حكايات النصر.. تمسكنا بمضيق سدر ١٧ يوما دون إمداد وقتلنا ٣٦ إسرائيليا
عاجل.. "فضل" يكشف تفاصيل واقعة أسر قائد المدرعات الإسرائيلية
د.عمرعلم الدين
مسعود: دمرت طيارتي حتى لا يستولي عليها العدو ومهمتنا استمرت ٨ أيام بدل من ١٨ ساعة
طلبة: الرياح ساعدت الصواريخ في العمليات للتغلب على مشكلة الوقود وتدمير ٧ طائرات فانتوم للعدو
حسن: النصر تحقق ببسالة المقاتل المصري وتضحيات شعبه
في حياة الأمم والشعوب، أيام مجيدة تصنع تاريخها، لما بذل في تلك الأيام من مسيرة جهادية شارك فيها الشعب مع جيشه لصناعة ملحمة حلمت بها أمة من المحيط إلى الخليج، وغيرت في العلوم العسكرية والخريطة الإدراكية والجغرافية، وانتصرت للحق وأهله، إنه انتصار أكتوبر العظيم، وبعد مرور ٥١ عامًا تحدثنا مع أهل النصر من أبطال القوات المسلحة، فمن شاهد التجربة ليس كمن سمع عنها وتتضح الصورة أكثر وأكثر بمرور نصف قرن من الزمان.
بنظرته الحادة الواثقة يقول اللواء طيار دكتور حسن محمد، مدير الكلية الجوية الأسبق وبطل أكتوبر: الماضي حاضر فات والمستقبل حاضر آت، ولا شك أن حرب 73 مثال واضح جدًا لقوة عسكرية أقل في الإمكانيات تغلبت على قوة عسكرية أخرى أكبر في الإمكانيات، والقوة العسكرية الأخرى كانت تتمتع بروح معنوية مرتفعة وصلت لدرجة الغرور، لأنه كسب أرض واحتلها، واستطاعت تطور قدراتها العسكرية والحصول على أحدث الأسلحة في وقتها، والتحدي القوي احتياجك لاسترداد أرضك، وهذا يستوجب الحرب، ورغم معرفتك أن إمكانياتك أقل حاربت وانتصرت.
هذا المثل يقول إنه “ليس بالمقومات المادية فقط تحصل على النجاح، لكن أيضًا هناك تأثيرات قوية جدًا ليس لها حدود يستطيع أن يفعلها البشر، وعندما نتحدث بصيغ عسكرية منضبطة استراتيجيًا، نجد أن بعض الاستراتيجيين يظهرون مساحة عالية جدًا في مقارنة الجيوش للروح المعنوية وتأثيرها والبعض الآخر يظهرون مساحة كبيرة للأسلحة، لكن خليني أستعين بكلمة قالها الجنرال ديجول "مهم في الحروب أن المهمة تبقى متناسبة مع الهدف وأن السلاح اللي تستخدمه يتناسب مع المهمة وأن القائد اللي هيقود عنده القدرة على تحقيق الهدف" احنا توفرت لنا الـ 3 عناصر عشان كده انتصرنا”.
ويستكمل بطل أكتوبر: “أنت في الحرب بتمر بـ 3 مراحل: المرحلة الأولى لديك استعداد عالٍ جدًا أنك تنال شرف المشاركة في المعركة، والمرحلة الثانية وهي الأخطر في الحرب، إنك تشعر برهبة الموت التي لها تأثيراتها وانعكاساتها، هنا لو أنت تغلبت على الرهبة دي بتدخل على المرحلة الثالثة وهي الاحتراف، أو إذا ضعفت تكون لها تأثيراتها النفسية الخطيرة، وبعد انتهاء الحرب المفروض تبدأ تتأقلم تاني إنك تستعيد رهبة الموت عشان تبقى إنسان طبيعي.
وبابتسامة هادئة يحرك يده لأعلى، ليقول اللواء أركان حرب طيار حسين مسعود، وزير الطيران الأسبق، إنه أثناء حرب أكتوبر، كان برتبة مهندس نقيب في سرب الهيلوكوبتر، وكان دوره إسقاط المظليين، وإنزال قوات الصاعقة خلف خطوط العدو 30 كيلو، مشيرًا إلى أن حرب أكتوبر شهدت ولأول مرة مقابلة الفرد للدبابة.
ويحكي بطل أكتوبر عن ملحمته: في 73 كنا مكلفين بنقل الكتيبة 143 صاعقة خلف خطوط العدو لعمل كمين في ممر سدر لمنع قوات المدرعة الإسرائيلية من المرور في هذا الممر، لأن بعد الضربة الجوية الأولى وضرب المدفعية بتبتدي قوات المشاة تعبر القناة، فكان المفروض إننا نعرقل أي قوات مدرعة إسرائيلية من انها تعبر القناة لحين عبور المشاة ثم عبور المدرعات، فعلاً إحنا نقلنا القوات يوم 6 أكتوبر الساعة أربعة ونص، وطبعًا الطيران بيكون على ارتفاع منخفض من خمسة متر لعشرة متر لتفادي الطيارات والصواريخ المعادية، وفعلا وصلنا لأرض الكمين اللي المفروض يتعمل، ولكن طيارتي أصيبت بصاروخ من إحدى الطيارات الإسرائيلية المعادية بعدما نزلت قوات الصاعقة، فتم الهبوط وقمنا بتفجيرها حتى لا يستولى عليها العدو وتم عمل الكمين يوم 11 أكتوبر، وكانت قوات المدرعة الإسرائيلية تحاول تعدي علشان تعمل تطويق للجيش الثالث من حده الشرقي، وقوات الصاعقة التحمت مع المدرعات ومنعت تقدمهم لممر سدر حتى نهاية الحرب رغم ان مهمتها كان الإعاقة لمدة 18 ساعة فقط، وجاءت أوامر بعد ما نفذنا المهام أن نرجع ننضم لقواتنا يوم 19، ورجعنا لقواعدنا يوم 22.
ويضيف بطل أكتوبر : مفاجأة حرب أكتوبر هي الجندي المصري، لأنه معداته كانت لا تنصفه فهو يحارب بطيارة ميج 17 وميج 21، والطرف التاني عندي ميراج وفانتوم، طائرات متقدمة جدًا، إنما العنصر الأساسي هو المقاتل المصري عمومًا، والمقاتل المصري خلفه مواطن مصري، فالجميع كرس كل شيء للمعركة، طبعا اتصالات مكانش فيه ولا مواصلات ولا طرق، ومشاكل في المواد الغذائية، بس الشعب المصري وقف ورا الجيش ولولا إنه وقف ورا الجيش مكانش هيبقى فيه حرب.
وبحماسة وصوته الجهور يقول الفريق مجدي شعراوي قائد القوات الجوية الأسبق إن حرب أكتوبر تتميز بالدقة العالية والتخطيط الجيد والاستخدام الأمثل للأسلحة و في حرب الاستنزاف كنا نقوم بمعارك جوية، ولكن حاجات منفصلة، ولكن حرب 73 كانت ملحمة، القوات البرية بتتحرك على الأرض، قوات الدفاع الجوي بتحمي السماء، القوات الجوية بتهاجم الأهداف وتهاجم الطائرات الموجودة، الحرب الإلكترونية شغالة، البحرية في مجالها تأمن الجوانب من ناحية البحر والجندي المصري كان مفاجأة الحرب .
ويتذكر اللواء د. نصر سالم رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، أن الطائرات تركتهم في المكان المحدد الساعة 6 في آخر ضوء بالظبط وتم السير علي الاقدام 11 كيلو متواصل، بنجري شوية ونمشي شوية بدون توقف، وبعدها استكملنا الطريق لنقطع ال 60 كيلو في اللية ووصلنا لهدفنا، وكان أول هدية ببلغها لقواتنا مع أول ضوء هو اكتشاف لواء مدرع العدو وقبل اخر ضوء يوم 7 اكتوبر كانت القوات الجوية بتاعتنا متدخلة ضده ودمرت ثلث هذا اللواء.
وبدقة يقول اللواء أركان حرب محمد عبدالمنعم طلبة أحد أبطال سلاح المدفعية: “حسبت البيانات بأي حال من الاحوال الصواريخ بتاعتي متوصلش مسافة حوالي 70 كيلو مش هوصل، فبلغت قالوا خلاص احنا نضرب التجمع، ضربنا التجمع ب 6 صواريخ، 3 وقعوا في التجمع و 3 بقدرة ربنا كملوا المشوار ازاي متعرفش لأن بالحساب كده الوقود الموجود ميوصلكش لكن كمل ال 3 صواريخ بسرعة رياح بقى وقوة ريح وقعوا في وسط مطار شعير في وسط 7 طيارات فانتوم اتدمروا”.
وكأنها اليوم يتذكر اللواء أركان حرب محي نوح بطل أكتوبر، ويقول “واحنا داخلين في إحدى العمليات حصل انفجار في مجموعتي الفرد اللي ورايا اتفتح بطنه نصين، انا اتعورت في ضهري، شيلت الفرد اللي ورايا، اختلط دمي بدمه علشان اعبر بيه القناة وارجع بيه مرة تانية لا أعلم اذا كان مسيحي او مسلم لكنه مصري لا يمكن اتركه عشان الاسرائيليين يفعلوا فيه ما يشاءون، هي دي روح المقاتل المصري في هذا التوقيت”.
ويستطرد اللواء أركان حرب محمد سامي فضل، قائد معركة مضيق وادي سدر جنوب سيناء: “تمسكنا بمضيق وادي سدر 17 يوم دون أي نوع من الإمداد، فكان هنا معدن الجندي المصري والضابط المصري بخصوص الصبر والجلد وانك تتصرف في الأكل والشرب بحيث انك لا تترك مكانك، تم طبعا تنفيذ المهمة تنفيذ رائع، تم قتل 36 جندي اسرائيلي من القوات الصهيونية على رأسها إبراهام قائد سلاح المدرعات الاسرائيلي، أخذت انا منه خرائط تخص المنطقة الجنوبية لسيناء وتم تسليمها لضابط استطلاع الجيش الثالث”.