فرصة لمحو الأحقاد من القلوب تجاه إخواننا، فلا مكان هنا لمشاحن وحاقد وحسود، وليكن شعارنا جميعا قوله تعالى: { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ()
قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس، والنصيحة للأمة وبهذه الخصال بلغ مَن بلغ لا بكثرة الاجتهاد في الصوم والصلاة. ()
- وهي فرصة لكل من وقع في معصية أو ذنب مهما كان حجمه، أن يحسن الظنَّ بربه العظيم، الذي لا يتعاظمه ذنبٌ أن يغفره مهما كان هذا الذنب، لذلك نادى على عباده قائلا {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّه
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} ()
وفَتَحَ لهم أبواب رحمته ورجاءه فقال: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً). ()
شد الشيخ محمد الهادي أهمية تهيئة النفس في شهر شعبان، مؤكدةً أن الأيام المباركة تقترب بشغف بشهر رمضان، شهر القرآن. وأشارت إلى أن شهر شعبان له مذاق خاص، حيث يستبشر المسلمون بقدومه، مستشهدةً بقول الله تعالى: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ".
وأوضحت رئيس قسم أصول اللغة أن شهر شعبان يحمل وقفات تربوية هامة، فهو شهر عرض الأعمال على الله، ويبدأ فيه عام جديد لتسجيل الأعمال. وهو شهر الاطلاع على القلوب، حيث يغفر الله لعباده الموحدين، باستثناء المتخاصمين والمشركين. وأكدت على أهمية التذلل لله في هذا الشهر، مشيرةً إلى أن من ينجح في استغلاله قد يدرك ليلة القدر.
وفي ذات السياق، أشارت د. سمحاء أبو العطا إلى أن شهر شعبان هو موسم الطاعات، وأن النبي ﷺ كان يكثر من الصيام فيه، وهو يهيئ النفس لاستقبال رمضان. فشهر رجب هو شهر الزرع، وشعبان هو شهر سقي الزرع، بينما رمضان هو شهر حصاد الزرع. وأكدت أن من لم يزرع في رجب ولم يسقِ في شعبان، فلن يحصد في رمضان.
كما تناولت د. سمحاء أبو العطا موضوع رفع الأعمال في شهر شعبان، موضحةً الفرق بينه وبين رفع الأعمال في يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع. وتطرقت أيضًا إلى الأحكام الفقهية المتعلقة بشهر شعبان، مثل تأخير قضاء أيام من رمضان إلى النصف الثاني من شعبان، وحكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان.
من جهتها، أكدت د. حياة حسين العيسوي أن سبب كثرة صيام النبي ﷺ في شعبان هو غفلة الناس فيه. وأشارت إلى أن العبادة في زمن الغفلة تحمل مزايا كثيرة، فهي تعكس حياة القلب وتعلقه بالله. واعتبرت أن العمل في الخفاء، بعيدًا عن أعين الناس، يكون أكثر قبولًا عند الله، فطاعة السر مفضلة على طاعة العلن، كفضل صدقة السر على صدقة العلانية. وأوضحت أن أمنا عائشة رضي الله عنها كانت تقضي صيام ما فاتها في شعبان حينما كان سيدنا محمد ﷺ يصوم فيه، مما يعكس أهمية مشاركة الزوج في الطاعات، حيث كانت تشجع على الطاعة والترغيب فيها.