نماذج من أنماط النُظم السياسية في شرق أفريقيا منذ القدم

يشير بعضُ الباحثين، بأية حال، إلى أن المدن الساحلية الواقعة على سواحل بلاد الزنج منذ القرون الميلادية الأولى كانت قد شهدت تطورا سياسيا واقتصاديا ملحوظا بفضل ازدهار النشاط التجاري، حيث صارت مدن الزنج الساحلية مراكز تجارية مزدهرة، وكانت تتمتع بعلاقات تواصل رائجة مع باقي الأسواق الموجودة على الناحية الأخرى من المحيط الهندي، حيث تقع الممالك الآسيوية القديمة . 

 

نظامُ المدينة – الدولة:

ازدهرت مدنُ الساحل الأفريقي الشرقي في ذلك الوقت التي تمتد من بلاد القرن الأفريقي، وحتى سواحل موزمبيق في أقصى الجنوب، وهو امتداد جغرافي هائل يبلغ قرابة 4 آلاف كيلومترا . ورغم غموض الوضع السياسي الخاص بمدن ساحل الزنج منذ القدم، إلا أن كل مدينة من المدن في هذه البلاد كانت تشكل آنذاك في الغالب كيانا سياسيا مستقلا بذاتها عن باقي مدن الساحل الأخرى، وهو نظامٌ سياسي كان معروفا في بلاد اليونان القديمة. 

واشتهر هذا الوضع السياسي الذي ذاع في بلاد الزنج باسم نظام "المدينة الدولة" City - State. ويشير هذا النظام إلى وجود كيان سياسي تمثله دولة ذات سيادة، وتوصف أيضاً بأنها نوع من البلدان الصغيرة المستقلة، التي تتكون عادةً من مدينة واحدة، والأراضي التابعة لها. ويمكن القول إنه من الناحية التاريخية، شمل هذا المصطلح مدناً قديمة على غرار روما وأثينا وقرطاج..الخ، ودول المدن الإيطالية خلال مرحلة عصر النهضة . وعن ذلك النظام السياسي الغامض الذي ذاع في مدن الساحل الأفريقي منذ القرون الميلادية الأولى، تقول جـ. جوزيف: "قد يكون صعبا أن نتصور ما كانت عليه هذه المدن الساحلية القديمة منذ نحو ألف عام، فقد كانت هذه المدن مزدهرة كمراكز تجارية...وكانت كل مدينة من هذه المدن الساحلية مستقلة سياسيا، وتكاد تماثل نظام (المدينة – الدولة) City – State..." .

  وللتأكيد على ذات الفكرة يذكر مؤلف "الطواف حول البحر الإريثري" في خضم حديثه عن وصف النشاط التجاري في بلاد الزنج في زمانه: "إن هذه البلاد كان لايحكمها حاكم معين، فكل مدينة من مدن التجارة كان يحكمها رئيس خاص بها.." . ولقد كان بعض هؤلاء الحكام في تلك المدن مستقلين، كما كانوا غير خاضعين لسيطرة أحد، في حين كان بعضهم الآخر خاضعا لسيطرة الحميريين العرب، وهم ملوك دولة حمير القديمة، وهي الواقعة في بلاد اليمن، أي في أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية .