تحفة معمارية تجمع بين الفن القبطي والبيزنطي وتاريخ يمتد لأكثر من ألف عام
الكنيسة المعلقة رمز تاريخي وديني فريد في قلب القاهرة القديمة
كتابة وتصوير: محمد الشاهد
الكنيسة المعلقة في القاهرة هي واحدة من أقدم وأشهر الكنائس القبطية في مصر، وتُعتبر معلمًا سياحيًا ودينيًا بارزًا. تقع في حي مصر القديمة بمنطقة الفسطاط، على مقربة من العديد من المعالم التاريخية والدينية، مثل معبد بن عزرا اليهودي، ومسجد عمرو بن العاص. تعرف الكنيسة المعلقة بهذا الاسم لأنها مبنية على برجين من أبراج حصن بابليون الروماني القديم، وتبدو كأنها معلقة فوق الأرض.
تاريخ الكنيسة يعود إلى القرن الثالث الميلادي، حيث يُعتقد أن موقعها كان مزارًا دينيًا منذ ذلك الوقت. ومع توسع المجتمع القبطي في مصر، تم بناء الكنيسة الحالية في القرن الرابع الميلادي. وقد أعيد ترميمها وتجديدها عدة مرات على مر العصور، مما ساهم في الحفاظ على هيكلها الفريد وتفاصيلها الفنية المذهلة.
تصميم الكنيسة يجمع بين الفنون القبطية والبيزنطية مع بعض التأثيرات الإسلامية، ويتميز بهندسته المعمارية الفريدة التي تتضمن العديد من الأعمدة الرخامية والنوافذ الزجاجية الملونة. الكنيسة مكونة من ثلاثة صحون، وقبة مركزية مدعومة بأعمدة مصممة بشكل فني دقيق، إضافة إلى مذابح خشبية منحوتة بشكل متقن.
أبرز ما يميز الكنيسة المعلقة هو لوحاتها الجدارية وأيقوناتها، التي يعود بعضها إلى القرن الثامن الميلادي. تحتوي الكنيسة على مجموعة رائعة من الأيقونات القبطية التي تجسد مشاهد دينية متنوعة، منها أيقونات للمسيح، ومريم العذراء، والقديسان المختلفان. كما تحتوي الكنيسة على منبر رخامي مزين بأعمال خشبية دقيقة تُظهر المهارة الفنية للقبط المصريين في العصور الوسطى.
إلى جانب قيمتها الدينية، تُعد الكنيسة المعلقة موقعًا مهمًا في تاريخ المسيحية في مصر، حيث كانت مقرًا للباباوات الأقباط لعدة قرون. وقد لعبت الكنيسة دورًا كبيرًا في حياة الأقباط الأرثوذكس، وكانت شاهدة على العديد من الأحداث التاريخية، بما في ذلك مجمعات كنسية واجتماعات دينية كبرى.
تستقبل الكنيسة الزوار من جميع أنحاء العالم، الذين يأتون للاستمتاع بجمالها الفني وروحانيتها العميقة، وكذلك لفهم التاريخ المسيحي في مصر. كما تُقام فيها فعاليات دينية ومناسبات تقليدية، مثل الأعياد القبطية، مما يعزز من ارتباطها بالمجتمع القبطي المحلي.
في المجمل، تعتبر الكنيسة المعلقة رمزًا للإيمان المسيحي في مصر وشاهدًا حيًا على تفاعل الثقافات والأديان عبر العصور، وتجسد بجمالها الفني وتاريخها العريق جزءًا لا يتجزأ من التراث المصري.