
روايةُ "كتاب الطواف" عن ميناء رابتا وازدهار العلاقات التجارية العربية مع سكان الساحل الأفريقي

د. إسماعيل حامد
يمكن القول بأن أول إشارة واضحة وردت في كتاب "الطواف" حول النشاط التجاري الذي قام به التجار البحارة العرب خارج آراضي شبه جزيرة العرب منذ القدم، وهو ما جاء في الكتاب عن أن أهل مدينة تعرف باسم موزا، ويقال إنها المخا حاليا التي تقع على الساحل الخاص ببلاد اليمن، ولقد كان أهل هذه البلاد لهم علاقات تجارية مع سكان شرق أفريقيا، بل قد زاد من تواجدهم القوي على الساحل الشرق الأفريقي حتى أنهم صاروا يتحكمون في تجارة أحد الموانيء المهمة الموجود على ساحل شرق أفريقيا، وكان اسم هذه الميناء رابتا أو رهابتا .
يحاول مؤلف "كتاب الطواف" تفسير بعض المسميات في حديثه عن التجارة في هذه البلاد، ومنها ما يقال لها السفن الخيطية وهي السفن التي كانت التي كانت تثبت ألواحها بالخيوط بدلا من المسامير المعدنية . وكان هذه السفن ترسو في ميناء رابتا، ثم يضيف صاحب الطواف أن هذا الميناء أي رابتا هو ىخر الأسواق في المنطقة التي يطلق عليها تسمية أزانيا، وهو الاسم الذي أطلقه مؤلف كتاب الطواف على بلاد ساحل شرق أفريقيا، أو بلاد الزنج . كما يذكر مؤلف كتاب الطواف أن أهل مدينة موزا كانوا يحكمون ميناء رابتا عاصمة بلاد ازانيا، وكان حكام هذه البلاد (أي موزا) يرسلون إلى ميناء رابتا وكلاء تجاريين عرب، وكان منهم من يتزوج من شعوب أزانيا (بلاد الزنج)، وكانوا يفهمون لغاتهم .
يذكر كتاب "الطواف حول البحر الإريثري" أن السفن كانت تبحر من شمال سواحل بلاد الصومال، وهي التي تعد بداية بلاد الزنج بحسب المصادر العربية، وكانت السفن تبحر صوب سواحل غرب الهند، ثم كانت تحضر معها منتجات تلك البلاد، لاسيما منتجات القطن والملابس، والحبوب، والزيت والسكر . بينما كانت السفن الأخرى تذهب صوب جنوب البحر الأحمر إلى الأسواق الواقعة عند سواحل شرق أفريقيا، حيث كان التجار يحضرون منتجات تلك البلاد، مثل الذهب، والنحاس، والعاج، وكذلك العبيد، ثم كانت تعود أدراجها بعد ذلك . يجدر بالذكر أنه في كثير من الحالات، يكون وصف مؤلف "كتاب الطواف" الأماكن دقيقًا بدرجة كافية لتحديد مواقعها الحالية؛ بالنسبة للآخرين، هناك جدل كبير.
على سبيل المثال، تم يذكر رابطة على أنها أبعد سوق أسفل الساحل الأفريقي لـ" أزانيا ، ولكن هناك خمسة مواقع على الأقل مطابقة للوصف، تتراوح من تنجا لجنوب دلتا نهر روفيجي. ويذكر وصف الساحل الهندي على نهر الجانج بشكل واضح، لكنه بعد ذلك غامض، حيث توصف الصين بأنها "مدينة ثينا الداخلية العظيمة" التي تعد مصدرا للحرير الخام. يقول مؤلف "كتاب الطواف" أن طريق الإبحار المباشر من البحر الأحمر إلى شبه الجزيرة الهندية عبر المحيط المفتوح اكتشفه هيبالوس (القرن الأول) قبل الميلاد.
ثم يذكر العديد من السلع التجارية في كتاب الطواف، لكن بعض الكلمات التي تسمي البضائع التجارية لم يتم العثور عليها في أي مكان آخر في الأدب القديم، مما يؤدي إلى التخمين حول ما قد تكون عليه. على سبيل المثال، إحدى السلع التجارية المذكورة هي "lakkos chromatinos" . لايظهر اسم لاكوس في أي مكان آخر في الأدب اليوناني أو الروماني القديم. يظهر الاسم مرة أخرى في اللاتينية في أواخر العصور الوسطى باسم لاكا ، وهو مستعار من اللغة العربية في العصور الوسطى لَكّ، وهو بدوره مستعار من اللغة السنسكريتية لاك، ويعني لاك، أي راتنج أحمر اللون موطنه الهند يستخدم كطلاء ويستخدم أيضًا كملون أحمر. تظل بعض السلع التجارية الأخرى ذات التسميات الغامضة .