
حرب «الجمارك» تهدد الاقتصاد العالمى

كتبت - وسام النحراوى
لم يتأخر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب العائد إلى البيت الأبيض، فى تنفيذ وعده الانتخابى، بفرض رسوم جمركية على الشركاء التجاريين الأهم للولايات المتحدة، حيث ستلقى تلك «الحرب التجارية» بظلالها على الاقتصاد العالمى الذي لم يتعاف بعد من أزمة جائحة فيروس كورونا.
ونفذ «ترامب» وعده بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك والصين، ردًا على المهاجرين وتجارة المخدرات، التي يقول إنها تدخل الولايات المتحدة من تلك الدول، حيث وقع على ثلاثة أوامر تنفيذية تفرض رسومًا جمركية بنسبة 25٪ على جميع السلع من كندا والمكسيك، ورسومًا جمركية بنسبة 10٪ على كل من صادرات النفط الكندية والسلع الصينية، وتم تأجيل التنفيذ لشهر لكلٍ من كندا والمكسيك.
جدير بالذكر، أن التعريفة هى ضريبة تفرض على السلع الأجنبية المستوردة إلى بلد ما، والولايات المتحدة حاليًا هى أكبر مستورد للسلع فى العالم، ففى عام 2022 بلغ إجمالى قيمة السلع المستوردة فى الولايات المتحدة 3.2 تريليون دولار.
وسيؤدى فرض تعريفات جمركية على جميع الواردات من المكسيك وكندا، إلى ارتفاع الأسعار، خاصة أن كندا هى مصدر رئيسى للنفط الخام، فى حين تُصدر المكسيك العديد من الفواكه والخضروات الطازجة، كما أنها أيضًا أكبر مصدر لقطع غيار السيارات إلى الولايات المتحدة، والصين هى مصدر رئيسى للرقائق المستخدمة فى الإلكترونيات مثل الهواتف وأجهزة الكمبيوتر المحمولة.
وفى المجمل، استوردت الولايات المتحدة سلعًا بقيمة 1.2 تريليون دولار من كندا والمكسيك والصين مجتمعة فى عام 2023.
وتقدر مؤسسة الضرائب، وهى مؤسسة بحثية، أن فرض تعريفة بنسبة 25٪ على المكسيك وكندا وتعريفة بنسبة 10٪ على الصين، كضريبة، من شأنه أن يزيد الضرائب الإجمالية بمقدار 1.2 تريليون دولار.
وفى نفس السياق، يمنح القانون الفيدرالى الأمريكى الرئيس سلطات واسعة لفرض التعريفات الجمركية دون موافقة الكونجرس، وبالتالى يتمتع «ترامب» بسلطة إعلان حالة طوارئ اقتصادية وطنية لفرض تعريفاته الجمركية.
ويمكن لترامب أيضًا، تطبيق التعريفات الجمركية بموجب المادة 232 من قانون توسيع التجارة، والذي يمنح الرئيس سلطة فرض التعريفات الجمركية على صناعات معينة، وهذا ما استخدمه «ترامب» فى عام 2018، عندما فرض تعريفات جمركية على كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبى على الألمونيوم والصلب.
وبعد أن فرض «ترامب» تعريفات جمركية على الصلب والألمونيوم المكسيكيين فى عام 2018، ردت المكسيك بفرض تعريفات جمركية على لحم الخنزير والجبن وغيرها من السلع، فى محاولة لإلحاق الضرر بالمصنعين الأميركيين ردًا على ذلك، وفى نهاية المطاف، توصلت الولايات المتحدة والمكسيك إلى اتفاق فى عام 2019 لرفع تعريفاتهما الجمركية.
من جهتها، وفى تصعيد جديد للحرب التجارية، فرضت الصين رسوم جمركية على واردات من الولايات المتحدة، ردا على الرسوم الأمريكية الجديدة على السلع الصينية، مما يهدد بإعادة إشعال الصراع بين أكبر اقتصادين فى العالم.
ولم تكتفِ الصين بالرد الجمركى، بل صعّدت الحرب التجارية بإدراج شركتين أمريكيتين وهما «بى فى إتش كورب» و»إليومينا»، إلى «قائمة الكيانات غير الموثوقة»، وقالت الهيئة الوطنية لتنظيم السوق بالصين إنها بدأت تحقيقًا مع شركة «جوجل» للاشتباه فى انتهاكها لقانون مكافحة الاحتكار فى البلاد.
وقالت الصين إنها ستفرض رسوما جمركية بنسبة 15% على وارداتها من الفحم والغاز الطبيعى المسال من الولايات المتحدة، بعدما فرضت واشنطن رسوما بنسبة 10% على بضائع صينية.
كما أعلنت وزارة المال الصينية، أنها ستفرض رسوما جمركية بنسبة 10% على وارداتها من النفط الخام والآلات الزراعية والمركبات الكبيرة والشاحنات الصغيرة من الولايات المتحدة، كرد على «زيادة الرسوم الجمركية الأحادية الجانب» التي أعلنتها أمريكا، معتبرة أن زيادة الرسوم الجمركية «تنتهك بشكل خطير قواعد منظمة التجارة العالمية، ولا تساهم فى حل مشكلاتها الخاصة، وتعطل التعاون الاقتصادى والتجاري الطبيعى بين الصين والولايات المتحدة»، مشيرة إلى أن هذا الإجراء سيدخل حيز التنفيذ الاثنين المقبل.
وفى هذا السياق، أعلنت وزارة التجارة الصينية فى بيان، بأن «بكين» رفعت قضية ضد تدابير الولايات المتحدة لفرض رسوم جمركية وذلك بموجب آلية تسوية النزاعات لدى منظمة التجارة العالمية، مضيفة أن الخطوات الأمريكية «خبيثة فى طبيعتها».
وأضاف، أن قرار الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات الصينية انتهك قواعد منظمة التجارة العالمية على نحو خطير، مشيرا إلى أن هذا الإجراء السافر يمثل نموذجا للأحادية والحمائية التجارية.
وقال المتحدث إن الصين، باعتبارها داعمًا قويًا ومساهمًا مهمًا فى نظام التجارة متعدد الأطراف، مستعدة للعمل مع أعضاء آخرين فى منظمة التجارة العالمية من أجل مواجهة التحديات التي تفرضها الأحادية والحمائية التجارية على نظام التجارة متعدد الأطراف، وحماية التنمية المنظمة والمستقرة للتجارة الدولية.
وكان «ترامب» قد وافق على وقف الرسوم على كندا والمكسيك لمدة 30 يومًا فى مقابل تشديد البلدين الرقابة على الحدود مع الولايات المتحدة وتعقب الجريمة المنظمة.
لكن لم يكن هناك أى إعفاء من هذا القبيل للصين، حيث دخلت الرسوم الجديدة حيز التنفيذ، وخلال فترة ولايته الأولى فى 2018، بدأ ترامب حربا تجارية ضروس استمرت عامين مع الصين بسبب فائضها التجاري الضخم مع الولايات المتحدة، تبادل البلدان خلالها فرض رسوم جمركية على سلع بمئات المليارات من الدولارات، مما أربك سلاسل التوريد العالمية وألحق الضرر بالاقتصاد العالمى.
ولإنهاء تلك الحرب التجارية، وافقت الصين فى 2020 على إنفاق 200 مليار دولار إضافية سنويا على السلع الأمريكية، لكن الخطة خرجت عن مسارها بسبب جائحة كوفيد-19، ليتسع العجز التجاري السنوى إلى 361 مليار دولار لصالح الصين.
على الصعيد نفسه، وصفت افتتاحية صحيفة وول ستريت جورنال الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب بأنها «أغبى حرب تجارية فى التاريخ».
وقالت الصحيفة، إن هذه الخطوات «تذكرنا بنكتة برنارد لويس القديمة التي تقول إن كونك عدو لأمريكا أمر محفوف بالمخاطر ولكن كونك صديقا لها قد يكون قاتلا»، مضيفة أنه باستثناء الصين «فإن تبرير ترامب لهذا الهجوم الاقتصادى على الجيران لا معنى له».
وأمرت المكسيك بفرض تعريفات جمركية انتقامية، وقال رئيس وزراء كندا إن البلاد ستفرض تعريفات جمركية مماثلة بنسبة 25٪ على ما يصل إلى 155 مليار دولار من الواردات الأمريكية.
وقالت وزارة التجارة الصينية إنها سترفع دعوى قضائية لدى منظمة التجارة العالمية بسبب «الممارسات الخاطئة للولايات المتحدة».