وقف الخلق ينتظرون "تعامد الشمس على رمسيس الثاني"
محمد عوض سليم
مع دقات الساعة 6 و50 دقيقة صباح يوم الثلاثاء القادم 22 أكتوبر القادم، تتجه أنظار العالم صوب مدينة أبو سمبل التاريخية جنوب أسوان، لمتابعة أشهر ظاهرة فلكية خلدها المصري القديم، إذ تتعامد الشمس على تمثال الملك رمسيس الثاني بمعبده الكبير بمدينة أبو سمبل السياحية، وسط حضور رسمي من الدولة يتقدمهم مسؤولي وزارة السياحة والآثار ومحافظ أسوان، في الحدث الفريد الذي يتكرر حدوثه مرتين خلال العام، إحداهما في 22 فبراير والأخرى في 22 أكتوبر، إذ تتعامد الشمس على وجه تمثال الملك رمسيس الثاني بمعبده الكبير بمدينة أبو سمبل، مكونه ما يشبه بفيض من نور يملأ قسمات وجه الملك الفرعوني داخل حجـرته في قدس الأقداس، ثم يتكاثر شعاع الشمس بسرعة مكونًا حزمة من الضوء تضئ وجوه التماثيل الأربعة داخل قدس الأقداس، وهي تماثيل الآلهة أمون ورع حور وبيتاح التي قدسها وعبدها المصري القديم
الأثري الدكتور أحمد مسعود، كبير مفتشي آثار أبو سمبل بأسوان، يتحدث عن الظاهرة الفلكية الفريدة، ويقول أن تعامد الشمس، لا يزال لغزا حير علماء الآثار والفلك حتى الان، متسائلًا؟ كيف نجح القدماء المصريين في تحديد وحساب موعد تعامد الشمس قبل نحت المعبد، الأمر الذي سيحتاج بدورة عشرات السنيين في البحث والدارسة لمحاولة الوصول إلى هذا اللغز المحير والكشف عن شفرته، فضلا على مهارة الإنشاء ووضع المعبد في زاوية انحراف محددة لاستقبال شعاع الشمس بهذه الكيفية لضمان وصول ضوء الشمس لتتعامد على تمثال رمسيس الثاني داخل حجرية بقدس الأقداس.
مستطردا: العجيب في الظاهرة أيضا، أن ضوء وشعاع الشمس مع شروق الشمس في هذا اليوم، يخترق جدران وصالات معبد رمسيس الثاني، التي ترتفع إلى مسافة 60 مترا، ليصل إلى قدس الأقداس، مكونه ما يشبه بفيض من النور على تمثال الملك رمسيس الثاني وتماثيل الآلهة (أمون ورع حور) فيما لا تصل الشمس إلى تمثال الإله بتاح الذي كان يعتبره القدماء إله الظلام، كما أن تلك الظاهرة والمعجزة الفلكية كانت لاعتقاد عند المصريين القدماء بوجود علاقة بين الملك رمسيس الثاني والآلهة رع إله الشمس عند القدماء المصريين.
بدوره يقول الأثري أحمد عوض، بالإدارة العامة للآثار المصرية واليونانية والرومانية بأسوان، أن الوثائق التاريخية والأثرية، أكدت أن اكتشاف معبد رمسيس الثاني، كان في الأول من أغسطس عام 1817، عندما نجح المستكشف الإيطالي جيوفاني بيلونزي، في العثور على المعبد ما بين رمال الجنوب، فيما تم الكشف لأول مرة عن ظاهرة تعامد الشمس الفلكية، في عام 1874، عندما رصدت المستكشفة "إميليا إدوارذ" والفريق المرافق لها، هذه الظاهرة وتسجيلها في كتابها المنشور عام 1899 بعنوان "ألف ميل فوق النيل".
ويضيف أن معبدي أبو سمبل (رمسيس الثاني ونفرتاري)، كانتا ضمن معابد النوبة التي نجحت جهود الحملة الدولية التي تبنتها اليونسكو في إنقاذها من الغرق في ستينيات القرن الماضي إبان إنشاء مشروع السد العالي، وقد استجابت 51 دولة من شعوب اليونسكو لحملة إنقاذ معابد أبو سمبل إحدى روائع العقل البشري بتكلفة وقتها بلغت نحو 36 مليون دولار، وقد احتفلت مصر عام 1968 بالانتهاء من أعمال إنقاذ معابد أبو سمبل بحضور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وشهدها أكثر من 3 آلاف شخص من مختلف دول العالم. وأرجع الفضل في فكرة نقل وإنقاذ المعبد للعالم النحات المصري، الدكتور أحمد عثمان عميد كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، في تبنية فكرة سيناريو نقل معبد أبو سمبل من موقعه القديم ببحيرة ناصر، إلى موقع بديل بارتفاع أعلى في مواجهة بحيرة ناصر، وكانت فرنسا في البداية تقدمت بمقترح بنقل معبد أبو سمبل من خلال قطع الجبلين المنحوت عليهم التماثيل ونقلهم بشكل كامل، إلا أن هذا الاقتراح رفض لصعوبة نقل هذه الأوزان، كما تقدمت إيطاليا باقتراح بعمل بلورة زجاج تحيط به من الماء ويتمكن الزائر من زيارته عبر أنبوبة تحت الماء، إلا أنه تم رفض الاقتراح أيضا، فيما تم الموافقة على اقتراح النحات المصري، وبالفعل تم قطع التماثيل إلى كتل حجرية بشكل معين وترقيمها، وعند نقل المعبد تم تشييد القطع بشكل عكسي حيث تم البدء في تشييد قطع حجرة قدس الاقداس لتنتهي بتشييد صرح المعبد ليظهر لنا بهذا الشكل الآن.
وفي سياق متصل كان محافظ أسوان اللواء الدكتور إسماعيل كمال، تفقد الأسبوع الماضي، المنطقة الأثرية بمعابد أبو سمبل للاطمئنان على كافة الاستعدادات لاستقبال ظاهرة تعامد الشمس على تمثال الملك رمسيس الثاني يوم الثلاثاء القادم 22 أكتوبر الجاري.
وتابع المحافظ يرافقه الأثري فهمي الأمين مدير عام الإدارة العامة للآثار المصرية واليونانية والرومانية بأسوان، التحضيرات النهائية، للاحتفال بالظاهرة الفلكية، وسط حضور يتوقع أن يزيد على 3 آلاف شخص من الزوار المصريين والسائحين الأجانب.
ووجه الأمين مدير عام الإدارة العامة للآثار المصرية واليونانية والرومانية بأسوان، إلى تسهيل عملية زيارة السائحين لمعبدي أبو سمبل والتأكيد على جودة الخدمات السياحية، وتجهيز بوابات الدخول الإلكترونية بالمعبد، والتي من المقرر أن يتم فتحها في الثالثة والنصف فجرا يوم التعامد، فضلا إلى الإسراع في أعمال الصيانة وإنجاز الأعمال الهندسية الجارية، بالإضافة إلى رفع كفاءة منظومة التهوية الميكانيكية داخل معبدي أبو سمبل، بالإضافة إلى التأكيد على النظافة العامة وزيادة المسطحات الخضراء، مع توفير سيارات جولف لنقل كبار السن داخل المعبد، في الوقت ذاته من المقرر أن يتم تقديم حفلة للصوت والضوء ليلة تعامد الشمس، وإقامة حفل عشاء في الموقع المخصص بالقرب من المعبد لإحدى الشركات العالمية التي تحتفل بمرور 100 عام على إنشائها.