عاجل
السبت 21 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

مثله مثل أي مرض.. إلى كل مريض نفسي: انت مش مجنون

استشارى طب نفسي: المرض النفسي يختلف عن العقلي.. وعلاجه أسهـل!

زيارة الطبيب النفسي ليست شبهة.. ودعـــم الأُســــرة للمريض ضـــرورة



المريض النفسي واعٍ بحالته.. والعلاج يبدأ بالاقنـاع

العنف والتدليل الزائدان.. خطران يهددان الصحة النفسية للأبنـاء

لا تستهين بزيارة الطبيب النفسي.. وتأثير الأعراض على الأداء اليومي هو الفيصل

بدت شاحبة الوجه، غارقة في الحزن، تشتكي من أرق مستمر، وتسارع في ضربات القلب، فقدت شغفها بهوايتها المفضلة، الرسم، حتى عملها أصبح بالنسبة لها "تضييع وقت!" حسب تعبيرها. وفي كل زيادة للطبيب تسمع العبارة نفسها: "زي الفل ..أعراض نفسية، بطلي تفكير كتير!".

وبعد تفكــير استجمعت قواي وقلت لهـا: "أيه رأيك تروحي لدكتور نفسي!؟"، فجأة.. نظرت إلىّ نظرة حادة وكأنني اقترفت ذنبًا لا كفارة لـه، ثم ابتسمت بسخرية وقالت: "آه أنا تعبانة.. بس لسه متجننتش!".  

انتهى حديثي معها دون أن تقتنع بفكرة استشارة طبيب نفسي. لكنني لم أتعجب ردة فعلها، فوصم المرض النفسي بالجنون ما زال موجودًا في مجتمعاتنا!.

 

تصورات خاطئة

كثيرًا ما تخلط مجتمعاتنا بين المرض النفسي والمرض العقلي، حيث تُحيط بالمرض النفسي مجموعة من المعتقدات المتوارثة التي ترسخت في الأذهان عبر الأجيال، ولعل أبرزها هو ربط المرض النفسي بالجنون، والاعتقاد بأن المريض النفسي قد فقد عقله بالكامل، مما يجعله عرضة للسخرية وعدم الاحترام من المجتمع، بل ويعتقد البعض أن مخالطة المريض النفسي تشكل خطرًا على الآخرين.

ومن ناحية أخرى، ينظر البعض إلى المرض النفسي باعتباره عقوبة إلهية، أو دليلاً على ضعف الشخصية  وقلة الإيمان. مما يجعله وصمة عار يسعى الكثيرون لإخفائها؛ ونتيجة لذلك تضررت العديد من العلاقات وتفككت الكثير من الأسر.

فكم من علاقات كانت مستقرة ولكنها مُزقت لمجرد أن أحد طرفي العلاقة يعاني بعض الاكتئاب، وكم من أُسر أخفت أحد أبنائها عن الأنظار كونه مصابًاببعض الاضطرابات النفسية، ونظرًا لعدم انتشار ثقافة الاعتراف بالمرض النفسي في مجتمعاتنا أصبحت فكرة الذهاب إلى عيادة دكتور نفسي شبهة!

"بوابة روزاليوسف" استطلعت آراء المتخصصين والجمهور في محاولة للإجابة عن السؤال: هل المريض النفسي مجنون؟؟

 ماذا تعرف عنه؟

التقينا مجموعة من الشباب الجامعي لاستطلاع آرائهم حول المرض النفسي، وضرورة الاهتمام بالصحة النفسية.

تقول الطالبة خلود هاني: "من وجهة نظري، يمكن أن يصيب المرض النفسي الإنسان نتيجة صدمة كبيرة تعرض لها في حياته، أو بسبب خذلان من شخص كان له مكانة خاصة. كذلك، قد ينشأ المرض النفسي عندما يكون لدى الشخص أحلام وأهداف كبيرة لم يتمكن من تحقيقها بسبب الظروف. كل هذه العوامل قد تؤدي إلى الإصابة بأمراض نفسية مختلفة".

وتُضيف: "أعتقد أن هناك ارتباطًا كبيرًا بين المرض النفسي والجنون، فقد يكون المرض النفسي بداية لمرض عقلي، أو ربما يتحول إلى مرض عقلي نتيجة تراكم الضغوط النفسية التي تعرض لها الشخص في مراحل مختلفة من حياته".

 

أما الطالبة نهلة إبراهيم فتقول: "المرض النفسي قد يكون حالة يتعرض لها الإنسان نتيجة مؤثرات معينة، كالخوف من الموت أو الوحدة. هذه المؤثرات قد تؤدي قد إلى اضطرابات نفسية تجعله غير واعٍ تمامًا  لتصرفاته، والله أعلم".!

 

 بينما توضح إسراء عمرو رأيها في المرض النفسي قائلةً: "أعتقد أن المرض النفسي هو عبارة عن اضطرابات أو خلل في شخصية الإنسان، ولا أرى أي علاقة تربط بين المرض النفسي والجنون"، وتؤكد رأيها: "المرض النفسي قد ينشأ نتيجة لممارسات خاطئة أو سلبية تعرض لها الفرد منذ صغره، مثل تفضيل الأب لأحد أبناءه على الآخر، أو التمييز بين الولد والبنت، أو تعرض الشخص للتنمر والسخرية بسبب إعاقة أو غيرها من الظروف. أعتقد أن هذه بعض الأسباب التي تؤدي إلى ظهور الأمراض النفسية".

تزور طبيب نفسي؟ 

وعن إمكانية ذهابها لطبيب نفسي تقول إسراء: 'لا أعتقد أنني سأذهب إلى طبيب نفسي إذا شعرت بأعراض غير طبيعية. في عائلتي أو محيطي، لا توجد هذه الثقافة، لكن هناك طرق أخرى مثل اللجوء إلى الله، ومداومة قراءة القرآن الكريم، أو الحديث مع شخص ثقة. لكنني لا أرى أن الأمر قد يصل إلى زيارة طبيب نفسي"!

ومن جانبها تقول بسمة عبده: "أرى أن المرض النفسي ليس بالضرورة خللًا في المخ، فقد يكون عدم ثقة في النفس تؤدي إلى إصابة الفرد بأمراض نفسية عديدة، وأرحب جدًا بفكرة الذهاب لدكتور نفسي. فعلًا هذه الثقافة ليست مألوفة في مجتمعاتنا، لكن لو لاحظت أنني ظهور أعراض غريبة غير معتادة عليّ .. ايه المانع؟!

 

بينما توجه نهى عبدالمنعم رسالة تقول فيها: "المرض النفسي مثل أي مرض، وكما نحرص على العلاج من الأمراض الجسدية، فمن باب أولى أن نهتم بصحتنا النفسية؛ لأن المرض النفسي في تقديري قد يكون له تأثير بالغ الخطورة على صحة الفرد الجسدية إذا لم يتم التعامل معه بشكل صحيح. لذلك، فإن سرعة استشارة الطبيب النفسي عند ظهور أعراض غير طبيعية أمر ضروري"، وختمت قائلةً: "ليس عيبًا أن يكون الإنسان مريضًا نفسيًا .. في الحقيقة، كلنا مرضى نفسيــون"!

 

ما رأي المتخصصين؟

المرض النفسي والعقلي ..هناك فرق!

وفقًا لما أوضحه الدكتور جمال فراويز، استشاري الطب النفسي والمخ والأعصاب، فإن هناك فرقًا جوهريًا بين المرض النفسي والمرض العقلي من الناحية العلمية. فالمرض النفسي هو نتيجة طبيعية للتفاعل اليومي مع الحياة والمواقف المختلفة دون أن يتأثر المخ بأي خلل عضوي، بينما المريض العقلي يعاني من تغيرات سلوكية ملحوظة ناتجة عن خلل في تركيبة الدماغ، مما يجعله خطرًا على نفسه وعلى من حوله.

 

ويشير الدكتور جمال، إلى أن المريض النفسي يدرك مشاكله ويسعى عادة لحلها، مما يجعل إقناعه بالحاجة إلى العلاج أسهل، في حين أن المريض العقلي ينكر مرضه تمامًا، مما يزيد من تعقيد حالته.

 

أبرزها عوامل وراثية وتربوية.. أسباب الأمراض النفسية

يوضح الدكتور فراويز، أن "العوامل الوراثية والتربوية" تلعب دورًا كبيرًا في ظهور الأمراض النفسية. مؤكدًا على أن التربية السليمة منذ الصغر تساهم بشكل كبير في تشكيل شخصية الطفل وتنشئته بشكل متوازن نفسيًا، مما يقلل من احتمالية تعرضه لأي اضطرابات نفسية أو مشاكل سلوكية.

 

كما يبرز دور الأب في تشكيل شخصية أبناءه، مشيرًا إلى أن التصرفات العنيفة أو نقص الاهتمام بالتوجيه والنصح يمكن أن تؤثر سلبًا على الأبناء. ويقول: "الأب يمكن أن يكون سببًا في إصابة ابنه بمرض نفسي، فالأب العنيف الذي يضرب ابنه ويستخدم العنف في توجيهه، يخلق شخصية معقدة وتعاني من مشاكل نفسية." ويحذر بشدة من عواقب العنف والتدليل المفرط، قائلاً: "احذروا ولا تستهينوا بتصرفاتكم، فالعنف والتدليل الزائدين لهما عواقب وخيمة على أبنائكم."

 

زيارة الطبيب نفسي ضرورة.. لكن بشرط !

وحول ضرورة الذهاب لطبيب نفسي، يقول الدكتور فراويز إنه يجب اللجوء إلى الطبيب النفسي عندما تظهر أعراض تؤثر بشكل كبير على حياة الفرد اليومية، وتمنعه من ممارسة أنشطته بشكل طبيعي كما كان في السابق. وتشمل هذه الأعراض: فقدان الشغف بالدراسة أو العمل أو الهوايات، أو مشاكل مستمرة في النوم مثل الأرق الشديد أو النوم الزائد، بالإضافة إلى أعراض جسمانية مثل الصداع، وزيادة نبض القلب، وزغللة في العينين، وجفاف الحلق، وبرودة في أطراف أصابع اليدين والقدمين. في مثل هذه الحالات، يكون من الضروري زيارة الطبيب النفسي لتلقي العلاج المناسب.

 

طرق العلاج كثيرة.. ودعم الأسرة ضرورة

وعن طرق العلاج، يوضح الدكتور فراويز، أن نوع العلاج يعتمد على شدة الحالة، حيث يمكن لبعض الحالات أن تكتفي بالجلسات النفسية فقط، بينما تتطلب حالات أخرى تدخلًا دوائيًا ، كالذين يعانون من الاكتئاب الشديد، أو الأشخاص الذين حاولوا الانتحار سابقًا.

 

يذكر الدكتور فراويز، أن العلاج يمكن أن يكون دوائيًا، معرفيًا، سلوكيًا، أو حتى باستخدام الأجهزة. ويتوقف اختيار نوع العلاج بناءً على كل حالة مرضية على حدة.  ويضيف، أن حوالي 80 إلى 85% من المرضى يستجيبون للعلاج، ويبدأون في الشعور بتحسن ملحوظ بعد أسبوع إلى عشرة أيام من بدء العلاج. مؤكدًا أهمية دعم الأسرة للمريض، وإن الوعي بالمرض يلعب دورًا مهمًا في عملية التعافي.

 

إذَنْ .. ليس جنونًا!من خلال ما سبق يتضح أن المرض النفسي ليس جنونًا،بل هو مرض كسائر الأمراض قد يصيب أي شخص نتيجة الضغوطات والمشكلات اليومية، أو المواقف والأزمات التي تفوق قدرة الشخص النفسى على التعامل معها، الأمر الذي قد يجعله عُرضة للإصابة بمشاكل مثل الاكتئاب وأمراض نفسية أخرى.

كما أن الأمراض النفسية يمكن علاجها إذا لم نهملها، كضرورة الاهتمام بالصحة النفسية والمبادرة بالذهاب إلى الطبيب النفسي في حالة الشعور بأعراض غير مألوفة كالقلق الزائد والحزن المفرط وعدم التأقلم مع الآخرين، أو انخفاض القدرة على التركيز وتشويش التفكير والشعور بالذنب المستمر، أو الإجهاد الذي يصل إلى عدم قدرة الفرد على التعامل مع المشاكل اليومية بشكل طبيعي.

فإلى كل أُسرة بها مريض نفسي، وإلى كل من يتعامل مع مريض نفسي: حافظوا على علاقتكم به، فهو في أمَسّ الحاجة إلى دعمكم. وإلى كل مريض نفسي: انتَ مش مجنون!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز