د. محمد أبوركبة: جيش الاحتلال اقتلع المعالم الأثرية من جذورها والمناطق الآمنة كمائن للموت
هدى زكي
نعاني شح المواد التموينية والماء الصالحة للشرب.
جيش الاحتلال غدر باللاجئين.
مستمرون في التوعية بالهوية والتاريخ الفلسطيني.
الكيان المحتل يخشى الإعلام المضاد
في ظل ما تشهده غزة من أحداث مروعة تحت قصفٍ لا يميز بين الحجر والبشر، يتجلى أمامنا سؤال: كيف يمكن للتاريخ أن يحافظ على ملامح الهوية الفلسطينية في زمن المحو؟ وكيف يمكننا استنقاذ ما تبقى من آثار تُثبت للعالم أن فلسطين كانت وما زالت أرضًا حية، تتنفس لا تموت؟
وسط مشاهد الدمار التي تلقي بظلالها الثقيلة على مخيمات اللاجئين، كان لبوابة روزاليوسف هذا الحوار مع الدكتور محمد أبوركبة أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، المحاضر بعدة جامعات فلسطينية، والذي من خلاله نتحاور حول التاريخ الذي تسعى آلة الحرب إلى محوه، ونسلط الضوء على أبعاد هذا المشهد المأساوي، ونستفسر عن كيفية الحفاظ على ذاكرة الأجيال القادمة في ظل هذا الخراب.
صف لي الأجواء من حولك كيف تغيرت حياتك خلال عام ما قبل ٧ أكتوبر والآن؟
بعد السابع من أكتوبر بدأت عمليات النزوح من مناطق شمال قطاع غزة إلى مناطق الجنوب بناء على توجيهات ومنشورات جيش الاحتلال الإسرائيلي،ونحن الأن نعيش في خيام على شواطئ البحر، وعلى أراض فارغة مهترئة، ونعاني شح المواد التموينية، والماء الصالح للشرب حتى الماء الغير صالح للشرب هناك ندرة وصعوبة في الحصول عليه، وضع مأساوي جدا نعايشه كلاجئين، حالة لا تستطيع وسائل الإعلام وشاشات التليفزيون التعبير عنها مهما نقلتها في بث حي، وبرغم كل الظروف نأبى فإن نحيا.
جيش الاحتلال غدر باللاجئين والسكان عندما قال إن هناك مناطق آمنة نلجأ إليها، بل العكس هو ما حدث لم تكن آمنة أبدا بل كانت كمائن للموت، ووقع بها عدد كبير من القتلى والشهداء.
حدثني عن حجم الدمار الذي ألحقته الآلة الحربية الصهيونية بالمعالم الأثرية في قطاع غزة؟
عمد الاحتلال إلى طمس الهوية والأثار الفلسطينية، والدليل الأثري للوجود والتاريخ الفلسطيني منذ بداية الاجتياح البري في السابع والعشرين من أكتوبر لقطاع غزة.
بدأت الألة الحربية الصهيونية في تجريف وهدم الأماكن الأثرية والمنازل القديمة التي تثبت الوجود والتاريخ، حيث تم تدمير المسجد العمري وهو من أقدم وأكبر المساجد في مدينة غزة، وتدمير حمام السمرة والمقابر الأثرية القديمة والمستشفي المعمداني، وكنيسة برفيريوس ثالث أقدم كنيسة في العالم، والتي ارتكب فيها الاحتلال مجزرة وقتل كل من فيها من النازحين في العشرين من أكتوبر عام 2023
كما تم تدمير قصر الباشا لآل رضوان الذين كانوا يحكمون قبل أربعمائة عام، وهو أحد أهم المباني الأثرية في غزة بني في عهد الظاهر بيبرس وتحول إلى متحف في عام 2010، بالإضافة لتدمير مجموعة كبيرة من الأثار الفلسطينية وتجريف الكثير من الأراضي واقتلاع المعالم الأثرية من قواعدها.
هل تم إحصاء ما خلفه العدوان الإسرائيلي من خسائر ومعالم تاريخية مهدمة؟
من الصعب الآن إحصاء ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية وستصدر هذه الاحصائيات بعد انتهاء الحرب، لكن لا أستطيع القول أنه بنسبة لا تقل عن ٩٥٪ من آثار تم تدميرها و٨٠ ٪ منها تم تدميرها بشكل كامل.
أما الآثار المتبقية فمنها مثلا مقبرتان إنجليزتان في غزة الكبيرة في منطقة التفاح والأخرى بمنطقة الزوايدة بقيت كما هي ولكن دبابات الاحتلال قامت بتجريف السور، يحزنني القول إنه كان لي الشرف منذ عامين أني أصدرت دليلا أثريا للمواقع الاثرية في غزة كل ما تم توثيقه بالدليل لم يعد له وجود الآن.
عند بدء الاجتياح لمناطق الجنوب مثل خان يونس ورفح كان هناك الكثير من الآثار من العهد المملوكي والعثماني تم تدميرها جميعا، و ليس هناك سبيل لترميمها لأنه لم يعد لها وجود حيث اجتثت من جذورها.
من وجهة نظرك ما الجهود أو الإجراءات الواجب اتخاذها في ظل تلك الهجمات الوحشية لحماية الهوية الفلسطينية والمعالم التاريخية؟
أشعر بالحزن والأسف لما آلت إليه الأوضاع بسبب ما اقترفته الآلة الصهيونية الوحشية، لكننا مستمرون في عقد الفعاليات والندوات والحوارات والمؤتمرات عن القضية والتاريخ والهوية والمقاومة الشعبية في الوقت الذي نجد إسرائيل تخشى الإعلام المضاد وتحاول السيطرة عليه للتغطية على جرائمها لكنها لن تفلح. هناك إجماع شبه عالمي لكشف جرائم الاحتلال في الاراضي الفلسطينية والأن اللبنانية أيضا.