عاجل
الأربعاء 25 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
ثلاثة أقمار في سماء الإعلام

85 عاما صحافة 9

ثلاثة أقمار في سماء الإعلام

كُنَّ من أوائل اللائي تخرجنَ "قسم الإعلام" في جامعة القاهرة سنة 1976. وكُنَّ ثلاثة أقمار استضاء الإعلام بنورهم: منى جبر، منى الحديدي، وماجي الحلواني. اثنتان أكملتا التدريس في "قسم الصحافة"، والثالثة، خطفتها الشاشة الصغيرة، فتركت الجامعة، والتدريس، ووقفت أمام الكاميرا لتصبح من أبرز مقدمات البرامج في التليفزيون المصري.



كانت منى جبر، سنة 1963، لمَّا تزل طالبة في كلية الآداب، عندما خطفتها أضواء استوديوهات التليفزيون ،الذي كان في بداياته الأولى، فدربها صلاح زكي، وساعدتها همت مصطفى على الوقوف أمام لكاميرا، فأطلّت من الشاشة الصغيلرة، على أطفال مصر،فانجذبوا إليها، وتولعوا بها. لم يصرفها عملها المتطلب في التليفزيون، عن التحصيل العلمي، وبعد تخرجها عيّنت، سنة 1967،  معيدة في "كلية الإعلام"، لتصبح سنة 1969 "مدرس مساعد" في الكلية حتى سنة 1978،لتنصرف الى عالم التليفزيون، فانتقلت من برامج الأطفال الى تقديم برنامج ثقافي ترفيهي، كان الأول من نوعه في التلفيزيونالمصري، تناول المسرح وفن "الباليه" الرفيع، التي تولعت منى جبر به، منذ نعومة أظفارها، فدرسته، وتعلمت الرقص على أساتذة مهرة، في "معهد الباليه"، الذين تخرج بهم جيل من الذين بهروا العالم بأدائهم. ولأن البرنامج سجل نسبة عالية من المشاهدة، استمر يبث، على تعاقب المواسم، فكان من أطول البرنامج التي قدمت، وقتذاك، على الشاشة الصغيرة في مصر، وبقيت منى جبر تقدم ذلك البرنامج إلى وقت قررت فيه مغادرة "ماسبيرو".

 

وميزة منى جبر أنها لم تَبْقَ أسيرة نوع واحد من البرامج، فأعدت، وقدمت برنامج "اثنين على الهواء"، وهو كان برامج الأحاديث، والحوارات، مع نجوم الغناء، والتمثيل، فكانت له طبيعة خاصة، حيث إن كل ضيف كان لا يعلم من يكون الضيف الذي  سيشاركه البرنامج، فيتحدث براحته، وحرية، فيقول كل ما عنده  من دون حواجز.  استخدم البرنامج "المونتاج" بأسلوب ملفت، ما سبق أن استخدم في التليفزيون المصري.

 

وخرجت منى جبر بالكاميرا من الأستوديو، الى رحاب الطبيعة،فسجلت بالصورة، والكلام المدروس، المتقن الإعداد، والتحضير، برنامج "كانت أيام"، وكان طوافها فيه العديد من المناطق السياحية، والآثرية، تستعرض مراحل الحضارة المصرية، ليعرفها العالم.  

 

موهبتها، وتجربتها الإعلامية الناجحة، أهلتها لتولي الإشراف على قناة الأطفال في شبكة ART التليفزيونية، لعدة أعوام، لتنشئ بعدها  شركة جيمني"  للتحريك السينمائي Animation وإدارتها وكانت تضم من يقرب من مئة وخمسين فنانا وفنانة فى جميع المجالات، من الكتابة، وتكوين الفكرة وتقطيعها، وبناء الشخصيات إلى الرسم، والإخراج، ثم التحريك الثنائي، والثلاثي الأبعاد، ويعود الفضل "شركة جيميني" في إعادة إحياء "سينما التحريك" في مصر، ورفع مستوى الأداء الفني والتقني للفنانين الشباب ، وقد زادت أجور الفنانين فى ذلك الوقت بعد انقطاع كبير عن "فن التحريك"، منذ بداية دخول الفيديو على الإعلانات. أحبت منى جبر التمثيل، وعلى الرغم من أنها مثلت فى برنامج "جنة الأطفال"، وهي بعد في الرابعة من سنيها، إلاَّ أنَّ أسرتها كانت ترفض دخولها  عالم السينما واشترطت، عليها، الحصولعلى الشهادة الجامعية، فدخلت ذلك العالم،  الذي انبهرت به، بعد تخرجها من كلية الآداب.

 

نجاح منى جبر، لم يقتصر على المجال الإعلامي، فقط، هي التي تركت فيه بصمة ما زالت تشكل علامة فارقة في عقول المصريين، بل في مجال التمثيل، فمن ينسى مشهد الولادة في فيلم "الحفيد"، الذي اعتبره النقاد، من أفضل،   وأصعب المشاهد في الفيلم، الذي حقق نجاحاً هائلاً. وكما "أحبت السينما فإن السينما أحبتها"، كما كتب أحد النقاد عنها، وتهافت المخرجون عليها، فأدت أدواراً متنوعة،  في "السكرية"، و"الأبطال"، و"الحب تحت المطر"، و"صانع النجوم"، و"رحلة الأيام"، و"وراء الشمس"، كما في "ابن مين في المجتمع"، و"خدعتني امرأة"،و" الملاعين"، و"خطيئة ملاك"، "الرحمة يا ناس"،" النداهة"، "أنياب" و"الحفيد". في التليفزيون شاركت منى جبر في العديد من المسلسلات، أبرزها: "هروب"، "الجريمة"، "محمد رسول الله"، "أبلة منيرة"، "الحرملك"، "الباقي من الزمن ساعة" ، "الحب وأشياء أخرى"، "أولاد آدم ".. في ستينات  القرن الماضي،  اعتزلت منى جبر الإعلام، والسينما،  و... والأضواء، ارتدت الحجاب وتفرغت لأسرتها.

 

ولدت منى الحديدي في كنف عائلة مكتفية، محبة للعلم  والثقافة،، وحيدة بين أخوة، فكانت "ست الأخوة". عاشت في "حي الروضة". أبوها  كان طبيباً مترامي الذكر في جميع الآذان وبعض القلوب. جميل خصاله وقلبه الرؤوم على المريض والمحتاج، حبب الناس إليه، فسموه" طبيب العائله " . عاش مبسوط اليد الى أقصى درجات الكرم، أعان، وطبب، وشفى، لا مواعيد لعيادته، يسهر على المرضى.

 

على الرغم من ساعات العمل الطويلة، المضنية، المنهكة، فقد كان يجد وقتاً لأسرته، فكان الأب الناصح، والصديق المؤتمن، يخصص وقتا للوقوف على ما مشاكل أفراد الأسرة المدرسية والحياتية.  درست "ست الأخوة" في مدرسة راهبات، وهو أفضل نظام جمع بين التربية والتعليم بمصر، قبل أن يكون هناك وزارة اسمها "التربية والتعليم"، (كان اسمها وزارة المعارف)، إلى جانب المناهج التعليمية، كانت تلك المدارس، تمتاز في تحضير الطالبة الى مواجهة دورها في الحياة، ومن ضمن مناهجها، التدبير المنزلى، والطهى، وكيفية تحضير طاولة الطعام، وحتى إنتقاء الملابس الملائمة لكل مناسبة، ملابس ترتدى للذهاب الى النادي، وأخرى زيارة الأصدقاء، أو، استقبال الضيوف بالمنزل.. وكل هذه الملامح ترسخت في داخلها، ووضعت بذرتها فى أسرتها وفى عملها  فيما بعد. فشبت منى الحديدي على صفاء النفس، وسعة الأفق، ورهافة الحس، وتدفق الحنان، وتوقد الذهن، وسخاء العطاء.  أقبلت على التحصيل بتوق، فكانت باستمرار جهداً موصولاً،حقق لها النجاح، وصولاً الى الدراسة الجامعية.  كانت أطروحة منى الحديدي عن "صورة المرأة فى السينما المصرية"، فغدت أول من نال، في جامعة القاهرة،  شهادة الدكتوراه عن الفن السابع، ففتحت لها تلك الاطروحة الباب وسيعاً لدخولها الوسط الثقافي والفني. 

 

وحدث، بعد تخرجها عام  1967، أن قرأت إعلاناً عن طلب مذيعين ومذيعات، فتقدمت لأمتحانات الاذاعة المصرية، وخاضت الاختبارات المعدة للمرشحين، نجحت فى الامتحان التحريري، كما فى اللغة والترجمة ، والأداء الصوتي ، ولم يبقَ سوى احتبار المقابلة الشخصية،  وصادف إعلان نجاحها في الاختبارات كلها، مع صدور قرارالتكليف لتكون  معيدة، ولم تتردد،  قبلت التكليف،  وعملت معيدة في "قسم صحافة" في كلية الآداب، لتصبح رائدة من رائدات العمل الاعلامي في مصر والعالم العربي، واختيرت كعضو في "مؤسسة السينما والقومي للمرأة"، ثم،"المجلس الأعلى للثقافة" و... مناصب عدة.

 

وارتبط اسم منى الحديدي، في مجال المرأة، والإعلام، والطفل،فتولت رئاسة "المركز القومي لثقافة الطفل"، لمدة عام حافل بالنشاطات والإنجازات، منها وضع قواعد لتربية الطفل، وأصدرت كتبا مهمة في مجال الطفل.

 

 أدخلت تدريس "مادة بروتوكول" و"المراسم" في الإعلام، اقترحت مشاركة الأطفال بمجالس إدارات الصحف الخاصة بهم ونشرت كتابين بأغلفة من تصميمهم اثناء رئاسة الدكتور سمير سرحان للهيئة العامة للكتاب.

 

من أسابيع، صدر "قرار جمهوري"، قضى باختيار الدكتورة منى الحديدي، عضوا فى" المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام" ممثلاً للمجلس الأعلى للجامعات. للدكتورة منى الحديدي، على أرفف المكتبة العربية،  مؤلفات عدة،عن " السينما التسجيليّة "و"الإعلان" و"الإعلام الجديد"، وغيرها الكثير وهي رئيس تحرير سلسلة "السلسلة الإعلامية" في "الدار المصريّة اللبنانيّة للنشر" .عضو اللجنة العلميّة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعيّة والجنائيّة، وهي حاليًا أستاذة بكليّة الإعلام جامعة القاهرة.  ولأن المعلم هو القدوة الحسنة بأخلاقه العالية، وأبداع لايوصف ، تأثرت منى الحديدي كثيراً بأستاذها الدكتور خليل صابات، الذي كان يتعامل مع طلابه بشكل إنساني، ويشاركهم  همومهم،ويخفف من متاعبهم، ويشد من عزائمهم، معلم، وصديق وهذا ما أخذته منى الحديدي عن أستاذها، ومثله، هي، تشارك طلابها،همومهم، مشاكلهم، أمنياتهم، وأمانيهم.

 

وكما تاُثرت بالدكتور خليل صابات، تأثرت بالدكتور مختار التهامى، الذي أشرف على أطروحتها، فعندما تقدمت للدكتوراه عن السينما رفضت الكلية، ودافع  الدكتور التهامى عن اختيارها الموضوع، وأسدى لها النصح، وساعدها على إنجازها.

على الصعيد الوطني، شاركت الدكتورة منى الحديدى في العديد من اللجان والمبادرات المعنية بالإعلام منها، "مجلس أمناء مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار"، "اللجنة الوطنية للإعلام الرقمي"، "الفريق الوطني لمراجعة قانون الإعلام"، مبادرة "معاً لمجتمع رقمي مسؤول. عربياً، تقلدت الدكتورة منى الحديدي العديد من المناصب، منها، عضو في "المجلس الاستشاري لاتحاد إذاعات الدول العربية"، عضو في "لجنة جائزة التميز الإعلامي العربي"، خبيرة في مجال الإعلام الرقمي لدى جامعة الدول العربية، ومن أهم إنجازاتها، تأسيس "مركز الإعلام الرقمي" في جامعة القاهرة، الذي يُعد من أهم مراكز البحث العلمي{ في مجال الإعلام الرقمي في مصر والعالم العربي. شاركت الدكتورة منى الحديدي، في العديد من المؤتمرات والندوات الدولية والعربية.ونالت العديد من الجوائز والتقديرات، منها، "جائزة الدولة للتفوق في العلوم الاجتماعية"، "جائزة التميز الإعلامي العربي"،" جائزة أفضل أستاذة إعلام في مصر".

 

كما قام "المجلس العربي للمسؤولية المجتمعية"بتكريمها في "يوم المرأة العربية" عام 2020 الذي اقيم تحت رعاية جامعة الدول العربية ، بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة لشؤون الهجرة الدولية IOM، وبدعم MBC الأمل، و"جامعة المستقبل" في مصر FUE، و"بنك التعمير والإسكان". وجاءت الاحتفالية في إطار دعم دور السيدات الرائدات في مصر والوطن العربي، وإلقاء الضوء على تجاربهن الناجحة في التمكين والمسؤولية المجتمعية والتنمية المستدامة. 

 

من أقوال الدكتورة منى الحديدي المأثورة: 

 

"الإعلام صناعة لابد أن نبحث كيف لها أن تستمر، لكننا دائما تشغلنا المعايير، إذا تحققت  المعايير انضبط الأداء، وأدت الإعلانات دورا اقتصاديا مهما لاستمرار صناعة الإعلام في ظل منافسة شرسة تحتاج إمكانات بشرية مؤهلة، وإمكانات مادية وتقنية".

             

لم يعد الإعلام العلمي أو الثقافة العلمية ترفا أو موجها للمتخصصين والصفوة وإنما هو حق من حقوق الاتصال للجميع تفعيلا للحق فى المعرفة والحق فى أن يعلم كل فرد عن نفسه ويشارك فى مناقشة ما يخصه وبما يجعل من الإعلام يحقق المتعة والمنفعة معا. إعلام البناء وليس إعلام الهدم ونشر الشائعات.

 

ويبقى أن نحكي عن القمر الثالث في سماء الإعلام، عن ماجي الحلواني. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز