عاجل
الخميس 9 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
"فنجان قهوة" لا يُنسى في خيمة الرئيس

"فنجان قهوة" لا يُنسى في خيمة الرئيس

في صيف 1997 تلقيت اتصالًا تليفونيًا من المستشارة الصحفية في سفارة اليمن بالقاهرة جميلة علي رجاء، أبلغتني خلاله اختياري لأكون ضمن وفد صحفي عربي كبير لمراقبة الانتخابات التشريعية اليمنية التي أعقبت ضم اليمن الجنوبي إلى اليمن الشمالي، وحُسِم الأمر لصالح نظام الرئيس اليمني علي عبدالله صالح.



 

لم أتردد في قبول الدعوة، خاصة أنني كنت أتابع أحوال اليمن عن بُعْد من خلال شبكة علاقات قوية ربطتني بعديد الصحفيين والمفكرين اليمنيين من مختلف التيارات.

كانت صنعاء محطتنا الأولى، وفي فندق شيراتون الشهير بقلب العاصمة اليمنية نزل الوفد الإعلامي الضخم الذي ضم أكثر من 50 صحفيًا مخضرمًا من مختلف الأقطار العربية، وكان الوفد المصري الأكثر عددًا بطبيعة الحال، وبحكم العلاقات الوثيقة التي تربط الشعبين منذ حقبة الستينيات.

كنت سعيدًا جدًا بزيارتي لليمن، وأنا أتجول في شوارع وحانات وأسواق صنعاء القديمة انتابني شعور كأني زرت هذه الأماكن العريقة من قبل، وكأني قابلت الوجوه الطيبة نفسها قبل ذلك.

رافقنا في الرحلة فريق عمل من الشباب والشابات اليمنيين المتحمسين والمنحازين لكل ما هو مصري، فقربوا لنا البعيد، وأجابوا عن كل أسئلتي، ووجدت لديهم ردودًا لكل استفساراتي الكثيرة حول القضايا اليمنية السياسية والاجتماعية وحتى الإنسانية.

بعد جولات ميدانية بين اللجان الانتخابية في محافظات اليمن المختلفة جاء الدور على اللقاء الحاسم مع الرئيس على عبدالله صالح في قصر الحكم بصنعاء.

حرص الرئيس اليمني على عقد لقاء مباشر مع الوفد الإعلامي، وحرصت سكرتيرته، في ذلك الوقت، السفيرة أمة العليم السوسوة على أن تتيح الفرصة للجميع لطرح أسئلتهم على الرئيس بلا تردد ولا مجاملة، فقد كان الوفد المصري برئاسة الوزير محمد فايق، ويضم أيضًا صحفيين كبارًا منهم صلاح قبضايا، وأمين محمد أمين وغيرهما، وبما أني كنت أصغرهم سنًا ففضلت أكون مستمعًا في المؤتمر الصحفي، لكن بعد أن لاحظت أن أغلب أسئلة الصحفيين تخلو من السخونة والإثارة، رفعت يدي، بسرعة التقطت مديرة الحوار مرحبة بأسئلتي، فقلت للرئيس: لديَّ ثلاثة أسئلة هل يتسع صدركم لها؟ فكان رده: نعم، فقلت له: لماذا وافقت على ترشيح ابنك أحمد في دائرة صنعاء.. هل تجهزه لخلافتك؟

فجاء رد الرئيس صالح مبتسمًا: إنه تقدم كمواطن عادي مثله مثل باقي المرشحين، والأمر كله متروك للناخبين ولا وصاية عليهم في اختياره أو رفضه.. ثم سألته: جرى طرد 2 مليون يمني من بلد جار.. فكيف ستتعامل مع هذه الأزمة؟ جاء رده أيضًا متحمسًا للترحيب بالعائدين، وأن الوطن سوف يستوعبهم، ولن يخضع للضغوط. كان سؤالي الأخير حول رفض مجلس التعاون طلب انضمام اليمن وتبعات ذلك، فجاءت إجابته أيضًا قوية وحماسية وتحمل في طياتها أن رفض مجلس التعاون ضم اليمن هو خسارة للمجلس وليس العكس.

بعد انتهاء الاجتماع مر الرئيس بجواري فقال لي مداعبًا: أنت صحفي مشاغب. قلت له: معذرة على أسئلتي الصريحة، أرجو أن تكون غير مزعجة لفخامتكم. فرد سريعًا: كلا كلا.. وطلب مني أتبعه لتناول القهوة.

لوهلة شعرت بالقلق، ثم شجعني حارسه طويل القامة وكسر ترددي قائلًا: تفضل، الرئيس يدعوك لتناول القهوة، فتبعته، وبعد عدة خطوات كنت داخل خيمة كبيرة داخل القصر الجمهوري، وفجأة لمحت الكاتب الكبير يوسف الشريف، فحياني وقال لي: رفعت رأس «روزاليوسف»! فقد كان يتابع المؤتمر الصحفي على الهواء مباشرة من داخل الخيمة.. طبعًا وجوده أشعرني بالطمأنينة والأمان، ثم أخذ يتناقش مع الرئيس حول أبرز النقاط التي وردت في المؤتمر.

مر الوقت وأنا أستمع لحوارهما دون تعليق، لكني كنت قلقًا لأن الحافلة التي أوصلتنا للقصر الجمهوري لن تنتظرني، فلاحظ حارس الرئيس قلقي وهمس في أذني مستفسرًا عن السبب، فقلت له صراحة: أخشى أن يفوتني «الباص» ولا أعرف كيف أعود للفندق، فضحك ومال على الرئيس وأبلغه بما قلته له، فضحك وقال: لا تقلق، ثم فوجئت في نهاية اللقاء بأنه جرى تخصيص سيارة رئاسية لمصاحبتي ليس فقط للفندق؛ بل لمرافقتي باقي أيام وجودنا في اليمن.

في اليوم التالي فوجئت بمحرر من جريدة «26 سبتمبر» في انتظاري ببهو الفندق لإجراء حوار، وكان شابًا من جيلي، وصمم على أن تعليمات رئيس التحرير إجراء حوار مع الصحفي المصري الجريء الذي واجه الرئيس، ثم بعد ذلك أصبح هذا المحرر هو مراد هاشم مديرًا لمكتب «الجزيرة» في واشنطن حاليًا.

قررت أن أستفيد من زخم ما جرى في المؤتمر الصحفي بأن أقابل أكبر عدد من الوزراء وكانوا جميعًا مستعدين ومرحبين، فبدأت بوزير الداخلية في ذلك الوقت حسين عرب، ثم الدكتور عبدالكريم الإرياني وزير الخارجية، ثم قررت الذهاب إلى صعدة منطقة نفوذ الحوثيين، وتبعتها بجولة في «ريدة» بمحافظة عمران مقر تجمع يهود اليمن، وفي صنعاء ختمت جولتي بزيارة لأشهر شعراء اليمن الدكتور عبدالعزيز المقالح الذي استقبلني في بيته العامر، وأصر على أن يهديني «جنبية» يمنية ما زلت أعتز وأحتفظ بها حتى الآن.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز