
تحالفُ المُدن على الساحل الأفريقي القديم

د. إسماعيل حامد
يبدو أن المدن والمراكز التجارية الكُبرى الواقعة على ساحل شرق أفريقيا كانت قد اتحدت من جانبها بسبب العديد من الظروف السياسية المحيطة بها في ذلك الوقت تحت حكم ملوك آزانيا التي وردت في المصادر اليونانية واللاتينية. من ناحية أخرى يذكر مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الإريثري" أن التجار العرب كانوا دوما ما ييقومون بالإبحار من وإلى سواحل بلاد آزانيا (أو ساحل شرق أفريقيا أو بلاد الزنج) في أيامه، أي خلال حقبة النصف الأول من القرن الثاني الميلادي .
كان نشاط العرب البحري والتجاري واضحا في ذلك الوقت، ويذهب البعضُ إلى أنه ظهرت في ذلك الوقت حالة من الوحدة السياسية بين مدن الساحل الأفريقي تحت سلطان حكم واحد، أو تحت حكم ملك واحد، وهو ملك بلاد آزانيا Azania Land of، أو امبراطورية آزانيا Azania Empire of بحسب البعض . وعن تلك الوحدة السياسية التي جمعت في الغالب أكثر المدن الواقعة على ساحل بلاد الزنج خلال القرن 2 الميلادي، وهي التي اشتهرت في ذلك الوقت باسم: امبراطورية أزانيا، تقول البروفيسور جـ. جوزيف: "وذكر برنيس في هذا البحث أن التجار العرب كانوا يبحرون باستمرار إلى سواحل شرق افريقيا، ويعقدون المبادلات التجارية مع المدن الساحلية التي كانت منضمة مع بعضها في دولة واحدة كان اسمها امبراطورية آزانيا.." . وهي رواية مهمة حول الحال الذي وصل إليه السكان في مدن ساحل شرق أفريقيا.
يذهب بعضُ العلماء إلى أنه حدث ثمة تطورٌ لافتٌ في مسار الحياة السياسية على ساحل شرق أفريقيا خلال حقبة العصر الوسيط، وذلك بحدوث نوع من الوحدة أو الاتحاد بين مدن ساحل بلاد الزنج، أو ساحل شرق أفريقيا خلال حقبة العصر الوسيط، فيما يشبه نظام الاتحاد الكونفيدرالي. ويحدد البعضُ حدوث ذلك الاتحاد بين مدن الساحل الأفريقي في حوالي القرن 8 الهجري/القرن 14 الميلادي، ومن ثم تكونت في ذلك الوقت كيان سياسي قوي وموحد بين تلك المدن، وهو الكيان الذي صار يعرف باسم: امبراطورية الزنج، أو مملكة الزنج .
إذ على ما يبدو كان ذلك في الغالب هو الاتحاد الثاني بين مدن ساحل شرق أفريقيا، حيث كان الاتحاد الأول في الغالب يؤرخ إلى الأيام الذي تأسست وظهرت خلالها مملكة آزانيا القديمة، وهي المملكة العربية القديمة.
لقد كانت مدن الساحل الأفريقي الشرقي في ذلك الوقت تدين بالولاء والطاعة لحكام كلوة التي شهدت ازدهارا كبيرا في ذلك الوقت بفضل رواج النشاط التجاري على ساحل شرق أفريقيا . ولاتزال أمور ذلك الاتحاد غامضة علينا بشكل واضح، نظرا لقلة ما ورد إلينا في هذا الشأن في المصادر والمراجع التاريخية المعتبرة. وهو ما يزيد من صعوبة تصور كيف كانت أحوال مدن ساحل شرق أفريقيا في ذلك الوقت، وعن ذلك الاتحاد الذي تم بين تلك المدن بعضها البعض، يذكر أحد الباحثين المحدثين: "وفي القرن الرابع عشر، ترابطت المدن الساحلية مع بعضها البعض في نوع من الاتحاد الكونفيدرالي، الذي احتفظت فيه كل مدينة باستقلالها، وتكونت عندئذ مملكة الزنج، أو امبراطورية الزنج. وكانت كلوا آنئذ أقوى هذه المدن، وأكثرها ثراءً، ولذلك فقد تبوأت مكان الصدارة في هذا الاتحاد لمدة طويلة.." .